مازال وضع عديد الأرياف بجهة وادي مليز يتأرجح بين العزلة وسوء الأحوال رغم أهمية هذه الأماكن في النسيج الإقتصادي والفلاحي وارتفاع نسبة السكان من جميع الفئات العمرية والشرائح. العزلة المذكورة هذه يعاني منها سكان الجهة الشمالية للمدينة وهي مناطق «الدورة» «عباسة » «الدخايلية»...وغيرهم كثر بهذه الجهة وسببها غياب جسور ذات جودة عالية لا تغطيها الفيضانات كما هو الحال على نهري «مجردة» و«الرغاي» والذين شكلا منذ عهود مصدر قلق وازعاج وتعطيل للمصالح العامة والخاصة في جميع الفصول وخاصة في فصل الشتاء الذي عادة ما يشهد نسبة تساقطات مرتفعة بالجهة مما يجعل هذين الوادين يغمران القنطرتين محدودتا الإرتفاع (02م) فتتواصل عزلة هذه المناطق لأيام وأسابيع وقد تصل إلى شهور بالتمام والكمال. يذكر أن جسر مجردة ارتفاعه لا يزيد عن مترين سرعان ما تغمره المياه وتسد قنواته بالجذوع والأشجار وكل ما تجود به السيول الجارفة علما وأن هذا الجسر أنجز منذ خمسينات القرن الماضي والعبور منه ذو اتجاه واحد وهذا يسبب أيضا حوادث مرورية . أما جسر «الرغاي» فهو حديث الإنجاز وبمجهودات مشتركة بين معتمدية المكان والمواطنين من خلال تبرعهم بمواد البناء والمال وأيام عمل الا أنه يفتقر لعديد المواصفات فكان كل موسم شتاء يتوقع أن يذهب في خبر كان فلا يبقى منه شيء ولكنه ظل صامدا رغم تواضعه. فصول العزلة للعزلة التي فرضتها غياب الجسور على النهرين المذكورين فصول عديدة. أولها بقاء المناطق المعزولة لمدة طويلة بدون مواد غذائية لتعذر تنقل المزودين. ثانيها غياب التلاميذ والطلبة والعمال والموظفين لأيام بعد أن يتعذر عليهم التنقل حيث أن المسافة الجديدة عند من تتوفر له فرصة تغيير المسار تصبح بدل 07كلم للوصول لمدينة وادي مليز 25 كلم عبر غار الدماء أو60كلم عبر جندوبة وفي كلا الحلين مضيعة كبرى للوقت ومبالغ مالية طائلة تصرف للتنقل هذا إذا توفرت وسائل النقل من الأساس. أما ثالثها فتكون بحرمان سكان هذه المناطق من التسوق كل يوم إثنين موعد السوق الأسبوعية فيحرمون بذلك من التزود بمؤونة أسبوع كامل من الخضر والغلال والمواد الغذائية علما وأن التسوق عند سكان الأرياف من العادات التي لا تنازل عنها إلا عند الظروف القاهرة. بين الحلول والوعود تحدث أحد متساكني هذه المناطق المعزولة للشروق قائلا «منذ نعومة أظافري وأنا أستمع إلى أن «هذه السنة سينجز الجسران لكن وها أنا قد بلغت من العمر 63 سنة ولم ننل من الواقع سوى الوعود مع كل موسم تزداد الأحوال سوءا وتتعمق مأساتنا تصوروا أن أبناءنا التلاميذ الذين يدرسون بالمدرسة الإعدادية والمعهد الثانوي بوادي مليز يقطعون مسافة 25 كلم يوميا عبر غار الدماء للوصول إلى مقاعد الدراسة باستعمال النقل المدرسي ( الحافلة ) والرحلة تستغرق يوميا أكثر من ساعة والحال أنها لو كانت في الظروف العادية لن تدوم أكثر من ربع ساعة والسبب أن حالة الجسرين لا تسمح بمرور الحافلة نظرا لضيقها وإمكانية الخطر عند العبور فوقهما». الفلاحة أيضا تضررت الفلاحة هي الأخرى تضررت بسبب رداءة القنطرتين وصعوبة التزود بالأسمدة والبذور خاصة للمناطق التي تقع بين النهرين وكذلك صعوبات جمة في نقل المنتوج إلى الأسواق. كما أن العديد من المواطنين تعطلت مشاريعهم في البناء والتوسع العمراني بسبب صعوبة نقل المواد وعزوف الشاحنات وخاصة الثقيلة عن المجازفة خوفا من سوء العاقبة. الوضع الصعب الذي يعيشه أهالي هذه المناطق والذي ألقى بظلاله على عديد المجالات وعطل المصالح بلا حساب حري بأن يدرج في أولى اهتمامات المسؤولين ويقع التفكير في مشروع جسرين على هذين النهرين لتخليص آلاف السكان من هاجس أصبح التفكير فيه قبل الخبز أحيانا وكيف لا وهو الذي يوفر لهم الخبز ويفك عزلتهم ليعيشوا كسائر الخلق في مأمن ومنأى عن كل ما من شأنه أن يعطل مصالحهم. وبقدر ما يتطلبه الجسران من أموال طائلة تحسب بالمليارات لإنجازهما فإن حياة العباد ومصالحهم لا تقدر بثمن.