فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    دعوة إلى مراجعة اليات التمويل    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    وزير الدّاخليّة يشرف على موكب إحياء الذكرى 68 لعيد قوّات الأمن الدّاخلي    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    عاجل/ هذه الدولة تحذر من "تسونامي"..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآن من صدام حسين في أول وأخطر حوار من داخل السجن: الآن تحقق الوعد... والمحتلون ينتحرون عند أسوار بغداد... الأمريكان اعتقلوني أثناء تأدية صلاة المغرب وغير ذلك دبلجة وأكاذيب
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


أعد الحوار للنشر حبيبة عبد السلام
في أول وأخطر حوار مع الرئيس العراقي صدام حسين منذ اسره... أكّد على ثقته في النصر وفي قدرات المقاومة العراقية والتي تم التحضير لها من قبل دخول بغداد من طرف الاحتلال.
وقال صدام إن ابنيه عدي وقصي وحفيده مصطفى احتسبهم عند الله شهداء يرزقون مؤكدا عند الله شهداء يرزقون مؤكدا الى أنه لم يفكر هو أو أحد من أبنائه لحظة في الهروب من العراق رغم تصورهم المسبق الى أن احتمالات أسرهم واردة، وقال أن العراقي الحر لا يهرب ولا يترك ارضه وعرضه... رغم العروض الكثيرة التي تلقاها من الدول لاستضافته.
وأكّد صدام في الحوار الذي نشرته جريدة الاسبوع (أمس الاثنين) بقلم رئيس تحريرها مصطفى بكري، والذي سجل تفاصيله المحامي العراقي خليل الدليمي الذي يرأس هيئة الدفاع عن الرئيس صدام والذي سمح له لأول مرة بالالتقاء به وامتد اللقاء نحو الاربع ساعات ونصف.
وصدام وكما وصفه الدليمي بدأ في صحة جيدة وعلامات الارتياح كانت واضحة على وجهه خلال الحوار... كان واثقا من أن بوش سيجبر يوما ما على سحب قواته بفضل المقاومة العراقية والشعب العراقي الذي لن يقبل بالهوان والاحتلال ولن يفرط في شرفه كما يظن الامريكيون وأذنابهم على حد تعبيره...
وجدد تأكيده على أن ما يحدث عمليات المقاومة ليس وليد الصدفة ولا رد فعل عفوي وانما عملية مخطط لها من طرف القيادة في العراق قبل بدء العدوان بكثير، فالمعركة بدأت بعد احتلال بغداد وهذا ما كانت القيادة على ثقة به.
ووصف ما حدث إبّان سقوط بغداد بأنه خيانة لفئة محدودة جدا ولكن «الجيش البطل» كان يعرف ان الصفحة الثانية بدأت بعد ذلك.
واتهم من جهة أخرى ايران بأنها تقف وراء محاولة بث الفتنة في العراق وأن الحلم الفارسي في إقامة دولة كبرى يجد فرصة الآن، وحذر من أن أمريكا فتحت لهم الابواب للدخول بعد احتلال بغداد.
وطلب صدام إبلاغ الرأي العام العربي والعالمي وكل الاحرار ان معنوياته اذا كانت خلال التحقيق 90 فهي الآن 120 وأنه على ثقة من النصر... وجدد تحذيراته من ان المخطط الامريكي يستهدف الأمة كلها والعروبة والاسلام لأن اهدافهم أكبر من التآمر على صدام حسين او على نظام بأسره.
وصدام في هذه المحنة لم ينس الفلسطينيين بل سأل عن الاواضع هناك... ولكن المحامي فضل ان يخفي عنه نبأ رحيل عرفات... وحكى كيف حاولوا معه لعدة عقود ان يعترف بدولة اسرائيل المزعومة وأنهم كانوا على استعداد أن ينسوا كل مطامعهم الاخرى في سبيل صك الاعتراف باسرائيل.
ووصف صدام المحكمة بأنها غير شرعية وغير دستورية، فهي صنيعة الاحتلال وهي من مسوغات الغزو الكاذبة وواحدة من ثمرات جريمة العدوان المقصود بها خداع الرأي العام وقدم نصائحه لهيئة الدفاع عنه بأن تستعمل الدفوع القانونية والشكلية بالنسبة لتشكيل المحكمة المخالف للقوانين العراقية وللدستور العراقي ولاتفاقية جنيف فما بني على باطل فهو باطل. وطلب من هيئة الدفاع عنه تغيير اسمها الحالى من هيئة الدفاع عن الرئيس صدام حسين الى «هيئة الاسناد للدفاع عن كافة الاسرى والمعتقلين العراقيين والعرب».
هذه القضايا وقضايا اخرى كثيرة مثل التعذيب الذي تعرض له بعد اسره والوضع المستقبلي والمقاومة والقيادة العراقية المؤقتة وغيرها كثير ننشرها في هذا الحوار المثير.
