تتنزّل الشهادة التي قدمها الوزير الاول الاسبق السيد محمد مزالي على منبر مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بزغوان في إطار التوجه الذي اختارته المؤسسة من أجل تقديم شهادات لشخصيات وطنية وسياسية ساهمت بدور في بناء الدولة الوطنية وهو ما يوفر قاعدة جديدة من البيانات والشهادات الهادئة والبعيدة عن كل التشنجات في ظل غياب وندرة الوثائق الرسمية التي غيّب المستعمر جزءا كبيرا منها. وسط إطار علمي أكاديمي وبحضور عدد من الخبراء والباحثين وأساتذة الجامعة والسياسيين والاعلاميين تحدث السيد محمد مزالي عن معالم مرحلة هامة من تاريخ تونس المعاصر من خلال سرده لجملة الاحداث التي عاشها مند ولادته بالمنستير في ديسمبر 1925 الى حدود سنة 1955 التي كانت سنة فاصلة بين عهدين على اعتبارها عرفت يوم 3 جوان إمضاء الوثائق المتعلقة بالاستقلال الداخلي، وأتى المتحدث على مدار أكثر من ساعتين على استعراض جملة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي رافقت نشأته في بيئة فقيرة ومعدمة في أحد أرياف المنستير يقول مزالي: «ولادتي كانت في عائلة متواضعة إذ كان والدي يحترف تجارة صغيرة وكان يتنقل في بعض المواسم من المنستير الى سوسة أو الوطن القبلي أوتونس أو حتى ماطر...». مسيرة تعليمية وفي حديثه عن مسيرته التعليمية أشار محمد مزالي الى أن بدايته كانت في المدرسة القرآنية بالمنستير التي كان يديرها الشيخ الهادي العامري من القلعة والذي كان الى جانب معرفته الدينية والفقهية شاعرا وأديبا، ومن أبرز المدرسين له في تلك الفترة كان الاستاذان محمد الزيري وعامر الحوري (معلم فرنسية) وأشار المتحدث الى أن التكوين كان تكوينا إسلاميا عربيا أصيلا (حفظ قرآن / عبادات محفوظات كثيرة)... وذكر السيد محمد مزالي انه دخل إثر ذلك وفي سن الثامنة من عمره الى المدرسة العمومية وهي المدرسة العربية الفرنسية بالمنستير وقال: «كان فيها معلمون أكفاء أكثرهم فرنسيون... وقال ان الغاية وقتها من المدرسة الابتدائية هي النجاح في الشهادة الابتدائية وكان هدف العائلة والاهل هو النجاح في ال «Certificat» التي تحمي المتحصل عليها من التجنيد والخدمة العسكرية. وأبرز المتحدث الدور الذي لعبه والده في حثّه على الدراسة وقال: «كانت لديه جملة من الامثال تعبر عن أهمية العلم والدراسة مثلت بالنسبة لي فلسفة أخلاقية ارتويت منها طويلا»... ومما رواه السيد محمد مزالي ان حالة الفقر قد حرمته من الانتقال الى سوسة للمشاركة في مناظرة الدخول الى الصادقية عبر الشركة الجهوية للنقل مما دفعه وأمام حرصه على إجراء الامتحان الى الانتقال الى سوسة في ساعة مبكرة من أحد أيام شهر جوان 1940 على دراجة عادية رفقة زميله المرحوم البشير السوسي... وقال: «وصلنا المعهد وكنا نتناوب على السياقة... وأجرينا الاختبارات ثم عدنا الى المنستير... وكنت من ضمن الناجحين الثلاثة (رفقة محمد الفريني ومحمد هاشم)... وقال: «عائلتي لم تفرح بنجاحي في مناظرة الدخول الى الصادقية بالقدر الذي فرحت به عند نجاحي في الشهادة الابتدائية». بورقيبة استعرض السيد محمد مزالي بداية اتصاله بالعمل السياسي الحزبي ومعرفته بالزعيم الراحل الحبيب بوريبة الذي قال عنه كلاما كثيرا بحكم القرب الذي جمعه منذ أن كان في المنستير ثم في العاصمة وفي باريس. ونفى بشدة المتحدث مزاعم البعض بأن بوريبة كان يحتكم الى الجهوية في عمله الحزبي ومنذ بداياته مؤكدا عكس ذلك وقال الجهوية لم تكن مطروحة بتاتا في تلك الفترة وقد ظهرت في فترات لاحقة واستغل البعض الرياضة (الترجي الافريقي) لبعض الاغراض السياسية والمصلحية، كما تحدث مزالي عن أن محمود المسعدي وجماعته من غيّروا اتجاهات بوريبة التعليمية وأكد ان بوريبة لم يكن حاقدا على التعليم الزيتوني بالمرة بل كان يؤكد على ضرورة تطويره ودعمه وأن ما أتى به المسعدي وجماعته سنة 1958 هو الذي لقى هوى في نفس بوريبة فحدث ما حدث. وأضاف السيد محمد مزالي الكثير من خصال وميزات الزعيم بوريبة وقدم معلومات ضافية عن الحركة الوطنية خاصة في الاربعينات والخمسينات وتحدث كذلك عن «التعليم الزيتوني» وعن الشيخ الفاضل «بن عاشور» وتحدث عن مجلة «الفكر» التي قال عنها انها لم تكن كما يزعم البعض مجلة الدولة كما تحدث عن الحزب الشيوعي التونسي وعن التعريب، وحرص على إبراز أهم المرتكزات الفكرية والنظرية التي اعتمدها في مسيرته... وستأتي «الشروق» في العدد القادم على هذه التصريحات الهامة التي صدرت عن شخص كانت له أدوار كبيرة في مسيرة البلاد طيلة أكثر من 3 عقود. خالد الحداد في العدد القادم : * ... لهذا ناصرتُ «التعريب» * هذا موقفي من «التعليم الزيتوني» * هذا تقييمي للحزب الشيوعي التونسي... * هكذا كان لقائي مع صالح بن يوسف