من منا لم يشك يوما في قيمة الإشهار الموجه الى فلذات أكبادنا مؤكدا أن هؤلاء تحولوا الى ضحايا تتلاعب بهم الشركات المختصة في تصنيع وترويج المنتجات الغذائية وتوابعها من الياغورت الى الشكلاطة بأنواعها مرورا بالبسكويت والألبان. فما هو رأي الآباء فيما يعرضه الاشهار على أبنائهم؟ وما هي الآثار السلبية والإيجابية العلاقة القائمة بين الاشهار من ناحية والأطفال الأبرياء من ناحية أخرى؟ وما هي النصائح التي يقدمها علماء النفس للأولياء للتخفيف من ضغط الاشهار على أبنائهم؟ * سلبيات وجدناه ينتظر أحد أبنائه أمام المدرسة. اقتربنا منه وفاتحناه في الموضوع فانطلق في سرد موقفه من المسألة قائلا في البداية: «أكون سعيدا جدا إذا أقبل أبنائي على تناول نوعيات معينة من المأكولات التي يعرضها التلفاز في ومضات اشهارية جذابة. ولديّ ابن مغرم بكل ما يقدمه الإشهار، ويعتقد في قرارة نفسه أن الأكلات المعروضة عبر التلفزة جيدة، وتقوي البدن، وتجعل الشخص مثل «سوبرمان» أو «غراندايزر» وهما من النجوم المفضلين للأطفال عموما. ويضيف السيد المنجي الخريسي في السياق ذاته أن زوجته تتولى بنفسها تلبية رغبات أبنائه رغم ما يحدثه ذلك من اضطراب على غذائهم وأكلهم يوميا، فهم يتناولون بنهم الأكلات الخفيفة، والشكلاطة و»الوشو» و»البراك» وكل أنواع البسكويت، لكن عندما يحين موعد الطعام يتحصنون بالرفض بعد أن ارتوت رغبتهم، وزال جوعهم الكاذب». وفي تحليله لهذه العلاقة الجدلية القائمة بين الأطفال والإشهار ركز السيد عبد الحق الطبربي على نقطتين أساسيتين هما القدرة الشرائية للمواطن وتغيّر العادات الغذاىة للأطفال بفعل سيطرة «الأكلات الإشهارية» على أذواقهم وتفكيرهم. يقول السيد عبد الحق في النقطة الأولى: «ليس بمقدور كل الأولياء الاستجابة للطلبات اليومية لأطفالهم، وقد يتحول الأمر بمرور الوقت الى دلال، مما يؤثر على سلوكهموطريقة تفكيرهم، والمطلوب هنا أن يوجه الوالد أبناءه، ويكشف لهم خصائص كل غذاء من أجل التخفيف من الضغط المسلط عليهم وانقاذهم من «سجن الإشهار»، وآثاره السلية الظاهرة للعيان. *وضع محرج «مكره أخاك لا بطل» هكذا أشار السيد عبد الحق الطبربي الى تأثير الإشهار عليه، وخضوعه لإرادته من أجل أطفاله، لكن شكك في المقابل في القيمة الغذائية للمأكولات التي تتفنن الشركات الكبرى في ترويجها تلفزيا. وأضاف أن هذه المأكولات تحدث تغييرات جذرية على عادات الطفل الغذائية. وهذا مصدر الخطر الحقيقي. فهي لم تعد مجرد أكلات خفيفة، بل تحولت الى ما يشبه الأطباق الرسمية بحيث أخذت مكان المأكولات المغذية مثل الألبان والغلال والبقول واللحوم والخضروات والأسماك. ويؤكد السيد فتحي بن سلامة الأب والتاجر معا أن الشركات تستغل الإشهار مع الأسف لضمان أعلى المداخيل دون التفكير في المشاكل المادية والعائلية المترتبة عن تحكم الاشهار في ذوق الأطفال. وأضاف قائلا: «صحيح أن الوضعية مفيدة للتاجر، وتدر عليه أرباحا اضافية بحكم تهافت الأطفال على كل ما هو جديد، لكنها تدفعنا أكثر نحو مجتمع الاستهلاك ليصبح أطفالنا مجرد حرفاء لشركات تبحث عن الربح فقط. فالطفل يركض وراء أي بضاعة تظهر على شاشة التلفزة ولا يهتم مطلقا بالقيمة الغذائية لما يأكله، أو بمدى آثر ذلك على والديه وأسرته. *نصائح عملية الخبراء وعلماء النفس رصدوا القضية منذ فترة وخصصوا لها العديد من الدراسات والبحوث. ويرى هؤلاء أن الإشهار ظاهرة عادية ومألوفة في المجتمعات الحديثة ولا يمكن لوم الشركات الغذائية لحرصها على ترويج بضاعتها عبر وسائل الاعلام خاصة البصرية منها، لكن الأولياء مطالبون في كل الحالات بتأطير أبنائهم والتحاور معهم بكل أريحية كلما ظهر نوع جديد من المواد الغذائية، لأن الحوار هو السبيل للحد من ضغط الإشهار عليهم وتعويدهم منذ الصغر على التعامل مع المادة الاشهارية بصفة عامة.