طارق عمراني في حوار له على قناة حنبعل في مارس من سنة 2019 (أشهر قبل إنتخابه رئيسا للجمهورية ) إعتبر أستاذ القانون الدستوري حينها قيس سعيد بأنه يعتبر تاريخ 14 جانفي 2011 تاريخا لإجهاض "الثورة التونسية " . تصريح ربما يفسر لنا تجاهل رئيس الجمهورية قيس سعيد للسنة الثانية ، ذكرى 14 جانفي و هي ذكرى رسمية للثورة التونسية التي سمّاها دستور الجمهورية الثانية بثورة "17 ديسمبر 2010_ 14 جانفي 2011" في محاولة من المشرّع للتوفيق بين الرأيين المختلفين بين من يعتبر تأريخ الثورة يكون منذ اندلاع الشرارة الاولى بإضرام الشهيد محمد البوعزيزي النار في جسده يوم 17 ديسمبر على غرار لحظة اقتحام سجن الباستيل في فرنسا و بين من يعتبر بأن الثورة التونسية و كغيرها من الثورات يقع التأريخ لها بيوم سقوط النظام ممثلا في رأسه و هو ما حصل يوم 14 جانفي بهروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي جوا إلى منفاه الأخير في المملكة العربية السعودية أين استقر بقصر "منفى الطغاة" الذي استقبل قبله بسنوات عيدي أمين الديكتاتور الاوغندي قبل أن توافيه المنية على شاطئ البحر الأحمر بمدينة جدة بعد معاناة مع مرض الفشل الكلوي سنة 2003. موقف رئيس الجمهورية ليس بالمستجد أو الطارئ بل هو موقف مبدئي كرره مرارا في جميع لقاءاته الصحفية منذ سنة 2011 كل ما سُئِل عن رؤيته السياسية غير أن المتابع لم يكن لينتبه لذلك ربما لصعوبه الطرح الذي يقدمه أستاذ القانون الدستوري بعدة مصطلحية معقدة و ربما لصعوبة تخيّل أن يتحول صاحب الطرح إلى رئيس للجمهورية في وقت لاحق . وفي بلاغ نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية بتاريخ 16 ديسمبر 2020 أفاد رئيس الجمهورية بأنه لا يمكنه التحول يوم 17 ديسمبر الى مدينة سيدي بوزيد التي وصفها ب "منطلق الإنفجار الثوري غير المسبوق " و ذلك نظرا لإلتزامات طارئة حسب تعبير نص البلاغ . بلاغ رئاسة الجمهورية الذي تضمن عبارة " الإنفجار الثوري" يمكن أن يطرح أكثر من إستفهام حول تصور قيس سعيد للثورة التونسية ...و ربما نجد إشارات لذلك في ثنايا الفيديو الذي نشرته رئاسة الجمهورية يوم 13 جانفي 2021 و إعلان الرئيس عن عفو رئاسي شمل مئات السجناء حيث قال رئيس الجمهورية، ''بالرغم من أنني أعتبر أن ذكرى الانفجار الثوري يوم 17 ديسمبر 2010 ورغم أن الاحتجاج الاجتماعي تحول إلى احتجاج سياسي يوم 24 ديمسبر 2010 حين رفع الشباب في منزل بوزيان إثر سقوط الشهيدين محمد العماري وشوقي الحيدري الشعار الذي زلزل العالم لا النظام في تونس فقط، فقد بقي النص المتعلق بالأعياد والذكريات الوطنية دون تغيير''. مضيفا ''أحترم النص القانوني، ويُمنح كما جرت العادة العفو لمن تتوفر فيه الشروط التي يتم اعتمادها من قبل مصالح وزارة العدل". فبحسب هذا التصريح فإن رئيس الجمهورية يبدو غير راضيا على إعتماد يوم 14 جانفي تاريخا رسميا للثورة التونسية بل أنه يرفض التسمية (تسمية الثورة) اصلا . فالثورة بحسب قيس سعيد لازالت غير مكتملة و ذلك بالنظر لأدبيات الفكر المجالسي فإن لحظة 17 ديسمبر 2010 و التي تلتها لحظة أخرى لا تقل أهمية يوم 24 ديسمبر 2010 بتحول الإحتجاجات في مدينة منزل بوزيان من احتجاجات اجتماعية الى احتجاجات سياسية إثر سقوط الشهيدين محمد العماري و شوقي الحيدري معتبرا أن الشعارات المرفوعة حينها "زلزلت العالم" لا فقط "النظام " في تونس . فالثورة بحسب تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد مازالت لم تنته و نحن نعيش اليوم فترة من فتراتها في جدلية تاريخية في إنتظار ان تأتي "اللحظة" فيوم 14 جانفي كان انتكاسة للمسار الثوري و هو ما يمكن أن يحيلنا إلى ذلك البلاغ المثير للجدل بعد لقاء رئيس الجمهورية بنور الدين الطبوبي الامين العام للإتحاد التونسي للشغل حيث اعتبر قيس سعيد بأنه قبل بمبادرة المنظمة الشغيلة ل "تصحيح مسار الثورة " مشترطا مشاركة الشباب من كل الجهات فيها . و اذا ما استندنا مرة اخرى إلى ادبيات الفكر المجالسي الذي يستلهم منه قيس سعيد نظرته للنظام السياسي الذي ينطلق من القاعدة إلى قمة الهرم فإن الثورة لن تكتمل إلا بتركيز مداميك الديمقراطية المباشرة بحيث تكون المجالس المحلية عمودا فقريا للنظام في تجلٍ من تجليات حكم الشعب للشعب بالمنظور اللوكسمبورغي (نسبة لروزا لوكسمبورغ ) مع إلغاء الأطر الكلاسيكية للتنظم السياسي على غرار الأحزاب و الجمعيات و المنظمات . في النهاية يمكن ان نلخص بالقول بأن لرئيس الجمهورية الحق في تبني أي طرح سياسي يوائم تفكيره شريطة أن يكاشف الرأي العام بذلك و يقدّم طرحه بشكل واضح و أن يحترم الدستور التونسي و الأعياد الرسمية لا سيما أن إنتخاب السيد قيس سعيد بشرعية غير مسبوقة في أكتوبر 2019 كان في إطار المنظومة السياسية القائمة .