على وقع إبادة جماعية مستمرة منذ قرابة العامين في قطاع غزّة، وعدوان صهيوني متواصل على أكثر من 5 دول عربية آخرها، سيكون زعماء 57 دولة عربية واسلامية مع لحظة تاريخية في قمّة الدوحة. القمّة العربية الاسلامية في الدوحة، تأتي في لحظة حرجة وفائقة الخطورة وهي توازي في سياقها التاريخي القمم العربية إبان حرب 1967 و 1973، خاصّة في ظلّ كشف الكيان الصهيوني وبكل جرأة عن مشروع «إسرائيل الكبرى». العدوان والعربدة والغطرسة الصهيونية ضدّ البلدان العربية، وصلت الى مرحلة غير مسبوقة، الأمر الذي يستدعي مراجعة شاملة وحقيقية للمواقف العربية وحتى الاسلامية قبل فوات الأوان والتهام الاحتلال لكامل الشرق الأوسط. وما لم تتّحد البلدان العربية تحت مظلة أمن قومي واحد ضمن مشروع حقيقي يكسر مشروع «اسرائيل الكبرى»، فإن الكارثة قادمة لا محالة وسيصبح الكيان الصهيوني سيّد المنطقة. لذلك كلّه، تحمل هذه القمّة آمال وانتظارات ملايين الشعوب العربية في تقرير وتحصين مصير الأمّة العربية بقرارات شجاعة واستراتيجية واضحة في النهوض أولا وفي المواجهة ثانيا مع الكيان الصهيوني ومع كل معتد. وسيكون الاكتفاء بجمل من قبيل «ندين» و «نستنكر» و«نطالب» بمثابة ضوء أخضر للكيان الصهيوني من أجل مزيد استباحة البلدان العربية والاستفراد بها كلّ على حدة كما يحدث الآن في سوريا ولبنان واليمن وفلسطين المحتلة. يجب على القادة والزعماء العرب والمسلمين أن يرسلوا رسالة واضحة للداخل قبل الخارج أن عهد الخنوع والانقسام والتشرذم والتفرقة قد ولى، أمام هول ما يحضّره الكيان الصهيوني للمنطقة العربية. ولنا في التاريخ أمثال، فعندما كانت الامة العربية تئن تحت وطأة هول الغزو المغولي وسط الانقسام في المنطقة العربية حينها والصراع على الحكم، توحّد المماليك في مصر وكسروا شوكة المغول في معركة «عين جالوت» وأوقفوا غزوا كانت سيأتي على كل البلاد الاسلامية. إن هول ما تتعرّض له المنطقة العربية اليوم يوازي هول ما تعرّضت له إبان الغزو التتري، لذلك إما نجاة الجميع او هلاك الجميع الواحد تلو الآخر، ولن يحمي التطبيع العلني او السري والخنوع والركوع للاحتلال او لأمريكا أحدا. والمطلوب اليوم ليس مجرّد بيانات استنكارية وادانت فضفاضة، وإنما قرارات حقيقية شجاعة تحفظ الأمة العربية وأمنها القومي، وهذا الأمر لا يقتصر بالضرورة على إعلان الحرب، فللحروب أشكال عدّة منها العسكرية والاقتصادية وصولا الى السياسية والثقافية. ويكفي اليوم إعلان الحرب الاقتصادية والسياسية والثقافية على الكيان الصهيوني وشلّه بحصار لا رجعة فيه دون قيام الحق الفلسطيني والكفّ عن العدوان عن البلدان العربية المنكوبة. إن قرارات من قبيل التراجع الشامل عن التطبيع مع الاحتلال وتنفيذ حصار اقتصادي جوي وبحري وبري عليه، كفيل بإعادة الدم الى عقله الإرهابي الناشف وإعادة الاعتبار والتوازن للبلدان العربية في وجه الأطماع الاستعمارية. فالمواجهة مع الكيان الصهيوني السرطان الذي ينهش جسد المنطقة العربية ويقترب من السيطرة عليه، هو محرار نكبة الأمة العربية او نهوضها مجدّدا، واسترجاع أمجادها الضائعة. والاتحاد الحقيقي تحت مظلة أمنية وسياسية واقتصادية واحدة، هو السبيل الأوحد لبقاء الأمة العربية ودرء مخططات السيطرة عليها وتقسيمها وتدميرها وتفتيتها وفق دويلات طائفية لا حول لها ولا قوة. بدرالدّين السّيّاري