بعد أن ارتكب الكيان الصهيوني ما لا يقل عن 700 مجزرة في غزة وسقوط أكثر من 10 آلاف شهيد، 70 % منهم من النساء والأطفال، وأكثر من 25 ألف جريح، وبعد التدمير شبه الكامل لأغلب المرافق الحيوية في القطاع واضطرار أكثر من 1.5 مليون من أبنائه للمغادرة القسرية نحو وجهات أخرى، تأكد بما يدع مجالا للشك أن أيدي قياداته السياسية والعسكرية باتت ملوثة بأبشع أنواع الجرائم البشرية وأشدها خطورة وفي مقدمتها جريمة الإبادة الجماعية Génocide التي يحاكم عليها ميثاق روما لمحكمة الجنايات الدولية.. كل أركان جريمة "الإبادة الجماعية"، كما عرفتها المادة 6 من ميثاق روما متوفرة اليوم في حرب الكيان المحتل على غزة.. فهي كل فعل "يُرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكاً كلياً أو جزئياً"، ومن أبرز هذه الأفعال، حسب النص المذكور، أولا قتل أفراد الجماعة وثانيا إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة وثالثا إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.. وهذا فضلا عن ارتكاب بقية الجرائم التي نص عليها الميثاق المذكور، وهي جريمة الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان.. نظريا، يمكن لكل دولة طرف في الميثاق المذكور – بما في ذلك دولة فلسطين باعتبارها عضوا في ميثاق روما منذ 2015 – ان تمارس حقها في تحريك دعوى أمام محكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيل وقادتها السياسيين والعسكريين بتهم الإبادة الجماعية او جرائم الحرب او الجريمة ضد الإنسانية او العدوان.. كما يمكن لمجلس الأمن أن يمارس هذا الحق وأن يتحرّك من تلقاء نفسه ويصدر قرارا لرفع قضية أمام المحكمة، ويمكن أيضا للمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية أن يتعهّد تلقائيا بفتح قضية، خاصة في ظل تتالي الدعوات لذلك في الأيام الأخيرة من الدول والمنظمات الحقوقية الدولية.. لكن على ارض الواقع، يبدو أن تحريك دعوى ضد إسرائيل وقادتها بتهمة ارتكاب " الإبادة الجماعية" مستبعد اليوم، على الأقل من قبل مجلس الأمن الدولي في ظل ما يسود عمل المنظمات الأممية من "سياسة المكيالين" عند تعاطيها مع القضية الفلسطينية، وفي ظل تواصل إذعانها للقوى العظمى الداعمة لإسرائيل رغم انه عندما تعلق الامر بجرائم أقل وطأة وشدة ممّا يحصل اليوم في غزة، حصل تحرك لرفع قضايا امام هذه المحكمة. ويبدو ذلك مستبعدا أيضا من بعض الدول الأعضاء في ميثاق المحكمة التي يلازم أغلبها الصمت إلى اليوم، بل إن القوى العظمى قد "تُعاقب" كل من يجرؤ على التوجه إلى المحكمة، بما في ذلك مُدّعيها العام إن تجرّأ وحرّك الدعوى من تلقاء نفسه.. وبالنّظر إلى كل ذلك، لم يبق غير ان تتحرك مجموعة الدول العربية في هذا الاتجاه، بشكل جماعي، لإجبار محكمة الجنايات الدولية على فتح تحقيق في ما يحصل والمطالبة بتطبيق القانون الجنائي الدولي، أو للضغط على مجلس الامن الدولي حتى يتحرك ويرفع قضية أمام المحكمة، أو أن تتحرك المحكمة من تلقاء نفسها – عبر مدّعيها العام- لفتح ملف قضية " إبادة جماعية" ضد إسرائيل وضد قادتها السياسيين والعسكريين.. فبذلك يمكن القطع مع سياسة المكيالين التي ظلت على امتداد التاريخ وصمة عار على جبين التعاطي الدولي والأممي مع القضية الفلسطينية.. فاضل الطياشي