بقلم الاستاذ : رضا بن رجب أما بعد الثورة فإن المجلس حاول التعبير عن حضور بنفس الأسلوب والمتمثل في إصدار بيانات الشجب والاستنكار لمحاولات المسّ من المقدسات، والدعوة إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وإدانة حادث الروحية في بيانات صدرت في 11 مارس و 4 ماي و 21 ماي و 2 جويلية 2011 واللافت أن المجلس تخفى بيانات لم يجد أغلبها طريقها إلى النشر إلا في بعض مواقع وكالات الأنباء كوكالة (وات)أو (كونا) للأنباء... واللآفت أيضا أن أغلب تلك البيانات جاءت على شاكلة واحدة في نصها ونهجها وهي إسداء النصح والاستنكار عن بعد...من قبيل ما جاء في بيان بعنوان «بيان المجلس الإسلامي الأعلى للجمهورية التونسية دفاعا عن مقدسات الإسلام وثوابته بتاريخ 4 ماي 2011 ونصه : «يحمل المجلس الإسلامي الأعلى الجميع مسؤولية الإسهام في الوقوف في وجه كل محاولة للإساءة إلى المقدسات والثوابت بفضح أصحابها والردّ عليهم، وكشف أكاذيبهم وتحريفاتهم ومغالطتهم، عبر منابر الحوار ومختلف وسائل الإعلام والاتصال المكتوبة والمسموعة والمرئية، التقليدية منها والعصرية ، ويعتبر أن ذلك يمثل واجبا دينيّا ووطنيا وحضاريا لا يمكن إغفاله أو السكوت عنه» لئن كانت لغة هذا بيان لغة ثورية وغير معهودة منه إلى عهد قريب...إلا أنه واضح في ممارسة المجلس لفعل التهرب من تحمل مسؤولياته وإلقائها على عاتق «المجهول» الوطني إن صح التعبير والحال أنه ليس هناك أكثر من كفاءة من الناحية العلمية والمعرفية وتخصصا شرعيا للدفاع عن المقدسات الدينية، ومن جهة ثانية كان من المفترض أن يباشر المجلس هذا الفعل بنفسه لأنه ملزم بموجب ما خوله قانون بعثة من مشمولات أشرنا إليها سابقا وهي «حماية الشخصية الوطنية والمحافظة على هويتها...» والحال أننا لم نلاحظ طوال فترة الثورة وما تلاها من حراك فكري وديني بامتياز عضوا واحدا من أعضاء المجلس يظهر في وسيلة إعلامية أو يعقد ندوة صحفية أو يرد على شبهة أو صحح مفهوما أو يرد هجوما أو يبطل باطلا...أو يحق حقا...وأعضاؤه ال 24 المعينون المفترض فيهم أنهم من أهل العلم والدراية والقدرة على الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن بما يسهم في نشر ثقافة التوافق بين الفرقاء هم الغائب الأبرز في هذه الظرفية. إذن كان لا بد من التغيير على رأس المجلس، ولم لا كامل المجلس، ولعل من هذه الخلفية تكلم الاستاذ محمد القوماني في المجلس الأعلى لتحقيق أهداف الثورة، وقد حصل، ولكن عندما يكون البديل هو السيد رشيد الطباخ الرجل الذي عرفنا فيه من مواصفات الحيوية والجديّة الصدق والمصداقية...يصبح الأمل فيه قائما على جملة من التطلعات ليس بعضها أهم من بعض، وليس جديدها أكثر جدة من قديمها، وهي في مجملها العمل على تفعيل دور المجلس والخروج به من سباته العميق وفي هذا الإطار نسجل الانتظارات التالية: العمل على مراجعة الطبيعة العامة للمجلس بما هو مجلس استشاري حاليا لدى الحكومة كما حددها الأمر عدد 118 لسنة 1989 مؤرخ في 9 جانفي 1989 مراجعة في اتجاه ما يمنحه مزيدا من الصلاحيات وخاصة حق المبادرة في القيام بما يدخل في دائرة مهامه ويتصل بمشمولاته. اتخاذ المجلس بصفته العليا في الاهتمام بالشأن الإسلامي العقدي والفكري والفقهي والقيمي من التدابير والإجراءات التي تخولها لها الصفة السالفة... بما يحفظ للشعب هويته الدينية والحاضرية بعيدا عن البهلوانيّات الأيديولوجية والمزايدات الساسوية، والتنبيه إلى خطورة المسّ بها على أمن واستقرار المجتمع وعوامل تواصله وتعايشه السلمي. تنظيم ندوات ومنابر حوار وملتقيات لتشخيص واقع ما بعد الثورة واستشراف حاجاته بالمعنى الفكري والقيمي والثقافي...