توجد هذه «الزاوية» في القطاع الغربي من المدينة القديمة، وهي تحاذي «ساحة الغنم» من احد الجوانب، وتستند بظهرها الى السور الخارجي الذي تم تهديمه بشكل يكاد يكون كاملا في سنة . وقد أقيم المبنى فوق ربوة تطل من الناحية الغربية على سبخة «السيجومي» ومن الناحية الشمالية على قصبة مدينة تونس. وليس من باب الصدفة والاتفاق ان اختار سيدي قاسم الزليجي خلال النصف الثاني من القرن اخامس عشر ذلك الموقع لبناء «زاويته» لأن سلاطين الدولة الحفصية (1227 1574) قد سبق لهم ان اختاروه لاقامة «جامع الهواء» والمدرسة التي تحمل الاسم نفسه، والتي اختفت وتلاشت في اوائل هذا القرن. المقام ووليه وتذكر الرواية أن هذا الرجل الصالح أي سيدي قاسم قد تولّى بنفسه صنع مربّعات الزليج التي تكسو بزينتها الجدران الداخلية والخارجية لزاويته. ومن اجل ذلك أطلق عليه لقب «الزليجي»، وحرصت الرواية الشعبية، ربما، على ان يكون اصله من الاندلس، وهي بلاد كبار صانعي الزليج. لكن النقيشة البالغة الجمال التي اضيفت بعد وفاة سيدي قاسم، والتي تزيّن أعلى الجدار الشمالي من تحت القبّة، تمدّنا بالاسم الكامل لهذا الوليه الصالح وبموطنه الاصلي: فهو أبو الفضل قاسم احمد الصدفي الفاسي، مما يدل بوضوح على أنه اصيل مدينة فاس، لكنه من الجائز جدا ان يكون قد غادر مدينته الاصلية في سن الشباب ليستقر بالاندلس ويتعلّم صناعة الخزف والزليج. ومن الجدير بالذكر اننا لا نعلم شيئا عن وقت نزوله مدينة تونس. لكن تاريخ وفاته، الذي يعود الى سنة 1496 معلوم لدينا بفضل نفس النقيشة المذكورة آنفا. وأقرب الاحتمالات ان وصوله الى تونس يعود الى اوائل النصف الثاني من ا لقرن الخامس عشر، ومن الثابت لدينا ان سيدي قاسم كان يحظى في نهاية القرن الخامس عشر بتأثير منقطع النظير في مجموعة أهالي المدينة والأرياف في آن واحد وهذا هو السبب الاساسي الذي جعل الملوك الحفصيين يخشونه ويسعون الى نيل رضاه. مأوى للمسافرين والتجار وكانت هذه «الزاوية» في بادئ الامر مسكنا للوليّ. وتذكر الاخبار أن سيدي قاسم هو الذي بناها بمساعدة أتباعه. وبحكم وجود هذه «الزاوية خارج نطاق المدينة القديمة، وقيامها بجانب احد ابوابها الحفصية، وهو «باب خالد» الذي سمّي فيما بعد بباب سيدي قاسم»، فإنها كانت تتحول ليلا الى مأوى للمسافرين والتجار الذين يداهمهم قدوم الليل خارج الاسوار ويذكر لنا ابن أبي دينار أن عدة أندلسيين حديثي العهد بنزول تونس على اثر احتلال غرناطة، قد أقاموا مؤقتا بهذه «الزاوية» وسوف يكون الشأن كذلك ايضا بالنسبة الى الاندلسيين اللاجئين الى البلاد التونسية في اوائل القرن السابع عشر. وإن هذه المعطيات، وما شهدته «الزاوية» خلال الفترة نفسها من اصلاح وترميم على يد شيخ الاندلسيين الشهير ابي الغيث القشاش، تحملنا على الاعتقاد بأن أولئك الاندلسيين كانوا يعتبرون سيدي قاسم واحدا منهم، وتؤكّد الرأي القائل بأنه قضّى جزءا كبيرا من حياته بالاندلس.