رغم الادراك بأن الحرية لا تباع ولا تشترى وأن الديمقراطية ليست بضاعة تطرح في أسواق التجارة أو أسهم البورصة العالمية تصر الولاياتالمتحدةالأمريكية على تصدير حريتها وديمقراطيتها المشبوهة الى البلدان العربية وكأننا نحن العرب نسكن كوكبا آخر لا يعرف معاني الحرية والديمقراطية. فعن أي ديمقراطية تتحدث الولاياتالمتحدة القوة الاستعمارية الجديدة وهي تجوّع الشعوب وتدمّر الحضارات؟ فهل تعني الحرية الأمريكية قتل الشعوب وتجويعها واغتصاب حقوقها؟ وهل تعني الديمقراطية تدمير الحضارات والتدخل في شؤون الدول وتغيير أنظمتها وسياستها ولو بالقوة؟ هل تعني الديمقراطية سلب الشعب الفلسطيني حقه في العيش على أرضه في سلم وأمن بعيدا عن الارهاب والجبروت الاسرائيلي أم أنها ربما تعني قتل الالاف من أبناء الشعب العراقي وتشريد ما تبقى وتدمير حضارة بلادهم الممتدة إلى آلاف السنين. إن كان هذا هو المفهوم الأمريكي للحرية والديمقراطية فنحن لسنا في حاجة الى ديمقراطية الدم والدمار. إن دمقرطة الشعوب لا تحتاج الى هذا الكم الهائل من الأشلاء البشرية وأنهار الدماء وجبال الدمار مثلما يحدث في العراق وفلسطينوأفغانستان ولا تحتاج أيضا إلى مئات القرارات من مجلس الأمن ولا إلى الجبروت والتسلط فمن اين اشترت الولاياتالمتحدة ديمقراطيتها؟ لا شك وأنها تجهل أن الديمقراطية هي خلاصة لتطور المجتمعات ومدى تحضرها وتقدمها لأن المفهوم الأمريكي للحرية والديمقراطية المرتبط بالقمع والقتل والاغتصاب والتدمير والتجويع هو مرادف لمعنى الارهاب والبلطجة فمسرح مجلس «الأمن الأمريكي» لا يزال يشهد مسرحيات تتحدث عن الحرية والديمقراطية أكثر اثارة وجذبا. وإذا كانت المسرحيات التي تتحدث عن الديمقراطية والحرية المزعومة لكل من العراق وأفغانستانوفلسطين تحمل بطاقة بيضاء لأنها تعرض دوريا على رواد مجلس الأمن فإن هناك مسرحيات ديمقراطية أخرى أكثر تشويقا قد تأخذ لها مكانا قارا داخل رحاب الحرية والتحضر مثل مسرحية اقليم دارفور وايران والكوت ديفوار وغيرها من الدول التي لم تتجه إليه أقدام الحرية والديمقراطية الأمريكية بعد. إن عالم اليوم يعيش على وقع رجل «الكوبوي الأمريكي» والعالم يمسي ويصبح على مفاهيم جديدة تستمد اصالتها من القاموس الأمريكي. ولكن تبقى تلك الصور التي تطالعنا كل يوم عن الخراب والموت والدمار من فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان (الى كل وطن يعيش مأساة) تعبيرا صادقا عن مفهوم الديمقراطية. فما حدث في سجن أبو غريب وغيره من السجون العراقية الأخرى وما حدث ويحدث في الفلوجة وباقي المدن الأبية الأخرى يفضح بشكل صارخ الحرية الأمريكية المزعومة ويؤكد أن الحرية والديمقراطية لا تحمل على ظهور الدبابات المصفحة. فالديمقراطية التي تريد أمريكا تسويقها ارتبطت تاريخيا بالدم والدمار من كوريا إلى فيتنام الى كوبا إلى الصومال إلى العراق وفلسطين إلى أفغانستان الى يوغسلافيا الى الكثير من الدول الأخرى. إن المشروع الأمريكي فاشل لا محالة لأنها تجهل أننا نحن العرب بُناة تاريخ وحضارة ونعرف معاني الديمقراطية والحرية جيدا واذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تستمد أصالتها من بضع مئات من السنين فنحن العرب نستمد شرعيتنا من آلاف السنين وأمريكا كغيرها من القوى السابقة التي بنت وجودها على جبال من الأشلاء البشرية تتجه نحو الهاوية لأن ديمقراطية الدم والدمار التي تتبعها ستؤدي بها إلى التشتت والاضمحلال فالظلم والجبروت الأمريكي لن يستمر طويلا.