رغم أن مذكرة التفاهم الموقّعة مؤخرا حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي مثلت خطوة هامة لمزيد تمتين العلاقة بين بلادنا والشريك الاقتصادي والمالي التاريخي والاستراتيجي، إلا أنها أثارت في الآن نفسه جملة من التساؤلات حول ما قد يترتّب عنها من "غلق" أبواب شراكات مماثلة بين تونس وأطراف أخرى غير الاتحاد الأوروبي. فهذه المذكرة جاءت في وقت اصبح فيه الظرف العالمي الجديد يقتضي من كل الدول "انفتاح الكل على الكل" وعدم الاقتصار على شريك واحد، وهو ما يجب ان تقرأ له بلادنا حسابا وأن لا تكتفي بشراكات اقتصادية ومالية في اتجاه واحد وأن تعمل على تنويعها في كل الاتجاهات. فإبرام مذكرة تفاهم حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي لا يجب أن يقف حائلا أمام إبرام مذكرات تفاهم او اتفاقيات شراكة وتعاون مع أطراف أخرى من جميع أنحاء الكرة الأرضية. من ذلك مثلا إمكانية التوجه نحو "الشرق" لمزيد تمتين علاقات الشراكة الاقتصادية مع دول الخليج العربي ومع الدول الآسيوية الصاعدة كالصين وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة او التقارب اكثر مع مجموعات اقتصادية جديدة على غرار مجموعة "بريكس" .. فتونس عانت في السنوات الأخيرة الامرّين جراء الارتباط الوثيق وغير القابل للمراجعة بالشركاء الاقتصاديين والماليين التقليديين، وهو ما جعلها خاضعة لضغوطات وإملاءات وشروط مؤلمة وتصنيفات سيادية مُجحفة عمّقت أزمتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية. وقد آن الأوان اليوم لتستفيد تونس من موقعها الاستراتيجي الهام الذي يُمكنها من الانفتاح على كل أنحاء العالم في جميع الاتجاهات وعدم الاقتصار على وجهة واحدة. فتونس بإمكانها أن تتحول إلى منصة عالمية ونقطة عبور رئيسية لكل الأنشطة الاقتصادية والمالية الدولية بحُكم انفتاحها الجغرافي المُتميز على دول القارة الافريقية وعلى دول المشرق المُؤدّية إلى آسيا ودول المغرب المؤدية إلى القارة الامريكية، فضلا عن قُربها من القارة الأوروبية. وهو ما يردده باستمرار عديد الشركاء من مختلف مناطق العالم سبق أن عبروا جميعا عن اهتمامهم بموقع تونس الاستراتيجي وبما يتوفر فيها من مؤهلات وثروات طبيعية وبشرية قادرة على تحقيق استفادة متبادلة بينهم وبين تونس. فالأسواق "الشرقية" لا سيما تلك الواقعة بالمنطقة الآسيوية بإمكانها ان تمثل اليوم وجهة هامة للصادرات التونسية خاصة الغذائية والفلاحية التي أصبحت تواجه صعوبات لاقتحام الأسواق التقليدية وفي مقدمتها زيت الزيتون والتمور والمنتجات البحرية والغلال. كما أن السوق السياحية في عديد الدول الآسيوية يمكن أن تكون بدورها داعما بارزا للسياحة التونسية في ظل تقلبات السوق السياحية التقليدية وضعف مردود بعضها. وهو ما ينطبق أيضا على التعاون الفني وما قد تتيحه سوق الشغل الواسعة في الدول الآسيوية من فرص لامتصاص البطالة المرتفعة في تونس سواء بالنسبة لليد العاملة او حاملي الشهائد العليا . وما على تونس اليوم إلا إحكام الاستغلال الأمثل لكل الفرص المتاحة لتنويع الشراكات الاقتصادية والمالية، وهو الخيار الذي تعتمده اليوم عديد الدول، حتى لا تبقى مصالحها ومصالح شعبها رهينة مصالح طرف وحيد او مرتبطة بتقلبات أو معارك جيوسياسية او اقتصادية في منطقة واحدة من العالم. فالاكتفاء بالشراكات التقليدية لم يعد كافيا وحده لإخراج تونس من أزمتها الاقتصادية والمالية بالنظر إلى عدّة اعتبارات أبرزها ما أصبح يمر به شركاء تونس التقليديين من أزمات خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية وما اصبح يفرضه بعضهم من "ضغوطات" و"املاءات" قد تبلغ أحيانا حد التدخل في الشأن الداخلي وفي فرض صعوبات معيشية على التونسيين لا يمكن تحمّلها بسهولة.. فاضل الطياشي