بعد إلغاء ثلاثة عروض هامة بدافع التوقّي من حالات انفلات أمني افتراضية، كسّر رواد مهرجان بنزرت حاجز الخوف وحضروا بأعداد غفيرة فاقت كل التوقعات لمتابعة فصول مسرحية «made in tunisia» في نسختها الثانية. وقد اعتبر الممثل لطفي العبدلي الذي اعتلى الركح وهو يرتجف من شدة التأثر أن حضور حوالي ثلاثة آلاف متفرج في مهرجان بنزرت الذي يعدّ الأكبر ي الجمهورية. وفي ظروف استثنائية هو نقطة تحول ومؤشر ايجابي يعكس نجاح مسرحيته في عرضها عدد 40 مؤكدا أن جمهور الثورة الذي أطرد الدكتاتور وألغى نظام القمع والاضطهاد أضحى على درجة من الوعي والمسؤولية في محاسبة كل من يخطئ في حقه سياسيا أو ثقافيا لذلك كان رهان المواجهة صعبا منذ البداية وقد استنجد العدلي الذي ركب على صهوة الثورة بدهائه المعهود ليطلق العنان لنفسه بدون ضوابط أخلاقية في تمرير بعض عناوين رسائله الجريئة للجمهور بأسلوب ساخر ولاذع تكشف ممارسات النظام السابق وإدانة بعض السلوكيات المشينة لمختلف أطياف المجتمع في مجالات السياسة والدين وكافة أوجه الحياة العامة، وكل المواضيع التي كان الخوض فيها من قبيل المجازفة الممنوعة كالجنس والمخدرات والرشاوى والتطرف الديني وغيرها.. وكان طرحها بأسلوب يخدش الحياء يثير بين الفينة والأخرى ردود أفعال متباينة في أوساط الجمهور الذي كان جلّه من النساء والفتيات، غير أن صاحب المسرحية كان يعرف كيف يخرج من المأزق في كل مرة ويمتصّ غضب المحتجين بالمراوحة بين بعض الفقرات الضاحكة من فصول مسرحيته الأولى وعرف كيف يشدّ إليه انتباه الجمهور بدون ملل أو كلل على مدى ساعتين إلا الربع من الزمن ولم يبرح الحاضرون أماكنهم إلا حين اشتعلت الأضواء الكاشفة وانطلقت الموسيقى معلنة عن نهاية السهرة وانسحب الممثل من الركح تحت عاصفة من التصفيق والهتاف والجدير بالملاحظة أن هذا الممثل اعتمد في عقده المادي مع إدارة المهرجان على «كاشي الشباك» الذي درّ عليه مبلغ 9.5 آلاف دينار مما يمثل نسبة 70 بالمائة من عائدات السهرة فيما غنمت خزينة المهرجان النسبة المتبقية وهي في حدود 4.150 آلاف دينار وهو مبلغ محترم ما كانت إدارة المهرجان تراهن بالحصول عليه في مثل هذه الظروف.