الحلقة المفقودة في دعوة بوش تحذيرات الرئيس الامريكي الى السلطة الفلسطينية كان من المفروض ان توجه الى الحكومة الاسرائيلية. فالقضية التي تشعل سعير المنطقة ليس سببها "العنف الفلسطيني" وانما الاحتلال الصهيوني لارض الفلسطينيين... والرئيس بوش عندما يركز على "العنف" في كل مناسبة انما يجانب الصواب ولا يضع إصبعه على موطن الداء بل على مظاهره... مما يجعل أية وصفة أمريكية غير ناجعة بسبب التشخيص الخاطئ. لقد أراد الرئيس بوش ان يؤكد التزام أمريكا بالسلام في الشرق الأوسط وأعلن تمسكه بمبدأ قيام الدولة الفلسطينية، ولكن كيف سيتحقق هذا السلام على يديه وهو لم يدرك بعد طبيعة الوضع وأسبابه والمسؤولين عنه؟... كيف يمكن للولايات المتحدة ان تكون راعية سلام وهي لم تميز بعد بين الجلاد والضحية ولم تعترف بوجود قضية شعب محتل مقهور يتعرض لأبشع أنواع العدوان والحصار والاذلال؟ إن المنظار الامريكي مازال متلبدا بغبار الخلفية الاسرائيلية سجين الرؤية الأحادية ومنهج المكيالين الذي يضع غشاوة على الحقيقة. وكان من المفروض ان تتفطن واشنطن الى أن بذور السلام لن تثمر طالما يتم زراعتها على أرض جدباء بفعل دبابات وأقدام المحتلين. وحتى حين يتنازل الشعب الفلسطيني عن حقه في الكفاح من أجل استقلاله وحريته، يعمد جند شارون الى شن العدوان اثر الآخر حتى يطفح الكيل بابناء الشعب الفلسطيني فتدفعهم غريزة البشر للدفاع عن أنفسهم... وحينها فقط تستفيق عين الامريكان والغرب على وجود عنف بينما تظل مغلقة عندما يرتكب الاسرائيليون جرائمهم بلا ضوابط! إن أصل القضية في فلسطين هو وجود احتلال غاشم، وكل ما ينتج عنه فروع فلا يمكن ايجاد حل دون تحرير الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقه في تقرير مصيره. وكان على الرئيس بوش الابن ان يتحدث بكل وضوح عن هذه الحقيقة لان السلطة الفلسطينية مهما بلغت درجة قوتها وحجم عدتها وعتادها لن تفلح في إخماد ثورة شعب على الاحتلال. كما ان وجود هذه "السلطة" تحت وصاية المحتلين لا يترك امامها فرصة إدارة الشؤون المدنية الصغيرة فما بالك بهذا الذي يطلبه منها السيد جورج بوش الابن من مزيد العمل على تدجين المقاومة. لقد بات واضحا ان الذي يحتاجه الشعب الفلسطيني هو التحرر من قيد الاحتلال، والتمتع بحياة كريمة تتوفر فيها الحدود الدنيا التي تتطلع اليها كل شعوب العالم، ومن يريد بصدق تحقيق السلام عليه ان يفكر في الاستجابة لهذه المطالب البسيطة والمشروعة لشعب ضحّى بالغالي والنفيس وتحمّل معاناة فوق طاقة البشر. وعلى الرئيس بوش والمجموعة الدولية النظر الى القضية من جانبها الانساني والمأساوي هذا. وعندها قد يحصل فهم أفضل لما يسمونه "العنف" فيهتدي الجميع الى المسؤول الحقيقي عن كل الدماء التي سالت والتي ستسيل.