القاهرة الشروق من فاطمة بن عبد الله الكراي ... طوال الحديث الشامل الذي استغرق أكثر من ستين دقيقة، لم ينقطع الرجل عن الكلام كما لم تشح ذاكرته عن تقديم الشواهد والأدلة التي يدعم بها ردوده على أسئلتي... ففي مراوحة مقصودة، ويتيحها له فكره القومي الناصري، بين الماضي والحاضر، تحدث الأستاذ مصطفى بكري عن أصناف الاحتلال التي عرفتها المنطقة العربية من الانقليزي إلى الفرنسي واليوم الأمريكي في العراق... في هذا الجزء الثاني والأخير، تحدث الرجل عن الأهداف الاستراتيجية للاحتلال الأمريكي للعراق. فبين أنها أهداف مرتبطة عضويا بالتوسيع الإسرائيلي من فلسطين باتجاه النيل والفرات... رئيس تحرير جريدة «الأسبوع» شدّد كذلك على أن ليس لأمريكا صديق دائم أو حليف دائم باستثناء اسرائيل، التي يعدّ تحالفها مع الولاياتالمتحدة عضويا لا إنفصال منظور أو بعيد سيشوبه... تحدث بكري في هذا الجزء عن العراق وأجوار العراق ومكونات العراق الإثنية والدينية، فبين من خلالها الأهداف الأمريكية القاصمة والمفرّقة، بل العاملة بسياسة بريطانية قديمة قوامها : «فرّق تسد».... كشف بكري من خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين أنفسهم عن وضعية مجلس الحكم الانتقالي في العراق الآن، وكيف تعتقد واشنطن أنها لم تجد إلى الآن «الزعيم» المناسب لها، لكي يقود العراق... كما كشف الرجل النقاب، وكما هو معهود عنه، عن أن النوايا الأمريكية في المنطقة العربية خالية من كل توجه ديمقراطي ترضاه أمريكا للمنطقة. وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد أن تجعل في العراق مثالا للهيمنة الأمريكية المتواصلة على العالم والوطن العربي، غير أن المقاومة العراقية دفعت بقوة الاحتلال الأمريكي الى تغيير تكتيكاته باتجاه اخلاء العراق والتوجه نحو الشمال لاقامة منطقة عسكرية استراتيجية تكون بمثابة القاعدة... لأن المقاومة أرقت وفجعت قوات الاحتلال المتناثرين على كامل الجسم العراقي. * هناك من يعتقد ان العقل العربي، وانطلاقا من هذا الكسل الذي يعاني منه في استيعاب المتغيرات وصنع التغييرات او هذا القصور الذي لا يجعله يستوعب جميع المستجدات في تنافرها او في تماثلها، هذا العقل العربي وكأنه مدمر من المحن التي طال عمرها، فلم يجد ضالته، هل تعتقد ان محاورة الآخر هذا الغربي الذي يخرج للشوارع ويتنظم في مؤسسات حقوقية وانسانية، بدأت تتنطع على واشنطن وتل أبيب بالتحديد، الا ترى ان هناك امكانية لمحاورة هؤلاء القوم، حتى لا نتقوقع نحن وحتى لا يذهب هؤلاء الرافضون لسياسة واشنطن وتل أبيب، الى مؤشرات قد تبعد عن الحقيقة، بحكم تخلّي صاحب الحق عن دوره في كشف حقائق حقّه؟ يعني مسألة التواصل والحوار مع القوى الحية في الغرب هي مسألة مهمة جدا، ليست مهمة فقط في اطار ما نسميه حوار الثقافات وتلاقح الثقافات بل هي قضية أمن قومي... اذ من المهم جدا ان يكون لنا حوارنا مع القوى الفاعلة والحية في المجتمع الغربي، مع القوى الرافضة للسياسة الامبريالية والسياسة الصهيونية، وهذا يعني جموعا كبيرة ومنظمات عديدة لا يمكن تجاهلها ولا يمكن اسقاطها من أجندتنا الأساسية، ولكن أقول ان الحوار دائما وخصوصا مع بعض القوى الموجودة في الغرب لا يجب ان يكون حوارا من منطلق الدفاع عن مفاهيمنا ومواقفنا بالأساس، انا أعتقد اننا لسنا بحاجة الى