يبدأ الدليمي الذي يرأس هيئة الدفاع عن صدام داخل العراق سرده لمجريات الحوار بالتذكير بالمحاولات الكثيرة التي سبق وان قام بها في سبيل لقاء الرئيس صدام فيقول: لم يكن قرارا فجائيا، فمنذ أكثر من عام وأنا أحاول، لكن الفشل كان دوما من نصيبي .. في أوت الماضي تقدمت بواسطة نقابة المحامين إلى المحكمة الخاصة التي أنشأها الاحتلال للحصول على وكالة من قبل السيد الرئيس صدام حسين تمكنني من الدفاع عنه خلال المحاكمة المنتظرة.
كنت أدرك منذ البداية حجم العراقيل، وكنت أعرف أن المحتل لن يستجيب لطلبي بسهولة، رغم أن هذه الطريقة غير معمول بها في كل قوانين العالم، لأن المتهم مهما يكن، فالقوانين تكفل له حرية اختيار محاميه عن قناعة وبطريقة حرة ومباشرة وبإرادة كاملة.
بعد اتصالات مكثفة، وجدل طويل، تم توقيع الوكالة وقدمتها هدية لعائلة السيد الرئيس، ولهيئة الدفاع التي يترأسها حاليا المناضل القومي زياد الخصاونة.. قبيل شهرين كنت قد تقدمت بطلب لمقابلة السيد الرئيس .. وكان الأمر قد جرى بالتنسيق بيني وبين هيئة الدفاع من ناحية، ثم بيني وبين أسرة السيد الرئيس من ناحية ثانية .. فجأة دقٌ الهاتف، ابلغت من قبل المحكمة ونقابة المحامين بتحديد يوم الثاني من ديسمبر الماضي لمقابلة السيد الرئيس صدام حسين.. ذهبت إلى المكان المحدد في التوقيت المحدد، ولكن فجأة ابلغت بتأجيل الموعد دون سبب مفهوم، وفي يوم السادس عشر من شهر ديسمبر الماضي.. ابلغت بالموعد الجديد.. ذهبت إلى حيث المكان الذي حدد لي.. سمح لي حاجز التفتيش العراقي بالدخول دون أية تحقيقات تذكر، وأدركت ساعتها أن الجانب الأمريكي اشار إلى هم بالسماح لي بالدخول.
وهناك حيث هذا المكان، وجدت سيارة مصفحة أمريكية مظللة، ومعها 4 سيارات عسكرية من نوع "همر" للحماية.. صعدت إلى السيارة المصفحة، على يساري جلس جندي أمريكي من قوات المارينز، وعلى الجانب الآخر كان هناك جندي يقف على قدميه في مكان مرتفع، مصوبا بندقيته المتوسطة باتجاه الطريق.. مضت المصفحة الأمريكية إلى مكان مجهول، فلم يكن متاحا أمامي معرفة الوجهة أو الطريق، كانت السرعة تتراوح ما بين 60 و70 كم، وبعد نحو خمسين دقيقة وجدت نفسي في المكان المجهول.
عندما تم فتح باب المصفحة وجدت نفسي داخل انبوب اسطواني بقطر 35 مترا تقريبا.. مضيت سيرا على الاقدام ومعي أحد الجنود نحو 25 مترا، وفجأة وجدت نفسي في الصالة الرئيسية للمكان الذي يقع فيه الرئيس صدام، وكانت الصالة هي عبارة عن غرفة تبلغ مساحتها 5 أمتار * 5 أمتار تقريبا، كان هناك بابان أحدهما يؤدي إلى صالة صغيرة تم فيها اللقاء بيني وبين السيد الرئيس، أما الباب الآخر فكان يؤدي إلى غرفة الاحتجاز التي يقبع فيها الرئيس صدام..
عند وصولي إلى الصالة المحددة كان هناك أربعة من ضباط المارينز لا أعرف رتبهم، وكانت امامهم طاولة وعليها جهاز كمبيوتر، تبين لي فيما بعد أنه جهاز الهدف منه رصد اللقاء كاملا بيني وبين الرئيس، كنت اعرف ان اللقاء سيكون مسجلا بالصوت والصورة كاملا، لكن ذلك لا يهم..
كنت احمل معي حقيبة بها بعض الأوراق والهدايا للسيد الرئيس، طلبوا مني وضع الحقيبة على المائدة، فتشوها وصادروا كل شيء، ولم يسمحوا لي سوى بالمصحف الشريف، وابلغوني أنهم سيدخلونني إلى ه بعد الحصول على موافقته أولا، فوافقت.. وسألوني: هل تحمل رسائل مكتوبة؟ فكان جوابي: لا.
تقدم مني أحد الضباط وقال: عليك ألا تعانق الرئيس أو تقبله أو تحييه بالتشابك، وقالوا لي لقد وضعنا طاولتين بينكما حتى تصافحه باليد فقط وعن بعد.. وقالوا لي: إن هناك عسكريا امريكيا سيكون معنا لحمايتنا أنا والرئيس من بعضنا البعض واكدوا أن كل ما أريد اعطاءه للرئيس أو بالعكس سيكون بواسطة هذا العسكري الواقف على قدميه والذي كان يستبدل كل نصف ساعة، وابلغوني ان مدة اللقاء هي أربع ساعات ونصف الساعة.
