في حدود الحادية عشرة والنصف من يوم الاربعاء 6 أكتوبر 1965 وصل ركب القطار المتجة إلى مدينة طبرقة الى محطة وشتاتة. نزلت صحبة أدباشي ولم يدم توقف القطار سوى دقيقتين سرعان ما زمجر وانطلق يطوي الأرض طيا. وجدت في تلك اللحظة وفي اطار ريفي بحت وحيدا. فطرقت باب مبنى المحطة فلا مجيب. وناديت بأعلى صوتي على من في المبنى فذهبت نداءاتي أدراج الرياح. ضاق صدري وحملت أدباشي أتحسس طريقي إلى زاقة. واذا بي في مفترق مسالك ريفية رملية متعددة. سرت في الأول فلم تبد لي آثار تدل على أنني سائر في طريق العمران فعدت أسير في مسلك ثان وثالث. وكانت كل المسالك متشابهة. رجعت الى مبنى المحطة أطرق الباب وأنادي على من به، ولكن لا حياة لمن تنادي، ووجدت نفسي في تلك اللحظة وأنا في مهب الرياح. وبلغ شعوري بالغربة حدا لا يطاق فانهمرت الدموع ندما. وفجأة وقفت واتخذت آخر قرار الانتقال الى الضفة الأخرى وانتظار القطار العائد من طبرقة والمتجه الى العاصمة لأعود من حيث أتيت ووأد التجربة قبل أن تولد. في الوقت الذي اتخذت فيه القرار المنقذ بمحو فكرة الالتحاق بالتدريس من ذاكرتي والالتحاق بمسالك أخرى خاصة أنه كانت أمامي عروض عديدة سمعت صوتا يناديني «هل أنت معلمنا الجديد بزاقة». سعدت كثيرا لرؤية وسماع صوت آدمي ينقذني من الضياع في مكان غريب عني في محيطه وتركيبته الجغرافية. وأجبته بسرعة وتعارفنا بعد أن سلمنا على بعضنا وكان شابا نحيفا طويل القامة فساعدني على حمل الأدباش واتجه نحو وجهة لم أفكر فيها مطلقا مسلك صغير خفي تحت الأشجار. سار به وأنا أتبعه وكنت مندهشا من روعة المشاهد والمكونات الطبيعية سألته عن المسافة التي تنتظرنا لقطعها. فقال لي لا تخف يا سيدي انها منعرجات فحسب. بعدها سنصل الى زاقة ولم يكن يدر بخلدي أن تلك المنعرجات الثلاث فحسب لا تقل مسافتها عن كلم وبدأت المشكلة الأولى حيث وجدت نفسي أمام واد تسمع خرير مياهه من بعيد، وقال لي مرافقي لا بد من اجتياز الوادي خفت ورفضت وطمأنني بأنه سيتولى نقلي على ظهره وعلي باغماض عيني فحسب فعلت ما أمرت به ولا حول ولا قوة لي ولئن تطلب الأمر دقائق تراوحت بين و فإنها كانت بالنسبة إلي أياما وأسابيع فقد كنت أشعر بخفقات قلبي ولكنني تجلدت ولما حط به بالضفة الأخرى تنفست الصعداء وحمدت الله. عاد مرافقي ليحمل الأدباش وأنا أشاهد باندهاش روعة المشاهد الطبيعية ثم واصلنا الرحلة لنصل في حدود منتصف النهار و35 دقيقة ووجدت في انتظاري زملائي بالمدرسة فأحسنوا استقبالي ودعوني لتناول فطور الغذاء. وكما يقول المثل الشعبي عندنا «من الطبق إلى بيت النار» دعاني المدير السيد ابراهيم بلحاج عمار الى الالتحاق بالقسم وكانت لحظات لا تنسى.