دفع تقاطع الضغوط الامريكية والاسرائيلية وحتى الاقليمية بالوضع الداخلي الفلسطيني هذه الايام الى مستوى غير هين من التعقيد بعد انتخاب قيادة فلسطينية جديدة ممثلة في محمود عباس وما رافق صعودها الى سدة الحكم من زخم في عمليات المقاومة.... وبدا مستوى تعقد الوضع الداخلي بالنسبة الى البعض منبئا ومنذرا بتأجح التوترات «التقليدية» بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة الى حد ان حدوث «اشتباك» ما على الساحة الفلسطينية بات واردا باعتبار «الظرف الجديد» الناشئ عن تولي أبي مازن ورفاقه زمام السلطة في الاراضي المحتلة، مع ما يطرحه بروز هذه القيادة الى واجهة الاحداث فلسطينيا وعربيا ودوليا من وجوب التوفيق بين أمور متباعدة حينا ومتنافرة حينا آخر. فالقيادة الفلسطينية الجديدة ممثلة في شخص محمود عباس أعلنت بوضوح حتى قبل الانتخابات الرئاسية موقفها من الانتفاضة ومن المقاومة... فأبو مازن قال صراحة انه لابد من وضع حد لعسكرة الانتفاضة بمعنى التحول من العمليات المسلحة الى النضال الشعبي ودعا الى «تقنين» المقاومة المسلحة بما يعني حصر ممارستها في أضيق نطاق ممكن مع الحرص على «تذويب» هذه المقاومة في اطار عملية التسوية التي تعتقد القيادة الفلسطينية ان من غير الممكن ان تتم بالتوازي مع النضال المسلح... ولا شك ان أبا مازن ورفاقه في القيادة الجديدة التي أعلنت انها لن تحيد عن نهج الرئيس الراحل ياسر عرفات قد وجدوا انفسهم في وضع صعب حيث من العسير الجمع بين تلك الامور المتباعدة والمتنافرة كالمفاوضات من جهة والنضال المسلح من جهة أخرى، او بين الدخول في العملية التفاوضية مجددا مع القبول بواقع الاحتلال وما يفرضه على الشعب الفلسطيني من شتى اشكال القهر والمعاناة بما في ذلك التقتيل اليومي والتجويع والتشريد. وامام الضغوط الاسرائيلية التي بلغت بشارون حدّ التلويح بمعاودة احتلال قطاع غزة بالكامل بعدما اعلن بوضوح انه لن يمهل أبا مازن كثيرا ليتحرك ضد ما يزعم انه «إرهاب»، وضغوط واشنطن التي تستحث بدورها القيادة الفلسطينية الجديدة على ضرب البنية التحتية للمقاومة حتى لو كان ثمن ذلك اشعال مواجهة داخلية، يبدو هامش المناورة أمام محمود عباس ضيقا بعض الشيء فلا هو قادر على الاستجابة لطلبات واشنطن وتل أبيب ولا هو يجرؤ على الدخول في مواجهة بمعنى المواجهة مع فصائل المقاومة. لهذا يتأهب محمود عباس لجولة من الحوار مع فصائل المقاومة في غزة لانه يعي جيدا ان الحوار لاجل الوصول الى حدّ أدنى من التوافق مع فصائل المعارضة والمقاومة كفيل لوحده بتجنيب الشعب الفلسطيني شبح مواجهة المستفيد الوحيد منها هو الكيان الاسرائيلي. وفي المقابل تبدو فصائل المقاومة مستعدة للوصول الى نوع من «الحل الوسط» يقصي تماما احتمال «الاشتباك الداخلي» ويسحب من شارون كل ذرائع العدوان. وعلى هذا الأساس كانت فصائل المقاومة بما فيها «حماس» قد اكدت استعدادها للدخول في هدنة متبادلة مع الكيان الاسرائيلي مقابل توقف تام للعدوان الذي يكتوي الفلسطينيون بناره يوميا. والواضح انه ليس امام الفلسطينيين في هذا الظرف الصعب غير طريق الحوار وتعزيز الوحدة الوطنية للعبور الى شاطئ الامان والقفز على كل ما من شأنه تسميم الوضع الداخلي لصالح المخططات الاسرائيلية، وهذا يفترض بالأساس الحفاظ على المقاومة منهجا والتمسك بالثوابت الوطنية.