الآن حانت لحظة اللقاء.. كان هناك احساس دفين يتجاذبني، كنت تواقا إلى رؤيته، وإلى عناقه.. كنت ادرك أنني لا استطيع أن ألتزم بهذا البروتوكول الذي أملوه عليٌ، خالجني شعور الانسان العراقي قبل المحامي.. أنا مواطن وهذا هو رئيسي الشرعي والقائد العام للقوات المسلحة.. قلت: أبدا لن أقبل أن أصافح الرئيس بهذا البرود.. مستحيل أن أراه ولا أعانقه.. كانت كلماتي حاسمة إما أن يسمحوا لي بالتعبير عن مشاعري الطبيعية تجاه الرئيس الشرعي، وإما فلتلغ الزيارة من الأساس.
الدقائق تمر ثقيلة، وحالة من الشد والجذب بيني وبين الضباط تتصاعد.. طرحوا الأمر على القيادة العسكرية في هذا المكان، وكانت سيدة برتبة جنرال، وأمام اصراري لم يكن هناك من خيار أمامهم سوى الاستجابة.
دخلت إلى المكان المحدد، دخل خلفي كافة الضباط ومعهم الحارس.. إنهم يريدون أن يشاهدوا كيفية استقبالى للسيد الرئيس، انه مشهد فضولي لكنه ذو دلالة هامة.. يريدون أن يعرفوا بعد كل ما قيل، كيف يتعامل العراقيون مع رئيسهم الأسير.. بعد نحو دقيقتين تقريبا دخل الرئيس صدام بطول قامته وشموخه: فرح قلبي كثيرا.. كانت بنيته الجسدية افضل مما كانت عليه خلال جلسة التحقيق، وكان شعر رأسه طويلا إلى حد ما، ولحيته في حاجة إلى التهذيب.. بسرعة البرق، وما أن التقت عيوننا، حتى خرجت عن الطاولة التي وضعت لتفصل بيننا وأديت التحية العسكرية الكاملة لسيادته، ثم عانقته بشدة وكأنني كنت أنتظر هذه اللحظة منذ زمن طويل، ربت الرئيس على ظهري بيديه، وكان حنونا، رغم أنني لم اتشرف سابقا بلقائه، ولم تكن لي أية معرفة شخصية به.. كنت أشعر أنه رئيسي الشرعي، باعث نهضة العراق، الرجل الذي تربينا في عهده وعشنا معه لحظات الانتصار ولحظات الصمود .. لذلك لم اتردد في تقبيل يده الشريفة بعد انتهاء العناق.
كانت الدهشة تعلو وجوه الضباط الأمريكيين.. قال أحدهم: ما هذا الذي يحدث؟ كان ينظر إلى وجوه زملائه وكأنه يريد أن يقول لهم: أليس هذا الرجل هو الذي قالوا لنا إنه الديكتاتور الذي ينتظر العراقيون ازاحته عن السلطة بفارغ الصبر؟ ها أنا أرى أمامي عكس ذلك.. بدت وجوه الضباط الاربعة وكأنها في حاجة إلى اجابات حاسمة حول العديد من علامات الاستفهام.. لقد خرجوا جميعا مذهولين واغلقوا الباب من خلفهم وتركوني مع السيد الرئيس والحارس الأمريكي الذي كان يجرى تبديله كل نصف ساعة تقريبا.
جلس الرئيس على الكرسي ، وضع معطفه الأسود الذي كان يحمله على الطاولة، كان يرتدي سترة سوداء وقميصا ابيض وبنطلونا أسود.. أخرج من سترته قلما وكراسا صغيرا أوراقه صفراء.. بدأ يقلب الصفحات، وقال لي وكأنه يحدد وجهة الحديث بيننا قبل أن أبدأ:
اسمع يا ولدي هذا الشعر ..
إن لم تكن رأسا فلا تكن آخره
.. فليس الآخر سوى الذنب
ثم استرسل الرئيس حتى نهاية القصيدة التي ابهرتني، ورحت أطلب من السيد الرئيس أن يعيد قراءة البيت الأول مرة أخرى حتى اتمكن من كتابته.
سألته: هل هذه القصيدة من تأليفك يا سيادة الرئيس؟
فقال: نعم.. لقد كتبتها داخل السجن، لأن السجن لا يمكن أبدا أن ينال من ارادة العربي المناضل المدافع عن حقوق امته، إن كل من يقرأ التاريخ يعرف أن العربي الحر لا يقبل أن يكون خانعا أو ذليلا أو منكسرا، بل يظل مرفوع الرأس حتى في لحظات الظلم والقهر وجبروت المحتل.
نظر إلى الرئيس وكأنه يريد أن يعرف مني وقائع ما يجري خارج هذا السجن، قدمت نفسي إلى ه، عرفته بنفسي وبعشيرتي وبالمدينة التي أنتمي إلى ها فشعرت بحالة من الاطمئنان على وجهه.
قلت له: سيدي الرئيس أنت المعلم والقائد وأنا التلميذ، جئت لأستمع لتوجيهاتك، وأنا عضو في هيئة الدفاع التي شكلت للدفاع عنك؟
قال لي: استرسل أريد أن اسمعك .
