المتابع لتصريحات أركان الادارة الأمريكية هذه الأيام يلحظ بوضوح أنها تشيع أو تحاول إشاعة أجواء ملبدة بغيوم الحرب مماثلة للأجواء التي سادت قبل غزو العراق إذ كان التهديد باستخدام القوة ضد العراق يسير في خط واحد مع الايحاء بحل ديبلوماسي ممكن. والهدف الثاني بعد العراق كما هو واضح هي ايران الذي تشكل أحد ثلاثة أضلاع في ما كانت إدارة بوش تسميه «محور الشر» إلى جانب العراق وكوريا الشمالية. وبعد ازالة الضلع الأول أي العراق الذي تحول في طرفة عين من عدو لدود إلى صديق ودود، يبدو ان واشنطن قد حسمت أمرها باتجاه ايران ل»تأديبها» اما بأيد أمريكية صرفة واما بأيدي الاسرائيليين الذي قد يتولون (بالوكالة عن الأمريكيين) مهمة تدمير المنشآت النووية الايرانية التي قد تنتج في المستقبل القريب القنبلة النووية حسب واشنطن وتل أبيب. ولا يبدو ان تهديد الرئيس الأمريكي مؤخرا باستخدام القوة العسكرية ضد ايران التي وصفها في خطابه الأخير حول حالة الاتحاد الفيدرالي بأنها مصدر «الارهاب» الأول في العالم، كان لمجرد التخويف فقط، فسابقة التعامل الأمريكي مع العراق تحيل إلى ان التهديد ما هو إلا تمهيد لضربة عسكرية سواء كانت محدودة ام غزوا كاملا كما حصل للعراق. كما ان تلويح ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي بأن يتولى الكيان الاسرائيلي مهمة ضرب المنشآت النووية ليس «مزحة» ثقيلة فقد تولى هذا الكيان قيل أكثر من 20 عاما القضاء على القنبلة النووية العراقية في المهد حين دمّر مفاعل «تموز» الذي حصل عليه العراق من فرنسا. وما من شك في أن إدارة بوش التي لم تفارق لغة القوة خطابها السياسي بعد انقضاء فترة حكمها الأولى، باتت تعتبر إيران وهي القوة العسكرية الأكبر في المنطقة (إلى جانب الكيان الإسرائيلي) أعظم خطر استراتيجي يهدد مصالحها ويهدد وجود هذا الكيان خصوصا إذا حصلت على القنبلة النووية وهو ما يستوجب في الحسابات الأمريكية القضاء على هذا الخطر قبل استفحاله. وكما ألمحت إلى ذلك وزيرة الخارجية «كوندليزا رايس» التي استبعدت هذا الأسبوع هجوما على إيران في المرحلة الحالية، يبدو أن واشنطن قد دخلت كما فعلت في حالة العراق في مسار تسخين الأجواء إلى الحد الأقصى قبل توجيه الضربة المنتظرة لإيران. ويبدو أن توجيه هذه الضربة رهين بعامل حاسم يتمثّل في خروج سريع من مأزق العراق من خلال سحب محتمل لقوات الاحتلال من هذا البلد وهو سيناريو بدأ العسكريون الأمريكيون يتحدثون عنه على الرغم من رفض القيادة السياسية الأمريكية تحديد جدول للانسحاب. لكن توجيه الضربة المنتظرة يعتمد على عامل آخر مهم يتمثل في مدى جرأة هذه الإدارة على الدخول في مغامرة جديدة ربما تكون عواقبها هذه المرة وخيمة إلى أبعد الحدود.