في سنة 776 هجرية (1375م) وصل ابن خلدون مرّة أخرى إلى الأندلس بعد مماطلة من السّلطان أبي العبّاس الذي رفض عبوره إلى الاندلس واستقبله السّلطان أبو عبدالله ابن الأحمر بكثير من الترحيب وحسن الضيافة ويقول عن هذه المرحلة من حياته. «أجزت إلى الأندلس في ربيع سنة ست وسبعين، ولقيني السّلطان بالبرّ والكرامة، وحسن النّزل، على عادته، وكنت لقيت بجبل الفتح كاتب السّلطان أبن الأحمر،من بعد أبن الخطيب، الفقيه أبا عبدالله بن زمرك، ذاهبا إلى فاس في غرض التهنئة، وأجاز إلى سبتة في أسطوله، وأوصيته بإجازة أهلي وولدي إلى غرناطة، فلّما وصل إلى فاس، وتحدّث مع أهل الدولة في إجازتهم، تنكّروا لذلك، وساءهم أستقراري بالأندلس، وأتّهموني أني ربّما أحمل السّلطان أبن الأحمر على الميل إلى الأمير عبدالرحمان، الذي إتّهموني بملابسته، ومنعوا أهلي من اللّحاق بي، وخاطبوا السّلطان أبن الأحمر في أن يرجعني إليهم، فأبى من ذلك، فطلبوا منه أن يجيزني إلى عدوة تلمسان، وكان مسعود بن ماساي قد أذنوا له في اللّحاق بالأندلس، فحملوه مشافهة السّلطان بذلك،وأبدوا له أني كنت ساعيا في خلاص أبن الخطيب، وكانوا قد أعتقلوه لأوّل أستيلائهم على البلد الجديد،وظفرهم به، وبعث إليّ أبن الخطيب من محبسه مستصرخا بي، ومتوسّلا فخاطبت في شأنه أهل الدولة،وعوّلت فيه منهم على وونزمار،وأبن ماساي، فلم تنجح تلك السعاية، وقتل أبن الخطيب بمحبسه، فلمّا قدم أبن ماساي على السّلطان أبن الأحمر-وقد أغروه بي –فألقى إليّ السّلطان ماكان منّي في شأن أبن الخطيب، فأستوحش لذلك، وأسعفهم بإجازتي إلى العدوة، ونزلت بهنين، والجوّ بيني وبين السّلطان أبي حمّو مظلم، بما كان منّي في إجلاب العرب عليه بالزّاب كما مرّ .فأوعز بمقامي بهنين، ثمّ وفد عليه محمد بن عريف، فعذله في شأني، فبعث عني إلى تلمسان، واستقررت بها بالعبّاد، ولحق بي أهلي وولدي من فاس وأقاموا معي، وذلك في عيد الفطر سنة ستّ وسبعين، وأخذت في بثّ العلم .وعرض للسّلطان أبي حمّو أثناء ذلك رأي في الدّواوة، وحاجة إلى إستئلافهم،فأستدعاني، وكلّفني السّفارة إليهم في هذا الغرض، فأستوحشت منه ونكرته على نفسي، لما أثرته من التّخلّي والإنقطاع وأجبته إلى ذلك ظاهرا، وخرجت مسافرا من تلمسان حتى أنتهيت إلى البطحاء، فعدلت ذات اليمين إلى منداس». يتبع