قلت له: لقد شكلنا هيئة الدفاع من عدد كبير من المحامين برئاسة المحامي العربي الاردني الكبير زياد الخصاونة، وقلت له ان الهيئة ضمت عددا من كبار المحامين العرب والاجانب، وتحدثت معه عن اهداف الهيئة، ومتابعة كريمته الأخت رغد واشرافها المباشر عليها، ونقلت له تحيات هذه الهيئة وتحيات رئيسها وتحيات كل العراقيين الوطنيين الشرفاء وتحيات كل العرب المخلصين.
سألني: ما رأيكم بجلسة الاستماع الأولى في المحكمة، وعما اذا كان قد جري نقلها كاملة على التليفزيون ووسائل الاعلام؟
قلت له: لقد كان لها تأثير ايجابي كبير على معنويات الشارع العربي والعراقي.. وكان رأي الجميع انك كنت تحاكم من يزعم محاكمتك، وأن الناس قد اعجبت بصمودك وكبريائك، ورفضك التراجع عن كل مواقفك رغم كل الضغوط التي مورست ولاتزال تمارس ضدك.
قال الرئيس: هذه محكمة غير شرعية وغير دستورية.. انها صنيعة الاحتلال.. وهي من مسوغات الغزو الكاذبة، وواحدة من ثمرات جريمة العدوان الخارج عن الشرعية الدولية، وهي لعبة المقصود منها خداع الرأي العام وتصوير الأمر وكأنهم يرضخون للعدالة والقانون وهم أبعد من ذلك بكثير، لقد قرأت اتفاقية جنيف خاصة ما يتعلق منها بالأسرى ولذلك أنصح بأن يتم استعمال الدفوع القانونية والشكلية بالنسبة لتشكيل المحكمة المخالف للقوانين العراقية وأيضا للدستور العراقي وكذلك لاتفاقية جنيف وأن ما بني على باطل فهو باطل.
وأضاف الرئيس: لقد شكلوا المحكمة بقرارات باطلة وتحت ظل الاحتلال وبيد الحاكم الأمريكي وهذا يعني اغتصابا للسلطة الشرعية واعتداء سافرا على القانون العراقي والدولي على السواء لذلك اطالبكم بأن يكون الدفاع قانونيا وسياسيا واعلاميا، واطلب منكم ايضا ابلاغ تحياتي لكافة اعضائها خاصة الأخ زياد الخصاونة ولعائلته الاصيلة وصاحبة التاريخ، ولي طلب لديكم جميعا باستبدال الاسم الحالى لهيئة الدفاع عن الرئيس صدام حسين إلى 'هيئة الاسناد للدفاع عن كافة الأسرى والمعتقلين العراقيين والعرب'، .. وأنا اترك لكم ولهيئة الاسناد حرية التصرف في الموضوع بشكل كامل.
بدأ الرئيس حديثه معي بعد ذلك بالسؤال عن احوال الشعب العراقي فتحدثت معه مطولا في وقائع ما يجري على الأرض..
قال الرئيس: نعم اتوقع ذلك وما هو اكثر، فأمريكا جاءت إلى العراق وهي تعرف أهدافها جيدا.. لقد جاءت لتدمير الدولة العراقية ونشر الفوضى على أراضيها وبث الفتن بين ابنائها.. واشاعة القتل والدمار والخراب، ونهب ثرواته.
واضاف الرئيس: لقد كنت أنا ورفاقي في القيادة نعرف أن العدوان قادم، قادم، وأن كل ادعاءات بوش الثاني ومن حوله، هدفها تسويق العدوان.. وان نواياهم كانت واضحة بغض النظر عن صحة أو كذب ما يرددونه.
الدليمي: ولكن يا سيادة الرئيس لقد ثبت كذب كل هذه الادعاءات وهذا يخدم موقفك القانوني.
صدام: عندما كنا نقول إن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل كنا صادقين، ولذلك فتحنا لهم أراضي العراق وسماءه وكانت لدينا ثقة أنهم لن يعترفوا بالحقيقة، لكننا أردنا أن نثبت للرأي العام بأسره أننا نتعاون إلى اقصى الحدود خاصة بعد أن طلب مني بعض القادة العرب ذلك، ولكن للأسف فقد تجاوزت أمريكا المجتمع الدولي بأسره وشنت العدوان دون سند من شرعية أو قانون وخارج نطاق مجلس الأمن، ومع ذلك لم نسمع صوتا لأحد يطالب بمحاسبة أمريكا لأنها كذبت على الجميع ووضح أن الأمر كما كنا نقول دائما يتعلق بالنفط وإسرائيل، ولذلك ارجو منكم ان توثقوا كافة التصريحات التي صدرت في هذا الصدد من فرنسا والمانيا وغيرهما..
الدليمي: هناك ايضا تصريح للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان اعتبر فيه أن ما جرى هو تجاوز للأمم المتحدة والاحتلال غير شرعي وغير مبرر.
صدام: هذا أمر مهم يجب توثيقه أيضا، لأني اعتقد أن الأمين العام للأمم المتحدة ضاق ذرعا بالمواقف الأمريكية وهو يدرك حقيقة الهدف ويعرف أن أمريكا تريده مجرد تابع وليس صاحب قرار.
