تونس (الشروق) في حوار مع «الشروق» عبر الهاتف من دمشق تحدّث الدكتور جورج جبور عن بيان مجلس الأمن الدولي الأخير حول الوضع بين سوريا ولبنان وقال ان مجلس الأمن الدولي تجاوز صلاحياته عندما تناول العلاقة الودية وغير المتوترة بين سوريا ولبنان كما تحدّث أيضا عن استقالة الحكومة اللبنانية والظرف التي تمت فيه نافيا أن تكون دليل انشقاق في الموقف السوري اللبناني. والدكتور جورج جبور هو عضو مجلس الشعب السوري وهو أيضا رئيس ا لرابطة السورية للأمم المتحدة وأستاذ المذاهب السياسية في الدراسات العليا بكلية حقوق جامعة حلب وهو أيضا مستشار سابق للرئيس حافظ الأسد. لماذا يتخذ مجلس الأمن الدولي وبطبيعة الحال الولاياتالمتحدةالأمريكية وراءذلك هذا الموقف المتصاعد من سوريا؟ الموقف السوري واضح وهو أن مجلس الأمن الدولي قد تجاوز صلاحياته حين يبحث في علاقة ودية غير متوتّرة بين بلدين جارين وصديقين. مجلس الأمن الدولي يختصّ بمعالجة المواضيع التي تهدّد الأمن والسلم الدوليين وليس هناك في العلاقة السورية اللبنانية ما يهدّد الأمن والسلم الدوليين بل على العكس من ذلك إذا كانت كل علاقات دول العالم بعضهم مع البعض الآخر مثل علاقة سورية ولبنان فإن الحاجة لمجلس الأمن الدولي تصبح باطلة بالأساس نحتاج مجلس الأمن الدولي لكي ينهي احتلال إسرائيل لجزء من سوريا وجزء من لبنان والضفة الغربية وغزة. هذا هو الاحتلال بعينه المستمر منذ 40 عاما تقريبا والذي هو أساس كل شرور المنطقة. يذكرني مجلس الأمن بحكاية عن جحا. فقد جُحا بعض النقود في الطريق على رصيف مظلم فذهب إلى الرصيف الثاني حيث هناك ضوء وأخذ يبحث عن نقوده في ذلك الرصيف فقيل له لماذا تبحث عن نقودك هنا وأنت أضعتها هناك. قال هنا أستطيع أن أرى وهناك لا أستطيع أن أرى. مجلس الأمن يستطيع أن يبحث وجود القوات السورية في لبنان ولكنه لا يستطيع أن يبحث وجود الاحتلال الاسرائيلي في سوريا ولبنان وفلسطين ولذلك وجّه جهده باتجاه سوريا ولبنان، ولم يوجهه باتجاه اسرائيل. كثير من الأمور التي تأتي بها الادارة الأمريكية، تذكّرنا بقصص جحا ومنها البحث عن أسلحة التدمير الشامل في العراق بدل البحث عنها في اسرائيل، لكن الحضارة الأمريكية لا تمتد إلا لست قرون وجحا كان سابقا لهذه الحضارة، لعل أهم ما نفعله في حوار الحضارات هو أن نترجم للأمريكيين قصص جحا، من أجل تصحيح المسار الديمقراطي الأمريكي في أمريكا بالذات، ذلك المسار الذي تحاول أمريكا فرضه على العالم كلّه. *ما هي أسباب هذا التصعيد، وكيف تتعاملون معه، كسوريين، وإلى ما يرمي في نهاية المطاف حسب رأيكم؟ الذريعة هي التمديد الرئاسي اللبناني، والحقيقة قديمة ومتجددة دائما وهي نزع سلاح حزب اللّه، تمهيدا، لنزع سلاح كل المقاومات للاحتلالين الاسرائيلي والأمريكي وتقليص دور سوريا في المنطقة لحساب دور اسرائيل والنظم الموالية لها أو المتعاهدة معها. ذلك هو السبب الحقيقي لهذه الحملة على سوريا، وهي ليست جديدة، والمطالب الأمريكية معروفة وهي ليست جديدة بل متجددة دائما. وإذا كانت تونس مع سوريا، وإذا كانت كل الدول العربية الأخرى مع سوريا، وبتعبير أفضل، إذا كان العرب يستطيعون أن يعملوا معا، برئاسة الرئيس زين العابدين بن علي مثلا أو برئاسة حسني مبارك، أو برئاسة الرئيس بشار الأسد، فإنهم يستطيعون الوصول الى حقوقهم، أما إذا ظلّوا متعثرين متفرقين، فإن