من العادات التي اندثرت ولم يعد لها وجود بالمدينة العتيقة , عادت بيع الخضر والغلال والأسماك في الأنهج والأزقة من قبل عدد من الباعة المتجولين . وعن هذه العادة المندثرة حدثنا الشيخ عمر بن فرج قائلا : رغم مرور عدة عقود إلا أنني مازلت أتذكر ظاهرة الباعة المتجولين الذين كانوا يجوبون المدينة العتيقة الذين يحملون سلعهم على رؤوسهم أحيانا وعلى عربات صغيرة مدفوعة باليد أحيانا أخرى . وهذه الظاهرة كانت نتيجة طبيعية للعادات الاجتماعية السائدة في المجتمع التونسي خلال الثلاثينات من القرن الماضي والتي تمنع المرأة من الخروج إلى الشارع وشراء ما تحتاجه كما هو معمولا به اليوم . ومما اذكره أيضا أن عملية البيع والشراء تتم من وراء الباب لأنه من العيب في ذلك الوقت النظر إلى المرأة ومحادثتها وجها لوجه . وقد كان لهؤلاء الباعة طريقتهم الخاصة في البيع والشراء وكانوا عادة ما يتغنون ببضائعهم لجلب الانتباه وإغراء الناس بالشراء . وكان الباعة يجلبون الخضر والغلال والأسماك في نهار رمضان وفي الليل يأتي فوج آخر منهم لبيع الفواكه الجافة من حمص وفول وكاكاوية وعباد الشمس و«قلوب القرع الأحمر» ولوز وفستق والحلويات كالمقروض والفرشكة وهي نوع من أنواع «البتي فور» والتمر «المحشي» باللوز أو الجوز ومرشوش بالسكر «الاحرش» . وقد كنا ونحن صغار نكلف من قبل أمهاتنا بشراء كل ما يحتجنه لإعداد مائدة الإفطار وما يلزمهن أيضا من لوازم لإحياء سهرات رمضان التي يقع خلالها استدعاء الجارات والقريبات اللاتي يساعدن بعضهن البعض في خياطة ملابس العيد وإعداد الحلويات خاصة خلال النصف الثاني من شهر الصيام.