لو أكل إنسان لحم أضحيته كله لجاز ذلك عند بعضهم ولكنه يعتبر مخالفا للسنّة، لأن السنّة أن يأكل منها المضحي هو وأهل بيته، ويطعم منها الفقراء، ويهدي الاقارب والاصحاب. وقد قال العلماء: الافضل أن يأكل الثلث، ويدخر الثلث، ويتصدق بالثلث... ويجوز نقلها ولو الى بلد آخر، واليك الادلة على ما ذكر. 1) عن سلمة بن الاكوع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ضحى منكم فلا يصبحن بعد: ثالثة وفي بيته منه شيء. فلما كان في العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا في العام الماضي؟ قال: كلوا واطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردنا أن تعينوا فيها متفق عليه. 2) وعن ثوبان قال: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحيته ثم قال: يا ثوبان، أصلح لي لحم هذه، فلم أزل أطعمه منه حتى قدم المدينة رواه أحمد ومسلم. 3) وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن لحوم الاضاحي فوق ثلاثة: ليتسع ذوو الطول (أصحاب الغنى) على من لا طول له، فكلوا ما بدا لكم وأطعموا وادخروا رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه. فالاحاديث السابقة دالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين أن يبقوا من لحوم الاضاحي شيئا بعد ثلاثة أيام من ذبحها يوم النحر، وذلك بسبب الجهد الذي أصاب الناس حق قدم الاعراب الى المدينة من أجل طلب المعونة والمساعدة، فلما انتهت هذه الشدة وجاء عام مقبل أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن يأكلوا من الاضاحي ويدخروا لاهليهم ويطعموا الفقراء كما يشاؤون، إلا أن الفقهاء اختلفوا في الاكل من الاضحية: هل هو واجب أو سنة أو مباح؟ والسبب: هو اختلافهم في مضمون قوله صلى الله عليه وسلم: «كلوا» هل هو إيجاب، أو استحباب، أو إباحة؟ قال بعض الفقهاء بالوجوب، وقال آخرون بالاستحباب، وقال آخرون بالاباحة. كما اختلفوا في قوله صلى الله عليه وسلم وتصدقوا هل هو للايجاب أو الاستحباب أو الاباحة، وبكل قيل. والاحوط التصدق ولو بجزء يسير منها، والاقرباء الفقراء أولى بالصدقة، مع العلم بأن أي أكل وأي تصدق يقوم بالمطلوب ولو قليلا. وفي الحديث الثاني تصريح بجواز ادخار لحم الاضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه وبأن التزود منه لا ينافي التوكل، وأن الاضحية مشروعة للمسافر كما تشرع للمقيم، وبه قال الجمهور، وقال النخعي وأبو حنيفة: لا أضحية على المسافر، وقال مالك وجماعة: لا تشرع للمسافر بمنى ومكة. وقد جاء في حديث النهي عن إعطاء الجزار أجرته من الاضحية، وعلى هذا اتفق الفقهاء، كما اتفقوا على أن جلود الاضحية إما أن يتصدق بها المضحي وإما أن ينتفع بها، غير أنهم اختلفوا في الانتفاع، فالبعض يقول: لا يكون الانتفاع إلا بنفس الجلود وهو الذي عليه رأي الجمهور، والبعض القليل أجاز بيع الجلد ليشتري بثمنه شيء يستفاد به في البيت، إما إن باعه وتصدق بثمنه فإن أكثرية من الفقهاء توافق على ذلك.