الذئب سيأكلهم الواحد بعد الآخر. نحن معتادون على هذا التصعيد منذ فترة طويلة، تصعيد سياسي وعسكري معا، ففي عام 1967 اقتربت القوات الاسرائيلية من دمشق وفي عام 1973 اقتربت أكثر، والتهديدات الاسرائيلية والأمريكية للحكومة السورية مستمرة منذ أكثر من 40 عاما، نحن إذن معتادون على هذا النوع من التهديد، وقد نجحنا حتى الآن في التصدّي له، لكن الماضي ليس ضمانة للحاضر أو للمستقبل، بمعنى أننا نحاول دائما أن نجد أسلحة جديدة وأن نحسّن من تعاملنا وأسلحتنا الدائمة. وفي رأيي فإن سلاحنا الدائم والأقوى هو تعاطف الرأي العام العربي والاسلامي والانساني معنا، فنحن اصحاب قضية حق، وحين نسمع في بريطانيا مطالبات بمحاكمة بلير وحين نرى في امريكا رجلا مثل رالف نادر، وأصله من بلاد الشام، يحاول تحسين النظام السياسي الامريكي فإننا نشعر بأن هناك في العالم من يتفهمنا ويحاول ردّ الشرور عنا. ثم فلنتذكّر دائما ان هذا كان قدر دمشق عبر التاريخ، فهي التي ارشدت القديس بولس الى المسيحية ومنها انتشرت المسيحية في العالم، وهي التي تعهدت الاسلام ونشرت نوره شرقا وغربا، وهي التي صدّت الفرنجة ايام صلاح الدين... لكن الماضي كما قلت ليس ضمانة للحاضر والمستقبل، فعلينا اذن ان نتابع بذكاء العمل الديبلوماسي على الصعيد الدولي، وبعد يومين تحل الذكرى التاسعة والخمسين لانشاء منظمة الاممالمتحدة، وبصفتي رئيس الرابطة السورية للامم المتحدة، فسأوجه بعد يومين نداء الى كافة روابط الاممالمتحدة في البلاد العربية للبدء بالتحضير للذكرى الستين لانشاء هيئة الاممالمتحدة التي تصادف الرابع والعشرين من اكتوبر سنة 2005، لكي نحاول تصحيح مسارات نظم الحكم في البلاد القوية لتصبح منسجمة مع ميثاق الاممالمتحدة، الذي هو ضمانة للشعوب. *استقالة الحكومة اللبنانية، بعد اعلان مجلس الامن حول سوريا ولبنان، الا تعتقدون انه ربّما يسيء لصورة الاجماع القائم بين البلدين حول هذا الموضوع؟ في لبنان رئيس مدّد له، وتقضي التقاليد بان يقدم رئيس الوزراء السابق استقالته، وقد اجرى الرئيس الممدّد له مشاورات سياسية ملزمة سأل خلالها اعضاء مجلس النواب عمن يرغبون بان يتولى رئاسة الوزارة، فكانت الاغلبية لصالح السيد عمر كرامي، ونحن بانتظار تشكيل الوزارة الجديدة وردود الفعل عليها. ولابد من الملاحظة ان لبنان هو اكثر دولة عربية، تكاد تتوازن فيها جهتا الموالات والمعارضة، بمعنى ان المعارضة في لبنان كانت وما تزال صوتا قويا وذا نفوذ، وبالتالي فان ما حدث ليس انشقاقا بل ممارسة للديمقراطية، ثم ان رئيس الوزراء السابق، كانت استقالته متوقعة منذ فترة، ولكنه بالصدفة او بغير الصدفة، قرّر تقديمها، في ذلك اليوم، ثم ان الامور الدولية تؤثر على منطقتنا من العالم منذ زمن بعيد، فلنلاحظ ان مؤتمرا جرى عقده في بال بسويسرا عام 1897 من قبل بعض الصهاينة، هو الذي كتب مستقبل المنطقة والصراع فيها منذ ذلك الوقت وحتى الان. مؤتمر بال في سويسرا كان هامشا صغيرا في التاريخ الاوروبي، ولكنه كان عنوانا لكل السياسة في منطقتنا من العالم منذ 110 سنوات فلماذا اذن نستغرب ان يكون لمجلس الامن الدولي تأثير على السياسة في لبنان وعلى توقيت استقالة رئيس الوزراء، علما وان رئيس الوزراء المستقيل نفسه، لم يربط بين تقديمه الاستقالة وبين البيان الذي صدر عن مجلس الامن الدولي، ولعل الامر كان مجرد صدفة.