الدليمي: لقد اسقط الشعب الاسباني رئيس الوزراء الاسباني «ازنار» في الانتخابات وتولى الاشتراكيون السلطة وقاموا بسحب القوات الاسبانية من العراق.
صدام: وقد بدا الارتياح على وجهه: هذا عظيم .. وإن شاء الله سيجبر كل اذيال بوش على سحب قواتهم من أرض الرافدين، وسيجد نفسه وحيدا وسيجبر على سحب قواته التي لن تستمر طويلا في المكابرة.. أريد أن أقول لك إن المقاومة العراقية الباسلة أعدت نفسها جيدا، وأنا أثق في أن الشعب العراقي لن يقبل بالهوان واحتلال أراضيه، العراقيون لن يفرطوا في شرفهم كما يظن الأمريكيون وأذنابهم من العملاء والتابعين.
انني اريد أن أقول لك يا بني إن الصفحة الثانية من صفحات المعركة بدأت يوم أي بعد الاحتلال بيومين فقط.. لقد اجتمعت بالقادة العسكريين والسياسيين في هذا الوقت وقلت لهم: الآن فلتبدأوا الصفحة الثانية من المعركة.. ولذلك ما يجري الآن هو ليس وليد الصدفة ولا هو مجرد رد فعل عفوي، بل إنها عملية مخططة من قبل العدوان الأخير بكثير.
كنا نعرف أن هذا اليوم قادم وكنا على ثقة بأن المعركة الكبرى ستبدأ بعد احتلال بغداد وليس قبله.. نعم حدثت خيانة من فئة محدودة جدا، لكن الجيش العراقي البطل والمناضلين الأشاوس، كانوا يعرفون أن الصفحة الثانية قد بدأت، ولذلك استعدوا بكل ما يملكون من أجل هذا اليوم الذي لم يتوقعه الأمريكيون أبدا.
أنا اسألك عن احوال الشعب العراقي وعن وحدته الوطنية وهل استطاع الاحتلال شق وحدته الوطنية وزرع بذور الفتنة؟
الدليمي: قلت له.. امريكا تحاول لكنها تفشل حتى الآن، وحكيت له بعض هذه المحاولات.
الرئيس صدام: اعرف أن هناك اطرافا عديدة وليس الأمريكيون فحسب يريدون تدمير وحدة العراق التي ترسخت على مدى قرون، وادرك أن هذه القوى ستمارس عمليات القتل والتفجيرات المتبادلة وسيقدمون معلومات مغلوطة إلى كل طرف لتفجير العلاقة والتحريض على الحرب الأهلية والطائفية ولكن أنا لدي ثقة بأن هذه المحاولات سترتد جميعا إلى صدر المحتل والقوى التي تحالفه، انني احملك يا بني عددا من الوصايا ارجو منك ان تنقلها إلى الشعب العراقي:
يجب ألا يكون قبول القيادة إلا على أساس الحزم والجرأة والشجاعة وصلابة الموقف.
كل صاحب عنوان عليه الحفاظ على أمانة الوطن والاعتبارات الصادقة الشريفة.
إلى المترددين عليهم أن يتذكروا مبايعتهم وعليهم أن يتذكروا الالتزام.
مطلوب من رجال الدين في العراق الاتصال والنهوض وتحمل الامانة.
مطلوب توحيد الصفوف وتضييع الفرصة على الاعداء.
الاتصال بالمنظمات الشعبية والحكومية وتلا الآية الكريمة «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون» ثم «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا».
الدليمي: أخبرته بموقف إيران وقلت له: إن هناك حوالى 2.5 مليون إيراني دخلوا إلى العراق، وتم قيدهم في جداول الانتخابات على أنهم عراقيون خصوصا بعد حرق كافة أوراق السجل المدني بالعراق.
صدام: هؤلاء فرس يرجعون لأصولهم وهذه سيرتهم وليس هناك جديد.. إنني أحذر من غدر إيران وتدخلها السافر في شؤون العراق.. إنها تقف وراء محاولة بث الفتنة، لأنها لا تريد فقط أن تقتطع الجنوب العراقي لتلحقه بالدولة الفارسية الشيعية، ولكنها أيضا تريد الاستيلاء على كل العراق.. وهذا هو هدفهم الذي أدركناه مبكرا.. إن الحلم الفارسي في إقامة دولة كبرى على حساب العراق وبعض دول الخليج هو محل اتفاق بين كافة القادة الإيرانيين لذلك أنا لا أستبعد ما تقوله، خصوصا أن يدها الآن تعبث بحرية في العراق.. وقطعا يمارس أذنابهم خاصة ما سمي بقوات بدر أبشع الجرائم ضد الشعب العراقي ويقتلون النخبة العراقية الوطنية التي تصر على التمسك بعروبتها وترفض منطق الهيمنة والاحتلال.
