«خطب يزيد بن معاوية ابن أبي الدرداء، فرده أبو الدرداء ولم يقبله. ثم خطبها رجل من ضعفاء المسلمين فزوجه إياها. فسار الخبر بين الناس أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فرده ثم خطب إليه رجل من ضعفاء المسلمين فزوجه، فقال أبو الدرداء: إني نظرت لابنتي الدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان، ونظرت في بيوت يلتمع فيها بصرها. أين دينها منها يومئذ»؟. موقف عظيم هو أبلغ من طويل الخطب والمواعظ، وهذا شأن أصحاب الرسول ص أنهم مكثرون من العمل الصالح، مقلون من الكلام والمواعظ، وكم من فرق بين التنفيذ العملي ولقلقة اللسان! هذه الحقيقة الغائبة عن حياتنا، وكم نحن بحاجة إليها، ذلك أن يكون لنا ميزان واضح نقيس فيه الرجال، وعلى أساسه نقبل الخاطب أو نرده، أما أبو الدرداء فكان له ميزان الشريعة يزن فيها خطّاب ابنته، فمن ثقل ميزانه قبله ولو كان فقيرا، ومن طاش ميزانه رفضه ولو كان غنيا أو أميرا. كثير منا يحلم بالفارس الأمير لابنته، والبنت كذلك، لكي تعيش العيش الهنيء، والنعيم الرغيد، وما يدفعه إلى ذلك إلا حبه لها وحرصه عليه، لأنه يرغب عليها أن تعيش تعيسة محتاجة إلى الغير. ولو فكر هذا المسلم قليلا وأقام الميزان الالهي في قلبه وعقله لاختار لها الزوج الغني، لكنه الغني بإيمانه وعلمه وأخلاقه، لأن السعادة في كنف هذا الرجل سعادة الدنيا والآخرة، وان كان الآخرون لا يرون إلا الكفاف في المعيشة لهذين الزوجين، ويظنون بهما شقاء المعيشة، فهم يظنون ظنا لا حقيقة فيه، بل السعادة في قلوبهم غامرة، وهل السعادة إلا رضا اللّه والسعي لنيل رحمته، مع كرامة الأخلاق والصدق والعدل والرحمة والعطف على زوجته وصبره عليها. لكن الذي اختل ميزانه واختار لابنته رجلا ثريا يملك الكثير من المزارع والبيوت وما تحتويه من بريق الاثاث الفاخر، ولم ينظر إلى دينه وخلقه وعلمه، بل ربما كان جاهلا سفيها فاسدا فاعلم انه الاختيار الأسوأ لابنته، وانه ظلمها ظلما يستحق بذلك غضب اللّه. فهل هانت عليه ابنته إلى هذا الحد حتى يرميها في جحيم الحياة مع هذا الرجل، ويظن ان بيته نعيم وعيشه نعيم، حتى ان ابنته لن تغفر له زلته وسوء اختياره وستقف يوما ما لتلومه على اختيار هذا الفاسد، لأن الأيام الأولى من زواجهما ستكشف لها ان المال ليس سعادة للانسان من غير دين وخلق وعلم.