أن نضع أنفسنا في موقع الدفاع، بل نحن في حاجة الى ان نكشف زيف السياسة الامريكية والغربية التابعة لها، في مواجهتنا وفي عدائها لبعض انماطنا الحضارية وهجومها المستمر على بعض من مظاهر حضارتنا العربية الاسلامية محاولة نفينا من التاريخ ومحاولة الاعتداء على ثقافتنا الاساسية وتقديم نموذج الثقافة الامريكية على أنه النموذج القائد الذي يجب ان يحتذى. ونحن ليس لدينا مانع في ان نتعامل مع كل الثقافات، ولكن الثقافة لابد ان يكون لها بعدها الانساني. والثقافة الامريكية ليس لها اي بعد انساني. فالثقافة الامريكية ثقافة تقوم على القوة المادية والمصلحة الخاصة وعلى السياسات الاستعمارية والسجل المدوّن للثقافة السياسية الامريكية في مجال السياسة الخارجية. فهو سجل لا يمكن ان يمتّ بأي صلة للديمقراطية ولا الى حقوق الانسان بأي صلة. فأنا أقول هنا ان التجربة الامريكية لا تصلح كنموذج تجربة ملهم لبقية الشعوب لأنها تفتقد بالفعل كل المعايير التي تجعل منها حضارة حقيقية ذات بعد انساني وذات بعد تاريخي ذات جذور وذات ثقافة تحترم الآخر وتحافظ على هويته وتتوخّى أسلوب المثاقفة وليس الهيمنة... لكن الحاصل الآن، تصلنا الثقافة الامريكية في صورة دبابة او الآلة العسكرية الامريكية... الامر الاخر، اذا كنا الآن نتحدّث عن ثقافة ما بعد المكتوب، أي ثقافة الصورة وثقافة «الهوائيات». هذه الثقافة التي تبثها علينا الولاياتالمتحدةالامريكية وفيها تضمين للوجه الامريكي وهو يسيطر حتى على الصورة الاوروبية. هي ثقافة لا تخاطب العقل ولا تحضّ على القيم ولا الاخلاق، هي ثقافة تخاطب الجسد وتخاطب الغريزة. مطلوب منا ان نتخلى عن قيمنا وعن عقائدنا وأخلاقياتنا لنصبح سلعة استهلاكية في نظر الثقافة الامريكية. هذا هو المطلوب والمراد. فعلى أي أساس يمكن ان نتعامل مع هذه القوة المهيمنة التي تريد ان تفرض ثقافة القوة بالقوة على الاخرين؟ لهذا أقول انا مع الحوار لكننا لسنا في موقع الدفاع، نحن يفترض منا الآن ان نكشف المخطط. هناك بعض القوى المعادية لنا، لا يمكن بأي حال من الأحوال ان نتحاور معها، وحتى ان تحاورنا فلن يكون ذلك على حساب المبادئ والهوية. * من خلال مراكز الدراسات التي تتعامل معها الادارات الأمريكية المتعاقبة ومن خلال التصريحات المفصلية التي تصدر عن مسؤولين أمريكيين والتي تعد بمثابة البرنامج السياسي، وصل الحد الآن بالادارة الحالية في واشنطن الى أن تتدخل في المناهج التربوية للبلدان العربية، وكأن الأمريكيين يقولون لنا «دعوا لنا العقل العربي الغض ومنذ الطفولة نتصرف فيه نحن وننتج الإنسان العربي الذي نريد». أمام هذا المستجد لا نجد العرب قد تجانسوا في الرد، بل إن الرد غاب في حين نعيش عصر عولمة أهم العقبات أمامها كانت مسألة الاستثناء الثقافي الذي رفعته فرنسا في وجه الهيمنة الأمريكية... أما في صفوف العرب، فإن الوجوم هو الغالب، بحيث انقسمنا بين رافض في صمت وبين متقبل للفكرة ومبشّر بها وبين عاقد العزم على تجريب الفكرة. ما هو رأيك في هكذا مقترحات وهكذا ردود أفعال؟ عندما تحدث دونالد رامسفيلد قائلا أن الحرب القادمة هي حرب العقول فقد كان يعني التدخل في مناهج التربية والتعليم في الوطن العربي ولتغيير ما يسميه بالخطاب الثقافي العربي الحالي، فهو يرى أن الخطاب الثقافي العربي هو خطاب معاد، فهو خطاب ينتج الإرهاب كذلك التدريس في الوطن العربي بالنسبة لهم هو منتج للإرهاب ويساعد على قيم التخلف الديمقراطي، بالقطع عندما تطلق الإدارة الأمريكية مثل هذه الادعاءات نحن نعرف مرمى الهدف. والهدف هو تهيئة العقل العربي لتقبل الثقافة الأمريكية أو ما يسمونه ثقافة الحوار مع «الآخر»، واسرائيل في نظرهم (الأمريكان) هي «الآخر» بالنسبة للعرب فاسرائيل في نظرهم ليست قوة استعمارية أو قوة احتلال لفلسطين. أيضا يرى الأمريكيون الآن أن هناك إرثا تاريخيا أو ثقافيا يتحدث عن مراحل استعمارية. الاستعمار الانقليزي في مصر والفرنسي في تونس والجزائر والايطالي في ليبيا.... وقس على ذلك. هم يريدون بالفعل أن يغيروا هذه المفاهيم وأن يقدموا لنا المستعمر في فترات القمع والاضطهاد ونهب خيرات الشعوب على أنه كان فعلا حضاريا وأنه جاء الى المنطقة بغرض تغيير الحضارة وبغرض تغيير النظرة إلى الحضارة وليس على أنها هيمنة واستعمار هم يستدلون على ذلك بالحملة الفرنسية على مصر عهد نابوليون هم لا يرون ولا يروون عن هذه الحملة سوى أنها أدخلت المطبعة الى مصر لا أنها أهانت «الأزهر» وقتلت آلاف المصريين وأهانتهم واستباحت كل المحرمات على أرض مصر. هم يرون أن نماذج مثل مصطفى كامل وسعد زغلول ومحمد فريد. هي نماذج تحرض على العنف وليست نماذج تدعو إلى الوطنية والتحرر الوطني... وقس على ذلك أشياء كثيرة. لذلك بعد أن فشلوا في اجبار الإنسان العربي على القبول بالنهج الأمريكي والقوة الأمريكية والقوة الإسرائيلية هم يرون أن الحل الآن في تهيئة العقل العربي لقبول ذلك من خلال تربية أجيال جديدة على قيم جديدة ومناهج تعليمية جديدة. ومن المؤسف أنهم بدأوا بالفعل في مخططهم هذا. نحن نرى الآن تغييرات كثيرة تحدث الآن هنا وهناك... حذف آيات القرآن الكريم وأيضا تغيير منهجي في مناهج التاريخ. * بالنسبة للقضية الفلسطينية لاحظنا أن هناك سكوتا أمريكيا ملفتا وغير معتاد في مجلس الأمن عندما أقر الأعضاء بقبول خارطة الطريق في الأممالمتحدة بعد أن كانت ترفض الإدارة الأمريكية ذلك. هل الذهنية العربية لها من سعة الفهم بحيث تقف على أن مظاهر هذا القبول انما فيه مقايضة على موقف ما (عربي) في العراق) هل توافق على هذا التحليل أو التصور أو القراءة؟ واضح أن الإدارة الأمريكية في مأزق شديد جدا. وهناك خلافات مبسوطة على الملأ بين شارون وجورج بوش. الرئيس الأمريكي يرى أن المأزق الراهن في العراق هو في حاجة الى نوع من الدعم العربي. وأن الدول العربية رافضة لهذا الدعم لأن الملف الفلسطيني لا يزال مفتوحا ولأن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تتدخل بشكل مباشر حتى في تنفيذ «خارطة الطريق» على محدودية الحقوق التي تكفلها للشعب الفلسطيني. حدثت اتصالات بين بوش وشارون لكن هذا الأخير كان يرى دائما أن قضية الأمن الاسرائيلي أهم بكثير من أمن القوات الأمريكية في العراق. وهذا الخلاف صُعّد أكثر من مرة دون الإعلان عنه، لذلك رأت واشنطن أن تدفع بروسيا لتقديم مشروع قرار بمجلس الأمن يطالب باستمرار وتنفيذ خارطة الطريق وهذا المشروع حصل على ما يشبه الاجماع في مجلس الأمن وهذا ما كان يتم دون ضوء أخضر أمريكي. هم يريدون بهذا أن يقولوا للعرب : إننا الآن نبلور خطة جديدة ورؤية جديدة لفتح الملف الفلسطيني مرة أخرى وايجاد حل للقضية الفلسطينية. ويعقب ذلك