لقد تابعت خلال فترة ما بعد احتلال بغداد وقبيل الامساك بي كيف لعب هؤلاء دورا تخريبيا، وكيف سمح الأمريكيون لهم بالدخول انطلاقا من الأراضي الإيرانية بكامل أسلحتهم حتى يكونوا عونا لهم ضد العراقيين، فقتلوا الكثير من العلماء وشاركوا المحتل في عمليات المداهمة، كل ذلك بعلم وموافقة بعض المرجعيات الدينية التي لا يهمها العراق ومصالح شعبه وانتماءه لجسد هذه الأمة، بقدر ما يهمها سيطرة الطائفية وأن يصبح لإيران اليد الطولي في شؤون العراق والخليج بل والمنطقة. إن الذين تحدثوا عن خطإ الحرب الدفاعية في مواجهة إيران في الثمانينيات عليهم أن يعيدوا الآن قراءة الملف من جديد ليعرفوا أن إيران الفارسية لم تتنازل لحظة واحدة عن أهدافها التوسعية.
الدليمي: سألني الرئيس صدام عن الإعلام وكيفية تناوله لقضايا العراق، فحدثته عن ثلاثة نماذج هم: مصطفي بكري رئيس تحرير صحيفة «الأسبوع» وعبدالباري عطوان رئيس تحرير جريدة 'القدس' وفهد الريماوي رئيس تحرير جريدة 'المجد' الأردنية.
صدام: مصطفى بكري لا عجب، فهو إنسان عربي أصيل، ومواقفه لا تتغير ولذلك أرجو منك أن تحمل إلى ه تحياتي الشخصية، وعبدالباري عطوان إنسان شجاع وثقتي به غالية فأرجو أن تهديه سلامي، وكذلك الأخ فهد الريماوي ابن العروبة البار ولا تنسى أيضا أن تبلغ سلامي إلى جورج جلوي الذي تحمل الكثير دفاعا عن العراق وإلى رمزي كلارك ومهاتير محمد ونيلسون مانديلا، وكل أحرار العرب، ولابد أن تبلغهم أن معنويات صدام حسين إذا كانت90 خلال جلسة التحقيق الصورية فالآن هي 120، قل لهم: إنني صامد داخل السجن.، وإنني متفائل جدا وإنني لا أشك لحظة واحدة بتحقيق النصر بأقرب مما يتصور الكثيرون.
إنني متخوف على سوريا فهي مستهدفة كما هو العراق، وكما هي الأمة كلها، وقد حذرت قبل العدوان من أن المخطط لا يستهدف العراق فحسب، ولكن يستهدف الأمة كلها، لأن هذه حرب صليبية وعنصرية تستهدف العروبة والإسلام على السواء: لهذا يبدو حقدهم أسود ويبدو عدوانهم ضد العراق وحضارته وأهله كمن يريد الانتقام.
لقد تآمروا على النظام الشرعي في العراق واستولوا على السلطة، فلماذا يبقون حتى الآن، لو كانوا صادقين لاختلفت الصورة لكن أهدافهم أكبر من التآمر على صدام حسين وعلى النظام بأسره.
الدليمي: سألني هنا: هل قاموا بعدوان جديد ضد الفلوجة فعندما أجبته بنعم قال لي:
صدام: لقد توقعت ذلك، كانت أحاسيسي الخاصة تقول لي إن صوت الطائرات الذي كنت أسمعه أثناء خروجي إلى القاعة لابد أن يكون موجها ضد الفلوجة البطلة، لأنها أبدا لن تركع وأنا أعرف حجم المقاومة فيها، وقدرات المواجهة، خاصة أن أغلب كوادر المقاومة في هذه المنطقة هم من ضباط وجنود الجيش العراقي وكوادر جيش القدس، وهم مدربون تدريبا عاليا ولديهم خبرات قتالية واسعة.. لقد شعرت فعلا أن حركة الطائرات الحربية المكثفة تتجه نحو الفلوجة، وقد صليت وتمنيت من الله سبحانه وتعالى أن تكون الخسائر البشرية قليلة، ودعوت الله أن يحفظ العراق وأهله من كيد الأشرار.
الدليمي: سألني عن الانتفاضة الفلسطينية، قلت له: إنها لاتزال قوية، ولكنني لم أبلغه نبأ رحيل ياسر عرفات فقال:
صدام: «إن ينصركم الله فلا غالب لكم» صدق الله العظيم. أنا أعرف أن الشعب الفلسطيني لن يهدأ له بال إلا بعودة حقوقه المشروعة كاملة،. والقضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعا، ومن يفرط فيها كمن يفرط في شرفه وعرضه، لقد حاولوا معي كثيرا، بعثوا إلى ٌ برسائل عبر قيادات وشخصيات عربية ودولية، قالوا: فقط نريد منك كلمة، ولا نريد اتفاقا الآن.. كانوا يريدون مني أن أبدي الاستعداد للاعتراف بدولتهم المزعومة 'إسرائيل' لكنني رفضت بكل قوة، رغم أنهم قالوا لي إن الاعتراف بالكيان الصهيوني يعني انتهاء الحصار وعودة العلاقات إلى طبيعتها مع الولايات المتحدة.. لكنني أدرك أن من يفرط في التراب والأرض سيفرط في كل شيء: شرفه وكرامته ولن تكون لديه بعد ذلك أية خطوط حمراء إنه مسلسل مقيت يحتاج فقط إلى البداية ثم يستمر طريق التنازلات بلا نهاية.
