ولد عبدالرحمان ابن خلدون في الفاتح من رمضان سنة 732 للهجرة الموافق ل27 ماي 1332 في مدينة تونس العتيقة على مسافة خطوات من جامع الزيتونة المعمور . من أسرة تنحدر أصولها من جنوب اليمن وتحديدا حضرموت وكان جدّه الشهير بخلدون بن عثمان وصل الأندلس في المجموعات الأولى للفتح الأسلامي في نهاية القرن الأوّل للهجرة الثامن للميلاد وأقام في وسط الأندلس بمدينة «قرمونة» ومنها أستقّر في أشبيلية وقد مارس أل ابن خلدون العلم والسياسة وقد اضطّر عدد من عائلته الى الانتقال الى سبتة شمال المغرب بعد حصار ملك الجلالقة ابن أذفونش مدينة أشبيلية ومن سبتة واصلت العائلة رحيلها الكبير الى بجاية في الجزائر التي كانت تسمّى المغرب الأوسط ومنها وصلوا الى تونس زمن الحفصيين فالتحقوا بالسّلطة الحفصية وتفانوا في خدمتها . عاش عبدالرحمان ابن خلدون في ظلّ والده الذي يقول عنه أنّه كان معلّمه الأوّل في المبادئ الأولى للغة العربية وحفظ القرآن الكريم قبل أن يلتحق بالكتّاب الذي أنهى فيه حفظ القرآن الكريم ومنه إلتحق بحلقات الدراسة بالجامع الأعظم . وخلال دراسته في جامع الزيتونة بدأت مواهب عبدالرحمان الصبي تظهر للعيان فأشتهر بقدرة فائقة على حفظ الشعر وأدمن قراءة كتب الفقه والحديث والسير واللغة والفلسفة ممّا ميّزه عن كل أترابه ،وعندما أستولى أبو الحسن المريني على الحكم في تونس سنة 1347 م الموافق ل748 هجري ألتحق بالتدريس في الجامع الأعظم عدد من كبار الشيوخ القادمين من المغرب مع المرينيين ومن بينهم أبوعبدالله الأبلي الذي أخذ عنه أبن خلدون المنطق والحساب ويعتبره مرجعا أساسيا في تكوينه العلمي والمعرفي وقد كان أبن خلدون دائم الأستحضار له فهو بمثابة معلّمه الكبير . ويذكر أبن خلدون في سيرته المعروفة ب«الرّحّلة»أنّه ظلّ منكبا على تحصيل العلم والمعرفة وقراءة كتب الفقه والحديث والسير والفلسفة في الجامع الأعظم الى أن أصيبت تونس بكارثة الطّاعون سنة 1348 م الموافق ل749 هجريا وفي هذه المحنة الكبيرة فقد أبن خلدون والده وعددا من شيوخه وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره . وخلال ثلاث سنوات متتالية يقول ابن خلدون أنّه ظلّ يترددّ على مجلس شيخه الأبلي وقد كانت هذه السنوات هي فترة النضج والنبوغ وهو ما أثار أنتباه السّلطة وكبار العلماء لهذا الشاب الذي تدلّ كل المؤشّرات على أنّه سيكون من ذوي الشأن. يتبع