كما رأينا عمليات المصالحة والهدنة التي تتم والدور المصري فيه. كل ذلك يتم من أجل تشجيع العرب على لعب دور ما في العراق. فروسيا دخلت في هذا المطب، حتى يتم من خلالها تسكين القلق العربي ولو لبعض الوقت في مقابل البحث عن حل سريع جدا للوضع العراقي. ثانيا : بوش يعاني من أزمة داخل الولاياتالمتحدة بأنه كان سببا لخسارة الولاياتالمتحدةالأمريكية للعالم العربي والإسلامي وأن حالات العنف التي بدأت تنتشر... في تركيا كما في بلدان أخرى حليفة... العالم يتحرك الآن ضد السياسة الأمريكية. وهذا يقلق الفاعلين في السياسة الأمريكية. هم يلعبون هذه اللعبة. * وبالنسبة لإيران كيف ترى زيارة احدى عشر عضوا في مجلس الحكم في العراق إلى إيران، ومدى علاقته بما كنت تشير اليه من أن واشنطن محشورة في الزاوية وتبحث لها عن منفذ؟ كيف تمت الزيارة حسب اعتقادك؟ ايران، بتقديري، تلعب منذ فترة طويلة لعبة المصلحة الخاصة بغضّ النظر عن الشعارات والأهداف التي تطرحها، يعني قلنا سابقا بأن إيران كما العراق، كانا من المستهدفين بسياسة الاحتواء المزدوج. ثم قيل (أمريكيا) بان إيران هي هدف قادم للولايات المتحدةالأمريكية... وهذا يمكن أن يكون صحيحا ولكن إيران تحاول أن تلتفّ على هذه السياسة الأمريكية ولو على حساب موافقها المبدئية. فعندما تعترف ايران بمجلس الحكم الانتقالي الذي هو صنيعة أمريكية في العراق، فهذا يعني بصراحة أن ايران تسلم بهذه الصنيعة. وكأنها تسلم بالمحتل الأمريكي للعراق. قبلها بيومين أو ثلاثة أيام من وصول الجماعة إلى طهران (أعضاء مجلس الحكم) كان خامنئي يقول بضرورة دعم المقاومة في العراق. وعن تأييد النضال العراقي... وفجأة بعد يومين يلتقون احدى عشر من أعضاء المجلس وفيها اعتراف رسمي بهم. ماذا يعني ذلك؟ إذا كان الأمر يعني ابعاد شبح صدام حسين فهذا غير منطقي. القضية تعني بالأساس أن ايران تريد أن تقايض العراق بالحفاظ على علاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى وإن كانت غير معلنة بالأساس. وهذا أراه موقفا انتهازيا وكل مرة يجسد نفسه بشكل صحيح أننا في حالة مد وجزر وقضية النووي الإيراني فيها مد وجزر من قبل أمريكا. فمرة تصعّد (واشنطن) ومرة تخفض من وتيرة هجوماتها اللفظية تجاه ايران. لكن بالمحصلة ليس هناك موقف واضح في ايران الآن. * باعتبار الوضع القائم في العراق، أظن أن ايران هي الآن أشد حضورا في المشهد العراقي، على الأقل من حيث الخلفية ومن حيث تصادف المواقف التي تنبىء أن طهران هنا، ألا ترى هذا الأمر، وخاصة في ما يهم المقاومة العراقية وخلفية نعتها بالمقاومة ومرة بفلول صدام أو فلول النظام السابق؟ ثم إنه سيكون ملفتا إن غابت ايران إن على مستوى المقاومة أو في مستوى استقرار العراق من عدمه؟ أولا، بداية من الظلم أن نقول أن كل المقاومة العراقية هم، كما يقولون عنهم، بفلول صدام حسين أنا أعتقد أن الجيش العراقي والحرس الجمهوري يلعبان دورا رئيسيا ودورا منظما. والخطة التي يجري تنفيذ غالبية حلقاتها ربما تكون هي ذات الخطة التي وضعت قبل سقوط بغداد. ويدلل على ذلك أن هناك معلومات دقيقة لا يمكن أن يقدمها أو يتمكن منها إلا جيش استخبارات... وأن هناك عمليات منظمة وهناك عمليات اسقاط طائرات... هذه لا يمكن أن يقوم بها إلا محترفون بالاساس في الجيش العراقي. ثانيا هناك قوى عديدة أخرى