الدليمي: سألني عن أحوال البلدان العربية خاصة مصر والسعودية وسوريا والأردن، وتمنى لها الخير جميعا، وركز بشكل خاص على دور مصر وأهمية هذا الدور لانتشال الأمة كلها من محنتها.
صدام: أنا مهتم جدا بالشارع العربي، فأمريكا تنزعج من أية تحركات وهي تعرف أن ثورة الشارع العربي لن تكون هينة.
الدليمي: سألت الرئيس: كيف جري القبض عليه ورويت له ما قيل.
صدام: أنا أعرف أنهم أساتذة في الدبلجة، وقطعا توقعت أن يقدموني في صورة الإنسان المهان ليقولوا للعراقيين هذا هو رئيسكم.. هذه طريقتهم طريقة أفلام الكاوبوي السخيفة،. إنهم خبراء في ذلك.
والحقيقة أنني كنت في دار أحد الأصدقاء الذين أثق فيهم في قضاء الدور محافظة صلاح الدين، وكان الوقت قبل غروب الشمس وكنت اقرأ القرآن وعندما قمت لأداء صلاة المغرب، فجأة وجدت الأمريكان حولي ولم تكن معي أية قوة للحماية في هذا الوقت، وكان سلاحي بعيدا فتم أسري ثم اختطافي وتعرضت لأبشع أنواع التعذيب في اليومين الأول والثاني، ولو كنت أعلم بوجودهم لقاتلتهم حتى الشهادة.. إنني لا أعرف إذا كانت وشاية من صاحب الدار أم هي ضغوط تعرض لها.
إن ما تحكيه لي هو عملية كاذبة من الأساس، فأنا لم أكن في حفرة ولا أقبل أن أكون في حفرة، بل كنت أؤدي الصلاة ولا أدري ماذا حدث بعد ذلك فقد تعرضت للتعذيب والتخدير وقد أثر هذا التعذيب على ساقي اليسرى، ثم تم علاجي بعد ذلك.
الدليمي: قلت له ماذا عن الصليب الأحمر؟
صدام: قال أنا مستاء منهم جدا.. إنهم لا يقومون بواجبهم المحدد وفقا للمبادئ التي أسس عليها، إن زياراتهم لي لم تتجاوز 4 مرات ولم تكن ذات فائدة، والحقيقة أنا لا أرغب بلقائهم مستقبلا إذا ما بقوا على هذه الحال.
لقد سلمني الهلال الأحمر رسالتين إحداهما مؤرخة في شهر أغسطس 2004 وسلمت إلي قبل زيارتك بعدة أيام، وكانت هذه الرسالة كسابقتها مشطوبا على غالبيتها، كما لم يتم تسليمي كافة الأغراض الشخصية المرسلة من العائلة، وإذا جاءوا إلي بنفس الطريقة مرة أخرى فسأطردهم ولن أقابلهم.
الدليمي: قلت له هل تلتقي ببقية المعتقلين من القيادات العراقية الكبرى؟
صدام: قال لا.. لم التق بأي منهم، وقد أبلغني أحد الأمريكيين أن ابن عمي على حسن المجيد قال عني إنني لم أكن شجاعا وقد تجاهلته بالكامل واعتبرت هذا الكلام من نوع الفتنة التي يجب الحذر منها.
«ملحوظة أثناء الجلسة كان الرئيس صدام قد توضأ وصلى مرتين'«.
الدليمي: قلت للرئيس إنهم سيجرون انتخابات قريبا.
صدام: قال إنهم يبحثون عن مشروعية كاذبة.. ستكون بالقطع انتخابات غير نزيهة، لأنهم يريدون عملاءهم ليبدوا كواجهة تحركها الأيدي الأجنبية، لذلك من الأفضل على الشعب أن يقاطعها كلية.
الدليمي: قال لي ومن الذي وضعوه في مقعد حاكم العراق الآن، فقلت له على الورق علاوي.. فنظر ساخرا وقال:
صدام: لا أريد أن ينزل مستواي عند مستوى علاوي أو غيره، ولكن حتما ستعود كل الأمور إلى وضعها الطبيعي في يوم ما، وتصبح فيه الإرادة الوحيدة هي إرادة الشعب العراقي.
الدليمي: قلت له يتردد أنهم سيسقطون تهمتي حلبجة وما سمي بالمقابر الجماعية في جنوب العراق.
صدام: الأمريكان يعرفون من وراء ما حدث في حلبجة، إن لديهم المعلومات والوثائق التي تؤكد أن إيران هي التي ضربت حلبجة ولكنهم الآن يحاولون إلصاق الاتهامات بكل السبل.. إنني اسألهم: لماذا صمتوا طيلة هذه الفترة ومنذ ما رس 1988، لقد كنا مشغولين بالحرب مع إيران في هذه الفترة، فقامت القوات الإيرانية بالهجوم على حلبجة بعد الهزيمة التي منوا بها في منطقة الفاو بجنوب البلاد، واستعانوا في هذا الوقت ببعض العملاء من الأكراد، لقد ضربوا حلبجة بغاز 'السيانيد' وهذا الغاز لم تمتلكه العراق أبدا في هذا الوقت، والأمريكيون يعرفون كل الحقائق.
