دمشق الشروق من مبعوثنا الخاص سفيان الأسود ... لسوريا قصة طويلة مع الحرب، آخرها حكاية مئات الآلاف من العراقيين في مختلف مدن سوريا حتى أن البعض من سكان دمشق يؤكدون أن عددهم في الشام (أي في دمشق وحدها) قد يفوق المليون عراقي لكل منهم حكاية مع الحرب والاحتلال... فتحت الشام قلبها للعراقيين كما فتح العراقيون قلبهم لدمشق وكل مدن سوريا... صار مشهد وجود العراقيين في مختلف مناطق دمشق وأحيائها مشهدا مألوفا.... فقد كان قدر سوريا أن تبقى أرضها مفتوحة لكل العرب الذين قدر لهم أن يعيشوا ويلات كثيرة.... فتحت سوريا أرضها وقلبها للفلسطينيين وكانت حضنهم الدافىء يوم صاروا لا أرض لهم وانتشرت في دمشق مخيمات الشتات ومنظمات النضال وتحولت سوريا لتصبح بالأمس كما اليوم وغدا قلب القضية الفلسطينية وتمر السنون والعقود لتجد الشام نفسها تستقبل مئات الآلاف من العراقيين بالحب نفسه الذي استقبلت به الفلسطينيين... لكن للعراقيين في سوريا قصة فيها الكثير من الألم، ألم ضياع الوطن، فيها الكثير من الروايات عن القصف والموت والاعتقال والجوع والتشرد والاهانة من المحتل.... قلب واحد تشاهد العراقيين في الشام حتى أنك تحسب أن دمشق وبغداد تعيشان بقلب واحد وبدم واحد وتلك حقيقة يدركها كل سوري كما اكتشفها كل عراقي فتحت له الشام حضنها وهذه المعادلة يبدو أنها كانت ثابتة في ذهن السوريين حتى أن أحد المسؤولين العماليين كان يؤكد لي دائما وأنا أرافقه بأن العراق يبقى دائما العمق الاستراتيجي لسوريا حتى في تلك السنوات التي كان فيها التوتر بين البلدين (في عهد صدام ) في أعلى درجاته بل إنه أخذ في بعض الأوقات حينها مواقف أخرى كادت أن تفجر الأوضاع في منطقة ظلت دائما وعلى مر تاريخها الطويل مطمعا للغزاة القادمين من أقاصي العالم... وأمام حقيقة أن العراق يبقى دائما العمق الاستراتيجي لسوريا نستطيع أن نفهم حقيقة وجود مئات الآلاف من العراقيين في مختلف مدن سوريا... وعندما ترغب في معرفة أحوال العراقيين في دمشق ومدن سوريا الأخرى فإنك لن تتعب في أن تجد من يحدثك بكثير من التفاصيل وبحقائق مؤكدة تدرك من خلالها فعلا أن السوري والعراقي يعيشان في الشام كما بغداد بقلب واحد وبمشاعر واحدة ولم تنجح سنوات «الجفاء» و»التوتر» التي كانت تسود العلاقة بين البلدين في عقود سابقة في فقدان تلك المشاعر وانتزاعها.... ويحكي العراقيون بكثير من الحب عن استقبال سوريا لهم وعن قلوب كل أهل الشام المفتوحة لآلامهم ولحكاياتهم حب جعلهم يشعرون بالأمان حين فقد الأمان في أرضهم واذا سألت أي مواطن سوري في الشام عن العراقيين فإن أول ما تسمعه منهم الدعاء للشعب العراقي بأن يفرج الله كربه وينهي الاحتلال على أرضه وفي ذلك الدعاء معاني كثيرة. طبقات لكن العراقيين في الشام «طبقات» اذ يروي البعض أن فيهم من ينتسب إلى طبقة «مرفهة» ماديا ولا يخفي البعض أن هذه الطبقة قادمة ومعها أموال كثيرة غادرت العراق حال دخول الاحتلال وبقي الشعب هناك يعاني ويلات كثيرة وبقي المجاهدون في الخندق كما أن الكثير من العراقيين من أصحاب الأموال أيضا تحولوا الى سوريا والشام للتجارة وشراء السلع ومنها السيارات والمتاجرة بها في العراق وهم فئة معروفة لدى تجار سوريا. غير أن الكثير من العراقيين أتوا الى سوريا بدون أموال واضطروا للبحث عن العمل وعن السكن واصطحبوا معهم عائلاتهم وأطفالهم حيث أصبح يستحيل عليهم العيش في بلد بدون أمن وأمان ويحتاج البقاء فيه الى مشقة كبرى.. وتقدم السلطات في سوريا تسهيلات كبيرة من حيث الاجراءات للعراقيين الهاربين من جحيم الاحتلال حيث يمكن لكل عراقي تسجيل أطفاله في المدارس السورية بشكل آلي وبمرونة كبيرة مانحة بذلك سوريا الأطفال العراقيين حقهم في العلم وفي الدراسة جنبا إلى جنب مع الطفل والطالب السوري ويحصل كل عراقي يدرس طفله في المدارس السورية على حق الاقامة الدائمة بصفة آلية. كرم كما يحق للعراقيين العمل في مختلف المجالات والأنشطة... ويروي العراقيون في الشام أن أهلها منحوهم كرما فاق التصور كرما أنساهم ولو لحين الحنين الى بغداد الجريحة وأحبائها التي ستبقى شاهدة على ما فعله الاحتلال بها وبأهلها... أصبحت سوريا بعاصمتها وكل مدنها القلب الكبير للعراقيين التاركين لوطنهم غصبا واضطرارا تحولت الشام الى وطن جديد لمئات الآلاف من العراقيين يتجمعون هناك ويروون قصصهم وحكاياتهم ليس فقط عن الاحتلال الجاثم على صدورهم بل أيضا عن سنوات الحصار والموت التي عرفوها في الوقت الذي كان العالم، كل العالم يشاهد مأساتهم ولا يحرك ساكنا ولا ينسى العراقيون أبدا بغداد حتى أن الكثير منهم يعمل ضمن الفرق الموسيقية التي تحيي ليالي الشام يظل دائما يتغني ببغداد ويعزف للفلوجة في تفاعل كبير مع السامعين الذين بدت بغداد في قلوبهم جميعا.... قدر «سوريا» أن تظل دائما قلب العرب المفتوح وأن تبقى كل أرضها حضن العرب الباقي أبدا....