الوالدان ليسا مجرد وجود عضوي أو اقتصادي أو اجتماعي انهما كل ذلك، والأهم هو دورهما النفسي والروحي في تكوين الأبناء. ولأن العائلة هي نواة المجتمع ، بصلاحها يصلح المجتمع وبفسادها يسير الى الهاوية فانها مدعوة الى لعب دورها في بناء رجال المستقبل بناء قويما وايجابيا. إن الاتزان العائلي وبالتحديد الروابط بين الوالدين هي من الأمور التي تؤثر ايجابا في تكوين الأبناء فتعاون الوالدين واتفاقهما والاحتفاظ بكيان الأسرة يخلق جوا هادئا ينشأ فيه الطفل نشأة متزنة. وهذا الاتزان العائلي يترتب عليه غالبا اعطاء الطفل ثقة في نفسه وثقة في العالم الذي يتعامل معه فيما بعد. **تفكك الأسرة ومن العوائق التي تقف في طريق نمو الشخصية السوية للأبناء تفكك الأسرة وعدم اهتمام أفرادها بعضهم بالبعض الآخر وعدم اهتمام الأهل وتساهلهم وعدم تكريس الوقت الكافي للاهتمام بالأبناء، وهذا ما أكده السيد بشير (49 سنة) أب لثلاثة أولاد وبنت بقوله : «من الطبيعي أن يكون للجو العائلي دور في بناء شخصية الطفل فكلما كانت علاقة الوالدين بالأبناء أساسها الحوار واحترام الآراء كما كانت الثقة والانسجام يسودان الأجواء العائلية والعكس صحيح». وعن علاقته بأبنائه قال : «تختلف علاقتي بأبنائي من فرد لآخر وعموما هي مبنية على الاحترام ومبدأ الحقوق والواجبات وهي علاقة لا تخلو أحيانا من بعض التوترات وهو أمر طبيعي حسب رأيه. وفي السياق نفسه يتفق كل من السيد محمد الصغير (54 سنة) أب لأربعة أطفال والسيدة مريم (42 سنة) أم لثلاثة أطفال والطفل حافظ الطرابلسي (22 سنة) على أن مشاجرات الوالدين واختلافهما يجعل الجو العائلي ثقيلا لا يطاق فيهرب منه الطفل إلى الشارع حيث يحتمل أن يبدأ سلسلة من السلوك غير المرغوب فيه وأحيانا يصب أحد الوالدين غضبه على الابن وهو ما يقلل ثقة الطفل في نفسه ويجعل ثقته معدومة في من يتصل بهم في الحياة بعد ذلك. وقد يحدث التفكك عن طريق الطلاق أو الانفصالات المؤقتة أو اضطرار الوالدين للعمل خارج المنزل لكسب العيش ومن البديهي أنه كلما قلت اختلافات الوالدين زادت صلاحية الجو العائلي لتربية الأبناء. **عندما يغيب الأب للحديث عن الآثار النفسية والاجتماعية التي يمكن أن يخلفها غياب الأب عن أسرته لا بد من ابراز الدور الذي يلعبه وجود الأب داخل الأسرة نفسها ففي مختلف المجتمعات مهما تباينت درجة تقدمها يحتل الأب مكانة خاصة اذ أنه يلعب دورا رئيسيا في تماسك الأسرة واستمرارها وليس من باب الصدفة أن يطلق على الأب في مجتمعنا عبارة «رب الأسرة» أو أن يشبه ب»عمود الخيمة» الذي لا يمكن للخيمة أن تأخذ شكلها أو أن تستقيم دونه. وعن دور الأب في الأسرة يقول السيد منير الثابتي (مربي أعزب) «لعل الوظيفة الرئيسية للأب، بالاضافة الى توفيره للحاجيات المادية للأسرة أنه يتيح للأبناء الاقتداء به الأمر الذي يعتبر حيويا بالنسبة لتكوين شخصيتهم ولتوازنهم النفسي لا سيما في المرحلة الأولى من طفولتهم». وأكد أن دور الأب يمكن أن يؤثر أكثر من النصائح والارشادات التي يسمعها الطفل من معلميه أو من أي مصدر آخر ولا يمكن لأي شخص آخر سواء كان الأم أو الأخ الأكبر أو أحد الاقارب أن يقوم بالوظيفة نفسها التي يقوم بها الأب فحتى الأم مهما بلغت من قوة الشخصية ومن القوة الاقتصادية لا يمكنها أن تكون أما وأبا في آن معا. ومن هنا يمكن القول أن الأب يعتبر مصدر الأمن والحماية للطفل وغيابه قد يحدث اضطرابا في حياة الطفل ويتجلى ذلك في مشاعر الخوف والقلق التي تنتاب الطفل بين الحين والآخر أو في شكل تغير مفاجىء في السلوك لم يكن معروفا قبل غياب الأب. **أمهات... ولا آباء تتكرر في مجتمعنا حالات الأطفال الذين اضطرتهم الظروف الى أن يعيشوا مع أمهاتهم بعيدين عن آبائهم، وفي حال الطلاق أو الهجر غالبا ما تحاول الأم القاء اللوم على الأب على مرأى ومسمع من الطفل. بل قد تحاول تشويه صورة الأب في نظر الطفل خاصة أن الزوجة المطلقة تميل الى الشكوى تنفيسا عن حالة الاحباط التي تعيشها وتنسى أن الصورة المشوهة التي تقدمها عن الأب تتعارض مع الصورة التي كانت تقدمها عن الأب قبل الطلاق. وسلوكا من هذا النوع يسىء بالدرجة الأولى الى الابن الذي سيكون أبا في المستقبل، وكذلك إلى البنت التي ستكون أما في المستقبل وتخطىء الأم في هذه الحالة عندما تعتقد أن بامكانها أن تلعب دور الأب والأم معا وتتوهم إن اغداقها على طفلها واستجابتها لجميع ما يطلبه سيكون تعويضا له عن الأب فالطفل ليس جهازا هضميا، بل ان حاجته الى الاب بما يرمز اليه الأب من مشاعر الأمن والعطف والحماية... تفوق حاجته الى الطعام واللباس لذلك على الأم أن «تبقي ظل الأب قويا في البيت وذلك لمصلحة الأبناء أنفسهم». ولا بد من القول أنه قد تبدل مفهوم الطفولة فلم يعد الطفل فردا سلبيا بل أصبح انسانا فعالا شريكا للبالغين ومن هناك على الأهل احترامه ومناقشته في أموره وأمور الحياة بعيدا عن ازدواجية التربية البيتية والمشاكل الزوجية حتى يكون عنصرا صالحا في مجتمعه.