أيام قليلة تفصلنا عن انتهاء المهرجانات الصيفية والتظاهرات الثقافية التي اقترن موعدها بفصل الصيف وباتت تقليدا تونسيا او احتفالات موسمية نمسي عليها كل يوم الى حين انقضاء فصل الصيف. ماذا جنينا من هذه الاحتفالات او هذا التقليد الذي تجاوز عمره الآن اكثر من ربع قرن عرف خلاله تحولات وتغيرات انتهت الى ما نراه اليوم في غالبية المهرجانات من فوضى وتدني في مستوى العروض والذوق الفني العام ! عندما قام معهد قرطاج في افريل من عام 1906 خلال فترة الحماية الفرنسية بتنظيم اولى الاحتفالات الفنية او المهرجانات الثقافية في المسرح الروماني بقرطاج لم يكن الهدف من هذه الاحتفالات الترفيه عن الناس او تثقيفهم كما هو متداول اليوم بالنسبة للمهرجانات الصيفية والتظاهرات الثقافية ، وانما كان الغرض احياء هذا المعلم الاثري والمحافظة عليه من الاندثار بعد ان كان مقبورا ومهملا لمئات السنين يتهدده الهدم والاتلاف بسبب جهل المجتمع في ذلك الوقت بقيمته وحقيقته . وفي ستينيات القرن الماضي رأت دولة الاستقلال في هذا التراث العريق ركيزة ووسيلة لدفع عجلة التنمية وذلك بمواصلة الحفاظ على هذا التراث الوطني والعالمي من جهة واستغلاله من جهة اخرى من اجل نشر الثقافة الوطنية وترسيخها ، فتم بعث العديد من التظاهرات والمهرجانات الصيفية على غرار قرطاج والحمامات . كما تم تأسيس العديد من الفرق الفنية المسرحية والموسيقية من اجل دعم برامج هذه التظاهرات بانتاجات ثقافية وطنية واعطاء كل منها خصوصية فنية تميزها عن الاخرى كتخصيص مهرجان الحمامات للمسرح وقرطاج للعروض الموسيقية والفنية الكبرى ... ولم يكن دور هذه المهرجانات في الحقيقة مقتصرا على الجانب التثقيفي فحسب بل كان هناك حيز من الترفيه في عديد العروض المختارة ولكن دون اغفال القيمة الفنية لكل عرض يقع اختياره في هذا المهرجان او ذاك . وكانت كل العروض تقريبا تمر امام لجان فنية مختصة وخصوصا في المهرجانات الكبرى كقرطاج . وتتولى هذه اللجان تقييم العروض وانتقاء الجيد منها لمنحه تأشيرة العرض . ومع نهاية تسعينيات القرن الماضي بدأت هذه المهرجانات في التراجع والانحدار بسبب تغليب الجانب الترفيهي والتجاري في برامجها والعمل بنظام " ما يطلبه الجمهور " فتلاشى عمل اللجان وتكثف تدخل متعهدو الحفلات والدخلاء من اصحاب الجمعيات المتسترة بلحاف العمل الاجتماعي فتحولت المهرجانات الى سوق تجارية لا علاقة لها بالثقافة ولا بالتنمية ، اضف الى ذلك تنصل وزارة الثقافة في السنوات الاخيرة من مسؤلية تنظيم ومراقبة كل المهرجانات رغم اصرارها على الاحتفاظ بمهرجاني قرطاج والحمامات... وما الفوضى التي تابعناها في الايام الاخيرة في غالبية المهرجانات الصيفية من تدني في العروض الفنية وفي الذوق الفني العام الذي بات عليه الجمهور الا نتيجة حتمية لاستقالة وزارة الثقافة من كل مسؤولياتها تجاه هذه المهرجانات والتظاهرات الثقافية وافتقارها لاي مشروع ثقافي من اجل الحفاظ على هذا التقليد الذي ظل يميزنا لاكثر من نصف قرن عن باقي دول العالم ... ان كل ما نخشاه اليوم هو اندثار هذا التقليد خصوصا واننا مهددون حتى بسحب موقع قرطاج من لائحة اليونسكو للتراث العالمي بسبب الاهمال وعدم المبالاة . محسن عبد الرحمان