لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتقد لحظة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبقية المنظومة الامبريالية الاستعمارية زائد الكيان الصهيوني يمكن أن تفكر إيجابيا في الثورات العربية أو أنها كمنظومة معادية لمبدإ التحرر والحرية بامكانها أن تقف في صف المدافعين عن تحقيق أهداف الثورة أي ثورة تنطلق في أي بلد عربي. ذلك أن المنظومة المذكورة هي الثنائي المكون إلى جانب الدكتاتورية والرجعية العربية ثالوث الأعداء ضد الأمة العربية وضد طموحات شعوبها من المحيط إلى الخليج. هذه القوى الاستعمارية القديمة والامبريالية الصاعدة إلى جانب الصهيونية العالمية مجسدة في «إسرائيل» قد تكون تخلت عن الحليف المتمثل في النظام الرسمي العربي ولكن ليس من أجل أن يتسلم الشعب مقاليد السلطة بل من أجل أن تنفذ هذه المجموعة المعادية سياساتها الإمبريالية والتوسعية بمعاول جديدة تختارها دوائرها المتخصصة في الشأن العربي، وهي معاول تطفو وتغيب على سطح المشهد السياسي والمشهد الفكري والمشهد الثقافي العربي... في هذا التوقيت الاستثنائي من حياة الأمة وفي هذا الوضع الثوري على السائد من الحياة العربية لا بد للمؤتمنين على الثورات العربية من تونس إلى اليمن، مرورا بكل الساحات التي تكلمت والتي سوف تنطق بإرادة الشعب، أن لا يتوخوا أسلوب التحليل الآلي الذي ينظر من خلال الضباب الكثيف إلى كل المشاهد العربية الرافضة للدكتاتورية والآملة في حياة ديمقراطية قوامها الإختلاف والتعددية. ذلك أن وضوح الرؤية ووضوح الهدف وحدهما سيمكنان كل ثورة عربية من إنجاز أهدافها والوصول إلى تحقيق انتظارات الشعب الثائر... وهذا الأمر ينسحب على أي شعب في الدنيا، قرر أن يأخذ مصيره بين يديه، ويرفع الظلم عنه... في تونس، التي بشرت العرب، بواقع جديد،مازال الشعب لم يدل بكلمته الفصل... وذلك في انتظار أن يتأكد ان انتخابات المجلس التأسيسي سوف تتم يوم 24 أكتوبر في نطاق الشفافية والحرية اللازمتين لهذا الخيار الوطني... هذا الواقع المشار اليه، يتطلب أن تعي الأطراف السياسية وكل الفاعلين في الساحة السياسية حجم وخطورة المرحلة من حيث الرهانات والأهداف الوطنية منها والأهداف الصادرة عن مناوئين للثورة وهم أعداء داخليون وخارجيون... على هؤلاء الفاعلين السياسيين، أن لا يدخلوا الحوار الوطني، في نفق... فتصبح القضايا الهامشية والمتفرعة هي أساس اللعبة السياسية وتتحول القضايا الاستراتيجية التي تعنى فعلا بتحقيق الأهداف الحقيقية للثورة على هامش الحراك السياسي... فنحن في تونس الثورة، لانريد ان نخرج من دكتاتورية لنلج أخرى... ولا نظن أن الشعب الذي قال كلمته في رفض ما ترفضه كل شعوب الدنيا، من دكتاتورية واغلاق لباب الحريات، سوف يقبل ان يقع التحكم في مصيره سواء من خلف الستار أو من خلف الحدود... لذلك فإن الاطاحة بمخططات الثالوث الامبريالية والصهيونية والرجعية، لا يمكن ان تكتمل مهمتها بالاطاحة بواحد منها ومواصلة التعامل مع الاثنين الباقيين... وهذان الطرفان الباقيان من خندق أعداء شعبنا لا يجب ان نظن لحظة أنهما استسلما لارادة الشعب الثائر، أو أنهما يتبنيان خيار الديمقراطية والحرية لشعوب تمثل أراضيها وباطن أراضيها، أساس المحرك الصناعي في بلدانها ونقصد بلدان الاستعمار القديم والامبريالية الجديدة... زائد الصهيونية... بلا شك...