* المربي المتقاعد: عثمان الهيشري زاوية الجديدي بني خلاد اعترضني في الطريق وكان بصدد القيام بواجب التابع لوزارة... متنقلا كعادته على دراجته النارية الجديدة والتي يبدو أنها قد أنسته نوعا ما لوعته في فقدانه لدراجته النارية القديمة السابقة والتي سرقت منه في رمشة عين نتيجة سهوه للحظات كان يتبادل فيها اطراف الحديث مع البعض داخل مغازة. وبعد ان بادرني بالتحية الصباحية اقترح عليّ بأسلوبه اللبق تمكيني من مجموعة نطق اسمها بالفرنسية وهي كالاتي Carte di vi فلم أفهم مقصده. فأعاد عليّ الاقتراح اكثر من مرة وبنفس النطق واعتقد أني امزح واتجاهل ما يقول. فأوضح لي بأنه ينوي مدّي بعدد لا بأس به من بطاقات التهاني بمناسبة قرب حلول السنة الميلادية وبمقابل طبعا، وعندها ادركت بأنه يقصد بالفرنسية Cartes de vدux. وأضاف بأنه اختارني نظرا لشهرتي ومعرفتي بالناس ومعرفة الناس بي والتي تقتضي توجيه التهاني اليهم بفضل هذه الطريقة حسب رأيه الخاص. وبعد ان شكرته مبتسما على هذا الانطباع المبالغ فيه اعتذرت له بكل لطف عن تلبية هذا الطلب لسببين اثنين. أولا: لأنني اعتبر نفسي انسانا عاديا وعبارة «مشهورة» لن تكون في قاموس حياتي، ولن اجري وراءها... ولن استخرج مثلا بطاقات الزيارات Cartes de visites لأعرّف بهويتي ووظيفتي وعنواني للاخرين مثلما يفعل اغلبهم. ولو أني اعترف بقيمتها وبدورها في التعامل بين البشر لكن من الانسب ان تكون صالحة لمن يستحقها لا حبا في الظهور وتحت شخصية زائفة. ولن أفكر في اقتناء هاتف جوال مهماكانت اغراءات Télécom وTunisiana وذلك حتى أحافظ على صحتي الجسمية والنفسية ولمَ لا على ظروفي المادية ولا يهمني ما يقولون وما يعلقون... ومهما كانت ايجابياته فحتى سلبياته تبقى ذات بال في كثير من الاحوال. ثانيا: بقدر ما أنا مولع بالكتابات الصحفية بقدر ما انا ابخل عباد الله في كتابة الرسائل الشخصية او توجيه البطاقات للاصدقاء والزملاء، وهو عيب اعترف به ولكن لا يجب ان يؤول الى ضرب من ضروب التكبر... أما عن الازدواجية في لغة التخاطب التي أوحى بها إليّ موقف صاحبنا فهي ظاهرة متفشية في جميع المجتمعات وبين مختلف الاصناف خاصة بين المراهقين وفي المحافل والمناسبات وحتى في بعض الاذاعات والتلفزات. لكن المؤسف والمضحك في الوقت نفسه هو النطق بها نطقا غير سليم علاوة على بعض ترجماتهم الخاطئة (طولا وعرضا). وفي هذا الاطار والحديث ذو شجون اذكر كيف كنا في زمن ما في الستينات نطبّق كمربين الاوامر المسلطة علينا من قبل بعض السادة المتفقدين (مع احترامي لهم) وكيف كنا نكيّف أساليبنا وطرق عملنا حسب رغباتهم لانهم يعتقدون دائما بانهم على صواب حتى لو كنا واثقين بأنهم على خطإ في بعض التوجيهات ومهما كانت قدرة القليلين منا (والذين ينعتون بالمشاغبين) في فرض شخصيتهم عليهم كلفهم ذلك ما كلفهم. وأذكر كيف كنا ضحية متفقد فرنسية متعصب تعصبا اعمى للغته، وكيف كان يفرض علينا النطق السليم لها مع التلاميذ وخارج المؤسسة وكيف كان يهتم كثيرا بمخارج الحروف والمقاطع وضرورة التمييز بينها، والويل كل الويل لمن يخطئ. وكان يركز اجتماعاته وتفقداته على هذا الموضوع وزاد عليه (المقروء)... وكأننا بالمجهودات التي نبذلها في الاعداد المادي والكتابي وفي اختيار التقنيات والمنهجيات لم تعد لها قيمة. وقد تجلى ذلك في اعداده المهنية المسندة والتي كانت محبطة للعزائم والتي دفعت بالكثيرين منا الى الهروب الى تدريس المواد العربية عند عرض التنظيمات البيداغوجية اتقاء شرّ هذا المتجبر والذي كنا نكرهه وننافقه عند تقديم التهاني له في بعض المناسبات مثل حلول السنة الميلادية. ومع ذلك فقد عجز عن جبرنا على نطق ال R - r - r بالغاء عوضا عن الراء ما عدا الجنس اللطيف المتعود عليها او اقلية من الرجال. والحمد لله انه لم يمكث طويلا بالدائرة ولكننا كنا نشفق على من انتقل اليهم في دوائر اخرى. ومهما يكن من امر فلابد من الاعتراف بانه غرس فينا عقلية الغيرة على لغتنا العربية والدفاع عنها والنطق بها نطقا سليما وكذلك شأننا عندما نتكلم لغة ثانية او ثالثة. ولئن تحدثت عن المنطوق في مقالي هذا فحتى المكتوب لا يخلو من الاخطاء وهو ما نلاحظه في الصحف ووسائل النقل والمراسلات وامام واجهات المغازات والمؤسسات وفي الشوارع. وكمثال واحد لهذا هو كتابة المضاف في الجملة الاسمية بالالف في اخره عندما يكون جمعا مذكرا سالما مرفوعا في اللافتات القماشية في الطرق العامة والصواب يقتضي عدم ادراجها مثل: مواطنوا بلدية كذا... يرحبون ب والصواب مواطنو بلدية.... الخ.. لاعبوا الفريق... والصواب لاعبو الفريق وقد أبديت بملاحظاتي هذه للمعنيين بالامر مباشرة وتقبلوا ذلك بصدر رحب وبالمناسبة ارجو من الخطاطين ان يحتاطوا في ما يخطون. ولنعد الى اصل الموضوع لاشكر الاخ المحترم الذي اراد ان يتحفني بمجموعة من بطاقات التهاني فاتحفته بهذا المقال متمنيا له الصحة والعافية ولدراجته طول العمر وانصحه ان يكون حذرا جدا حتى لا تسرق منه من جديد وعندها لا يلومنّ الا نفسه لان ما يحمله عليها هو امانة جسيمة في عنقه.