تشهد أروقة الكونغرس الأمريكي وكل من وزارة الدفاع (البنتاغون) والبيت الأبيض نقاشا ساخنا حول موعد وكيفية وضع استراتيجية للانسحاب التدريجي من العراق بعد إجراء الانتخابات العراقية المرتقبة في الثلاثين من شهر جانفي الجاري التي ستسفر عن تشكيل جمعية وطنية تنتخب حكومة عراقية ومجلسا رئاسيا. وفي الوقت الذي ذكرت فيه صحيفة نيويورك تايمز أن النقاشات تتناول سلسلة من الخطط الطارئة للأحداث في ما يشبه خارطة رسمية لاستراتيجية مخرج، فإن مسؤولا أمريكيا كبيرا حذر من الذهاب بعيدا في تفسير ذلك قائلا «إن لدى البنتاغون خططا لكل شيء» بدءا من نشوب حرب في كوريا وانتهاء بمهمات إغاثة في أفريقيا. وقد ازداد الحديث العام وغير الرسمي عن الانسحاب من العراق بصورة مميزة في الوقت الذي يعود فيه الكونغرس إلى عقد دورته الجديدة في العشرين من الشهر الجاري، وفي الوقت الذي تحاول فيه القيادات العسكرية الأمريكية معرفة كيفية رد العراقيين على نتائج الانتخابات. نقاشات تحت الضغط وتذكر مسودة الميزانية السنوية للبنتاغون بأن الاحتلال الأمريكي للعراق يكلف نحو 4.5 مليار دولار شهريا، ويثير توترا هائلا في الجيش الأمريكي. ويفكر المسؤولون في البيت الأبيض بالتكاليف السياسية لفترة ولاية الرئيس جورج بوش الثانية نتيجة الإصابات المتزايدة في صفوف قوات الاحتلال الأمريكي. ولم ينضم بوش حتى الآن إلى هذه النقاشات على الرغم من أن عددا قليلا من كبار أعضاء طاقمه للأمن القومي والسياسة الخارجية يشاركون فيها. وقال مسؤول أمريكي كبير بأن بوش لا يزال ينوي التمسك بخطته، مشيرا إلى استراتيجيته بتدريب العراقيين ليتولوا مسؤوليات الأمن من قوات الاحتلال، ولكنه لم يتردد في وعده بالبقاء إلى حين الانتهاء من المهمة. وأصر المسؤول ذاته على القول «نحن لسنا بصدد محاولة تعويم جداول زمنية، وإن المقياس الوحيد الذي لدينا هو متى نستطيع تسليم المزيد من المهمات إلى القوات المحلية» في العراق. غير أن الحديث عن سبل جديدة لتحديد موعد إنجاز المهمة يسود نقاشات واشنطن، وهناك من يدعو إلى استخدام الانتخابات كمسوغ للانسحاب التدريجي السريع، حتى لا تبدو الولاياتالمتحدة وكأنها تقطع مهمتها وتهرب من العراق. ويعترف مسؤولون عديدون أن بوش سيواجه قرارات حاسمة بعد 30 يناير في الحال عندما يتضح ما إذا كانت الانتخابات أسفرت عن استقرار أو مزيد من المقاومة. وقد وجد بوش نفسه بالفعل في جدل علني نادر الأسبوع الماضي مع مستشار والده السابق لشؤون الأمن القومي، برينت سكوكروفت الذي أعلن يوم الخميس الماضي أن «الانتخابات لن تكون تحولا يبشر بخير بل إن فيها احتمالا كبيرا بتعميق الصراع» مضيفا «ولعل ما نشهده هو حرب أهلية قائمة جزئيا في هذا الوقت.» وقال سكوكروفت «إن الوضع في العراق أثار السؤال الأساسي وهو ما إذا كان علينا أن نخرج الآن» وقد حث بوش على إبلاغ الأوروبيين في جولته القادمة في أوروبا الشهر المقبل بأنه لا يستطيع إبقاء الأمريكيين يقومون بهذا وحدهم، وماذا يعتقدون أنه سيحدث «إذا سحبنا القوات الأمريكية الآن مباشرة.» في إشارة إلى أنه يعني أن يثير بوش احتمال انهيار العراق بدون وجود أجنبي رئيسي، وهو ذات المنطق الذي تستخدمه حكومة بوش لسياستها الحالية. وقد علق بوش على تصريحات سكوكروفت بأنه لا يشاركه قلقه قائلا «العكس تماما»، مضيفا «أعتقد أن الانتخابات ستكون تجربة مثيرة للآمال بصورة لا تصدق للشعب العراقي.» أسئلة مثيرة غير أن مصادر في الحكومة الأمريكية تقول أن تفاؤل بوش يتناقض بشكل حاد مع الأحاديث الجارية في غرفة العمليات العسكرية أو السياسية في البيت الأبيض، كما يتناقض مع ما يجري من حديث في البنتاغون والكونغرس. فلأول مرة هناك أسئلة حول ما إذا كان من الممكن سياسيا الانتظار إلى أن يتم تدريب القوات العراقية بصورة كافية قبل أن يصبح الضغط لسحب القوات الأمريكية كاسحا. وقد بدأ أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي بالتصريح علنا بأن وحدات الجيش والشرطة العراقية ليست بمستوى المهمة. وقال رئيس لجنة القوات المسلحة في المجلس جون وورنر عقب اجتماعه مع مسؤولين كبار في البنتاغون أنه «ينبغي القيام بقدر كبير من العمل لتحقيق ذلك المستوى من القوات التي ستسمح لبلادنا وللأعضاء الآخرين في التحالف تخفيض مستويات قواتهم.» كما أعرب أعضاء جمهوريون بارزون في المجلس بمن فيهم تشاك هاغل وجون مكين عن تشاؤمهم بشأن السياسة الخاصة بالعراق. كما أن أحد أعمدة اليمين المحافظ المتطرف نيوت غينغريش، الذين روجوا للحرب على العراق قال «إننا نعمل الآن على إخراج أنفسنا من الحفرة في العراق.» وقال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في معرض الحديث عن قراره إرسال الجنرال المتقاعد غاري لوك إلى العراق لتقييم الوضع هناك أنه لا يريد إرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى العراق «لأننا عندها سنبدو أكثر فأكثر بأننا أشبه بقوة احتلال.» ويجري الحديث بهدوء داخل حكومة بوش عن لجوئها إلى الحكومة العراقية التي ستختارها الجمعية الوطنية العراقية بعد الانتخابات لتطلب سحب القوات الأمريكية وهو ما وصفه مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية ب»الخيار الفلبيني» مشيرا بذلك إلى طلب الفلبين سحب القوات الأمريكية قبل أكثر من عشر سنوات. وقال القائد السابق لقوات المارينز في العراق الجنرال جيمس كونوي الذي يعمل حاليا مديرا للعمليات في الجيش في هيئة الأركان المشتركة، «أظن أنه بعد فترة قصيرة جدا سنبدأ في رؤية تخفيض في القوات الأمريكية، ليس لأن المخططين الأمريكيين يسعون إلى ذلك بل لأن العراقيين سيطلبون ذلك.» ونقلت نيويورك تايمز عن مسؤول أمريكي كبير قوله أن من الواضح للجميع أن وضع جدول زمني للانسحاب الأمريكي التدريجي «ينبغي أن يكون عرضا عراقيا وأنه ينبغي أن يحدث هذا العام.» وقال جنرال أمريكي في العراق في رسالة إلكترونية إلى نيويورك تايمز «من الصعب حقا القول ما الذي يمكن اعتباره موعدا واقعيا.