أما عن موضوع ما يسمونه بالمقابر الجماعية فليسأل الأمريكيون أنفسهم فهم يعرفون أنهم صانعوها، إنها مثل كذبة أسلحة الدمار الشامل التي راحوا يتنصلون منها الآن.
الدليمي: هل سألك الأمريكان عن المقاومة؟
صدام: نعم سألوني عن المقاومة، وعن عزت الدوري وقلت لهم: لو كان عزت الدوري في جفني لأطبقت عيوني عليه، أما عن المقاومة فقلت لهم عليكم بسجن الشعب العراقي إذا استطعتم، فكل عراقي شريف هو في صف المقاومة، والمقاومة أكبر مما يتصورون، وهي تضم كل الأحرار في العراق عروبيين وإسلاميين ووطنيين ومواطنين عاديين، نساء ورجالا، صغارا وكبارا.. قلت لهم عليكم أن تستعدوا بالنعوش كما قلت لكم قبل احتلال بغداد.
عندما قلت إنهم سينتحرون على أسوار بغداد، كنت أعني ذلك، وهاهم ينتحرون ويقتلون ويهربون من ميدان المعركة.. إنهم لم يصدقوا ما قلت، وهاهم يتكبدون خسائر لم يتصوروها أبدا.
إنني أشعر من خلال التحقيقات أنهم في ورطة حقيقية وأزمة كبيرة، لذلك يبحثون عن أي حل يحفظ ماء الوجه.
الدليمي: قلت له: وهل تعرف مكان اعتقالك؟
صدام: لا.. لا أعرف شيئا.
الدليمي: وأنا لم أتمكن أيضا من معرفة المكان.. ترى هل تريد أن تبعث برسالة إلى عائلتك؟
صدام: إن عائلتي ليست 4 أفراد (رغد، حلا، رنا) وساجدة الزوجة، ولكن العراق والأمة كلها هم عائلتي، لقد استشهد عدي وقصي والحفيد مصطفى واحتسبتهم عند الله، إنهم فداء للعراق لقد قاتلوا حتى اللحظة الأخيرة ورفضوا الهروب، لم يكن واردا للحظة واحدة أن نغادر العراق أو نهرب كالجبناء بحثا عن حياة رخيصة لأننا لا نعرف لأنفسنا مكانا خارج تراب العراق العزيز.. كانت هناك عروض عديدة قد قدمت ولكنهم لا يعرفون صدام حسين، ولا يعرفون أن العراقي الشريف لا يقبل إلا بعيشة شريفة وإلا دونها الاستشهاد، أما العملاء فهم وحدهم الذين يهربون ويحتمون بالأجنبي.. إنني أنصحهم بإعادة قراءة تاريخ العراق من نبوخذ نصر لصدام حسين ليعرفوا الإنسان العراقي إن لم يكونوا قد عرفوه بعد، فالمقاومة البطلة ستقول لهم حتما من نحن ومن هم، والقادم أكبر بكثير.
كانت تلك هي آخر الكلمات التي نطق بها الرئيس صدام حسين.. لملمت أوراقي، فقد مضى على اللقاء نحو أربع ساعات ونصف الساعة.. عانقته مجددا وقبلت يديه.. شعرت بالدفء تجاه قائد، لم يملك من الدنيا سوى حب العراق، الذي يعيش في قلبه وعقله ويسري في دمائه، لم يعثروا له على أموال في بنوك خارجية، لم يهرب من الميدان، ولم يدفع بأسرته إلى خارج العراق، مع أنه كان يعرف المصير جيدا.
كان صلبا، قويا، صاحب عزيمة لا تلين، كانت مشاعره القومية والوطنية فياضة، عندما بدأت أرجع إلى الخلف، وأنا أودعه، قال لي بصوت عطوف تعوده منه العراقيون دائما: الحمد لله الذي وهبني ابنا ثالثا مع عدي وقصي.. احملك التحية إلى أسرتك وأطفالك، واطلب منك أن تقبل رأس والدتك وتقول لها: لقد أنجبت رجلا شجاعا لأن مهمتك ومهمة اخوانك صعبة وليست سهلة يا ولدي.
انتهت كلمات الرئيس، ورويدا رويدا مضيت بعيدا عنه في طريقي إلى العودة من حيث أتيت، بينما استطاعت بعض الدموع أن تهرب من عيني لتبلل خدي، تذكرني بطعم ونقاء دجلة والفرات.
يا أيها الرئيس العظيم أنا أحبك وأقدرك ولن أنسى لك ما فعلته لأجل العراق ولأجل الأمة، أنا فخور بك وسأبقي مدافعا عنك، حتى لو كلفني ذلك حياتي التي يتربص بها الأعداء داخل العراق وخارجها. وهكذا انتهى نص الحوار... ولكن صداه لم ينته فمنذ ان نزلت صحيفة «الاسبوع» الى الشارع المصري والناس في جدل كبير... الصحيفة التي طبعت 300 ألف نسخة نفدت في سرعة البرق... والاتصالات لم تهدأ من كل أنحاء مصر...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.