في تونس، كما في سائر دول العالم، يدفع المواطن ضرائب عديدة ومرتفعة إلا أنه لا يلقى مقابل ذلك – عكس عديد دول العالم - خدمات عمومية جيّدة ومحترمة.. في تونس يدفع المواطن للدولة ضريبة على المداخيل وضريبة على أغلب العمليات الإدارية واستخراج الوثائق وإبرام العقود، ويدفع معلوم جولان السيارة وأداء على القيمة المضافة TVA (في كل المشتريات دون استثناء) ويدفع معلوم الاستهلاك ومعاليم التسجيل والطابع الجبائي droit de timbre والمعاليم الراجعة للجماعات المحلية وضرائب على العقارات .. ويدفع المواطن أيضا ضرائب قارة في فواتير الماء والكهرباء والهاتف والانترنت ويدفع أحيانا "إتاوة" ومعلوم المرور على الطريق السيارة ويتحمل المسافرون أو العائدون من الخارج معلوم طابع السفر والمعاليم الديوانية. وهي جميعها ضرائب "إذعان" أي أن المواطن يكون مجبرا على دفعها وليس مُخيّرا.. ورغم أن الضريبة والجباية واجب "تاريخي" وكوني محمول على كل المواطنين دون استثناء في كل الدول، إلا أن المنطق يقول انه يجب ان يقابل هذا الواجب الحق في خدمات عمومية دائمة وذات جودة. فلا يعقل أن يتكبد المواطن معاناة انقطاع الماء في مثل هذه الأيام القائظة بعد أن دفع معلوما قارا في فاتورة الماء من المفروض أن يُوجّه للصيانة حتى يقع تجنب انقطاعات الماء.. ومن غير المعقول أن يعاني المواطن من انقطاع الكهرباء والحال انه تكبد معاليم عديدة في فاتورة الكهرباء من المفروض أن توجه هي الأخرى لتحسين جودة الشبكة.. ومن غير المقبول في تونس اليوم أن تكون شبكة الاتصالات والانترنت ذات جودة رديئة ومن أضعف ما يوجد في العالم والحال أن المواطن يدفع اداءات وضرائب عديدة مقابل خدمات الهاتف او الانترنات.. ومن غير المقبول أن يعاني صاحب السيارة في تونس من البنية التحتية الرديئة للطرقات وان يتحمل حصول أضرار كبيرة لسيارته وأحيانا يذهب ضحية حادث مرور أليم جراء ذلك، وهو الذي يدفع سنويا لخزينة الدولة معلوم الجولان ومعلوم العبور على الطرقات السيارة ومعلوم الفحص الفني.. ولا يمكن للمواطن أن يقبل اليوم بتواصل الاكتظاظ في الإدارات وبالتعطيلات الكبرى لمصالحه واحيانا بالتسبب في الحاق ضرر به رغم أنه يدفع اموالا مقابل استخراج وثيقة او ابرام عقد أو غير ذلك من الخدمات الإدارية.. ومن غير المعقول أن يتحمل المواطن يوميا دفع الأداء على القيمة المضافة في كل مشترياته دون أمل في توجيه ذلك المعلوم لتحسين خدمات المرفق العام المختلفة خاصة لتحسين حالة المستشفيات والمدارس والمعاهد والنقل العمومي وغيرها من الخدمات التي سئم المواطن تردي حالتها وجودتها.. لقد آن الأوان اليوم لأن تتحلى مختلف هياكل ومؤسسات الدولة بأكثر ما يمكن من مسؤولية ونزاهة في تعاطيها مع خدمات المرفق العمومي وأن تعمل على ردّ ما تحصل عليه الدولة بعنوان الجباية والضريبة إلى المواطن، من خلال تقديم خدمات عمومية في المستوى وتحترم حق المواطن في حياة كريمة ولم لا حقه في السعادة وفي جودة الحياة، كما هو الحال في عديد الدول التي تحترم مواطنيها. وقد أثبتت التجربة في عديد الدول، انه كلما كانت الدولة أكثر احتراما لمواطنيها في مجال خدمات المرفق العام، إلا وتضاعف الشعور بالمواطنة لدى المواطن وترسخت لديه ثقافة الحفاظ على الملك العام وخدمة المصلحة العمومية وتراجعت نسبة التهرب الضريبي في المجتمع. وكلما تعاطت الدولة مع جودة الخدمات العمومية بمنطق اللامبالاة والتجاهل وعدم احترام المواطن فإن ذلك لن يُخلف داخل المجتمع سوى شعورا دائما بالاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي وقد يُقابله المواطن، بدوره، بلامبالاة كلما تعلق الأمر بالصالح العام وبأداء مختلف الواجبات.. فاضل الطياشي