اسلامية ووطنية وقومية تمارس دورها. خصوصا العمليات الانتحارية أو الاستشهادية التي يقوم بها بعض العراقيين. هذا فعل اسلامي من جماعات قدمت أو من جماعات عراقية بالأساس. ثالثا : لا يمكن أن نقول إن المقاومة العراقية محصورة فقط في المثلث السني، إن المقاومة العراقية الآن بدأت من كركوك إلى البصرة. وتدخل فيها عناصر الشيعة وحتى عناصر كردية فالمقاومة العراقية لها مستقبل... فالمقاومة إلى الآن لم تصدر ما يمكن نعته بالبرنامج السياسي ولكن عنوانها السياسي هو التحرير. المقاومة العراقية باعتقادي لا تريد أن تكشف برنامجها السياسي إلى الآن حتى لا تكشف عن هويتها الحقيقية كاملة وحتى لا يحدث نوع من الخلافات. ولكن على الأقل شعار التحرير هو الشعار المنطقي الذي من خلاله وبعده يمكن بناء أسس حقيقية لقيام نظام ديمقراطي عراقي يقوم على التعايش بين كل القوى الوطنية والقومية الرافضة للمحتل الأمريكي. طبعا المقاومة تركت تأثيرات ضخمة في واقع الاحتلال هناك بالداخل... حالات الانتحار في صفوف جنود التحالف المتعددة وحالات الهروب الجماعي فالذين يسافرون إلى أمريكا أغلبم يرفضون العودة مرة أخرى الى العراق. المقاومة تشتد فقد وصلت العمليات خلال هذا الشهر (نوفمبر المنقضي) ما بين 22 الى 35 عملية يوميا... أنا أتصور أن الولاياتالمتحدة تبحث الآن عن السبيل إلى الخروج من هذا الوحل الذي وجدت نفسها فيه فجأة على غير انتظار... وفي تقديري أنهم يريدون أن يسلموا السلطة والأمن الى حكومة من صنيعتهم (الأمريكان) في جوان المقبل. ثم يخرجون من بغداد والفلوجة وبعقوبة والمناطق الرئيسية التي فيها المقاومة ليتركزوا في الشمال ويقيموا بعض القواعد في الصحراء. ويتركوا الأمن الداخلي بأيدي القوى العملية التي سينصبونها حكومة في يونيو (جوان) المقبل، ويبقى الأمريكيون كقوة احتلال، يتفرجون على المشهد العراقي الدموي الذي يمكن أن يحدث، وفق أمنياتهم وتخطيطهم، بهذا الشكل. أنا باعتقادي هذا ما يمكن أن تتوصل اليه أمريكا . لكن أعتقد جازما وفق كل هذا وغيره أن أمريكا لن تترك العراق بسهولة. ستحاول أن تحتفظ بمكاسب استراتيجية. الذي يمكن أن يجبر الولاياتالمتحدة على الانسحاب نهائيا من العراق، هو قوة المقاومة العراقية وشراستها. ولذلك أعتقد أن الولاياتالمتحدة تراهن الآن على الخلافات الداخلية الداخلية. وهي تحاول أن تثير المشاكل بين الشيعة وبين السنة وبين الأكراد وبين التركمان... وبين المسيحيين وبين المسلمين... الولاياتالمتحدة تريد اشعال الفسيفساء الإثنية والعرقية في العراق، ادراكا منها بالفعل بالسياسية التي تحدث عنها بول وولفوويتز والتي هي سياسة بريطانية قديمة سياسة فرّق تسد. أما الذين يتحدثون عن الديمقراطية في العراق فأولى بهم أن يعودوا الى تجربة الجنرال مود عام 1917 الذي جاء على رأس القوات البريطانية ودخل إلى بغداد والذي تحدث أيضا عن أن قواته لم تأت غازية ومستعمرة وإنما جاءت كقوات محررة وأنه جاء ليحول بغداد إلى واحدة من عجائب الدنيا... فإذا به وبعد سنوات قليلة يحدث كل ما جدّ من حوادث قتل ومآسي ورفض لكل محاولات الاستقلال الوطني للعراق... المستعمر دائما يرفع شعارات مزيفة ومغايرة للواقع والهدف، هدف المستعمر هو ضمان المصالح عبر النفط والهدف هو الدولة الاسرائيلية الكبرى في المنطقة واعادة رسم خريطة المنطقة.