استغل الرئيس الأمريكي جورج بوش الانتخابات العراقية التي أشرفت قوات الاحتلال الأمريكي على إجرائها يوم الأحد الماضي، لكي يحدد مجددا سياسته الخارجية في فترة ولايته الثانية التي تنتهي عام 2008، ملوحا بالعصا والجزرة معا في خطابه حول حالة الاتحاد الليلة قبل الماضية أمام جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين. ففي الوقت الذي حث فيه كلا من مصر والسعودية على التحرك بسرعة أكبر نحو تبني الديمقراطية، وتوسيع دور شعبيهما في تقرير مستقلبيهما، فقد هدد سوريا وإيران؛ لأنهما حسب قوله يرعيان «الإرهاب». فيما تعهد بعدم إنهاء الاحتلال العسكري المباشر للعراق بوضع جدول زمني للانسحاب، قبل أن يصبح العراقيون قادرين على فرض الاستقرار والأمن بأنفسهم. وقال بوش إن الولاياتالمتحدة ستبدأ «مرحلة جديدة» في عراق ما بعد الانتخابات تركز خلالها بدرجة أكبر على تدريب قوات الأمن العراقية، دون الإشارة إلى جدول زمني للانسحاب. وقال «لن نضع جدولا زمنيا مصطنعا لمغادرة العراق، لأن ذلك سوف يشجع الإرهابيين ويجعلهم يعتقدون أنهم يستطيعون إنهاكنا». اولويات بوش وقال بوش في خطابه الذي كان يقاطع بالتصفيق من قبل الأعضاء الجمهوريين، إن «الوضع السياسي الجديد في العراق يفتح مرحلة جديدة في عملنا في ذلك البلد. سنركز جهودنا بدرجة متزايدة على المساعدة في إعداد قوات أمن عراقية أكثر قدرة.. قوات تضم ضباطا مهرة وهيكل قيادة فعالا». وقد تضمن رد الديمقراطيين الذي ألقته زعيمتهم في مجلس النواب نانسي بيلوسي تحديا حول العراق حيث قالت «إننا جميعا نعلم أن الولاياتالمتحدة لا تستطيع البقاء إلى الأبد في العراق وأن ينظر إليها باستمرار كقوة احتلال» واضافت «لا ينبغي الخروج كمتسللين من الباب الخلفي، أو الإعلان عن انتصار مزيف و نترك وراءنا فوضى... إننا لم نسمع أبدا خطة واضحة من الحكومة لإنهاء وجودنا في العراق». ويعكس رد بيلوسي حالة الخلاف داخل الديمقراطيين بشأن وضع جدول زمني للانسحاب من العراق، حيث أعلن عدد من الزعماء الديمقراطيين في الكونغرس عدم اتفاقهم مع ما طرحه العضو الديمقراطي البارز في مجلس الشيوخ إدوارد كنيدي بضرورة الانسحاب الفوري لجزء من القوات الأمريكية فيما يتم وضع جدول زمني لسحب بقية القوات، ويريدون أن يضع بوش استراتيجية مفصلة للانسحاب. وتعهد بوش في خطابه بتقديم 350 مليون دولار معونة للفلسطينيين لتعزيز الأمن والتنمية الاقتصادية، وقال: إن هدف إقامة دولة فلسطينية «في المتناول». ويهدف تعهد بوش إلى إظهار التأييد الأمريكي للرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي انتخب الشهر الماضي خلفا للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي تجنبه بوش حتى وفاته بوصفه عقبة على طريق السلام. وقال بوش في خطابه: «بداية الإصلاح والديمقراطية في الأراضي الفلسطينية توضح أن قوى الحرية تحطم أنماط العنف والفشل القديمة». وأضاف أن «هدف قيام دولتين ديمقراطيتين -إسرائيل وفلسطين- تعيشان جنبا إلى جنب في سلام في المتناول، وأمريكا ستساعدهما على تحقيق ذلك الهدف». وأعلن بوش أنه سيطلب من الكونغرس مساعدة مالية للسلطة الفلسطينية بقيمة 350 مليون دولار «لدعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية». ويأتي تعهد بوش في فترة تفاؤل بشأن إحراز تقدم نحو وضع نهاية لعمليات المقاومة الفلسطينية ضد احتلال الإسرائيلي، بما يضمن حالة من التهدئة قد تكون هشة في غزة والضفة الغربية وقمة مزمعة للأطراف الإقليمية الرئيسية في مصر. وقال مسئولون أمريكيون، إن المساعدة الأمريكية ستستخدم في تمويل مجموعة كبيرة من المشروعات في المناطق الفلسطينية من بناء المنازل وتحسين البنية التحتية إلى تقديم خدمات اجتماعية. وأوضح مسؤول أمريكي أن المبلغ الإجمالي يشمل 41 مليون دولار معونة قائمة بالفعل «للمشروعات قصيرة الأجل بالغة الأهمية» في المناطق الفلسطينية. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته إن المساعدة تشمل أيضا 50 مليون دولار لإقامة نقاط عبور جديدة متطورة تكنولوجيا على طول الحد الفاصل بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية «للمساعدة في تحسين تدفق السلع والأفراد». وأشاد بوش بالانتخابات التي جرت في العراق والمناطق الفلسطينية وأفغانستان، وقال إن الأمل يحدوه في أن يكون الإصلاح «آخذا في التجسد بالفعل في منطقة تمتد من المغرب إلى الأردن إلى البحرين». تلويحات لكن بوش وجه مناشدة نادرة إلى «زعماء السعودية ومصر» كي «يحذوا نفس الحذو». وقال بوش في خطابه: «إن الأمة المصرية العظيمة الأبية التي قادت الطريق نحو السلام في الشرق الأوسط يمكن الآن أن تقود الطريق نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط». وجاءت دعوة بوش العلنية بعد أيام من إعطاء الرئيس المصري حسني مبارك إشارة قوية على أنه سيرشح نفسه لفترة ولاية خامسة مدتها 6 سنوات. واعتبر مبارك أن «النظام الحالي الذي يختار مجلس الشعب بمقتضاه الرئيس يجعل مصر مستقرة». وقال بوش إن «أمريكا ستقف مع حلفاء الحرية لدعم الحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط وما وراءه» وكان بوش تعهد في خطاب تنصيبه يوم العشرين من الشهر الماضي بنشر الحرية والوقوف مع المقهورين في وجه من أسماهم «الطغاة». وفيما يخص السعودية قال بوش إن «حكومة السعودية يمكن أن تؤكد زعامتها في المنطقة بتوسيع دور شعبها في تقرير مستقبله». وتجيء تصريحات بوش حول الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية في المنطقة بعد أن تخلت حكومته عن مشروعها المعروف باسم «مبادرة الشرق الأوسط الكبير» في أعقاب رفض الأنظمة العربية له وتشكيك القوى الوطنية العربية بأهدافه، حيث أعلنت واشنطن خلال مؤتمر «منتدى المستقبل» الذي عقد في العاشر من شهر ديسمبر الماضي في الرباط بالمغرب تبنيها لمشروع بديل أطلق عليه «حوار بين دول الثماني والشرق الأوسط الأوسع وشمال أفريقيا»، يؤكد على «خصوصية كل دولة من ناحية، وعلى عدم وجود معيار واحد ينطبق على الجميع من ناحية أخرى» بشأن الإصلاح. وقد جدد بوش في خطابه وصف إيران ب «الدولة الرئيسة الراعية للإرهاب في العالم»، وكرر اتهاماته لها بأنها تسعى لتطوير أسلحة نووية. ووعد بوش بالوقوف مع الشعب الإيراني في سعيه من أجل الحرية. لكنه قال «إننا نعمل مع حلفائنا الأوربيين لنوضح للنظام الإيراني أنه يجب أن يتخلى عن برنامج تخصيب اليوارنيوم ومعالجة البلوتونيوم، ويضع نهاية لدعمه للإرهاب». وقال بوش موجها خطابه إلى الشعب الإيراني «طالما أنكم ملتزمون لنيل حريتكم، فإن أمريكا تقف معكم». وكرر بوش مطالبته لسوريا بالكف عن تقديم أي دعم «للإرهاب»، وهدد بفرض العقوبات التي يتضمنها قانون «محاسبة سوريا وسيادة لبنان» الذي وقعه العام الماضي. وبخصوص كوريا الشمالية التي تتهمها واشنطن أيضا بالسعي لامتلاك أسلحة نووية، قال بوش «نعمل عن كثب مع الحكومات في آسيا لإقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن طموحاتها النووية».