وضبط كيفيات وآليات مساهمة الثقافة الإسلامية مع غيرها بمنظوماتها الحياتية، وشبكاتها القيميّة ورؤاها الإنسانية والكونية في هذا الجهد الوطني لإعادة بناء واقع ما بعد الثورة بكل تطلعاته على أساس من التوازنات التي تؤسس للوفاق وتحول دون كل أشكال الصراعات. تحرك المجلس في اتجاه تقييم واقع المؤسسات الاسلامية التعليمية والبحثية كالجامعة الزيتونية ومركز الدراسات الإسلامية بالقيروان، ورصد ما لحقها من ضرر التهميش والتضييق والتأمر... على مدى عقود من الزمن ووضع الخطط الكفيلة بردّ الاعتبار لها وتمكينها من حقيقة أدوارها بقدر من الاستقلالية الضامنة للإنتاجيّة في كنف الحياديّة والموضوعية العلمية وما يقتضيه الواقع بمتغيراته. مبادرة المجلس بتقييم برامج التربية والتفكير الإسلامي في مختلف مراحل التعليم والعمل على تقديم المشورة للجان القطاعية والجهات الرسمية في شأنها بما يساعد على تبوّؤ موقعها المناسب في برامج التعليم فلسفة وغائيات ورهانات وبما ينمي مردوديتها في تجذير الناشئة في هويتها التاريخية والتشبع من قيمها الحضارية...هوية متحركة ومنفتحة على محيطها القومي والانساني والكوني، لا هوية مفخخة أو مشتتة (وقد عانت هذه المادة من التضييق والمؤامرات الأيديولوجية ما لا يخفى على أحد من المتعاملين مع الشأن التربوي في تونس). العمل على حفظ النسيج الوطني من التشرذم المذهبي والتفكك العقدي الذي بات يتخذ ظواهر مثيرة للقلق في تونس في السنوات الأخيرة دون تضييق ولا ترهيب ولكن بمزيد الترويج للمعرفة والثقافة الإسلاميين بأرقى الوسائل والأساليب ليمارس كل اختياراته على بيّنة ومعرفة مما يترك ومما يتبنّى لا أثر فيها لتقصير من جهات الاختصاص. تمكين المجلس من وسيلة إعلامية بعنوان ومضمون جديدين وبمعايير فنية ووسائل متطورة ومناهج علمية وإعلامية حديثة ومدروسة بعناية احتراما لعقل القارئ والارتقاء إلى مستوى المنافسة وتنمية القدرة على الإقناع (وليس مجلة الهداية التي أعني بكل تأكيد لا اسما ولا مضمونا ولا خطا تحريريا فقد انتهى دورها في تقديري...) إشراف المجلس على إنتاج وتنشيط برامج علميّة لنشر الثقافة والمعرفة الإسلامية العامة في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية الرسمية خاصة بأساليب حديثة وغير تقليدية...وبعيدة عن الارتجال واللامبالاة في الشكل والمضمون. تستمد هذه القراءة وما شفعت به من اقتراحات مشروعيتها من مشروية الثورة بما هي وعد بالتغيير الشامل في اتجاه الأفضل بكل تأكيد ، وحق الأجيال في حراك في كل المؤسسات وعلى كافة الصعد والمستويات بما يليق بحجم تطلعاته وانتظاراته خاصة إذا كانت تلك الانتظارات وليدة ثورة غير مسبوقة في تونس والوطن العربي. الهوامش: (1) البوابة الرسمية للحكومة [email protected] (2) و (3)و (4)و (5) نفسه (6)موقع : الإسلام حقائق وأعلام ومعالم للأستاذ صلاح الدين المستاوي :www.mestaoui.com (7) موقع المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائرwww.hci.dz/Isdarette