جاء تعادل الترجي أمام الوداد في مسابقة رابطة أبطال افريقيا ليؤكد مرة أخرى أن الأندية والمنتخبات التونسية عادة ما تتهاوى من تلقاء نفسها في الأمتار الأخيرة وترفض صناعة الحدث حتى وإن كان في متناولها. على الرغم من مرور عدة سنوات على هزيمة المنتخب الوطني أمام نظيره الاسباني بثلاثية في نهائيات كأس العالم عام 2006 فإن الصورة القاتمة لتلك الخيبة مازالت جاثمة على صدورنا الى حدّ هذه اللحظة إذ كيف لفريق روّض «الثور الاسباني» وصمد أمامه طيلة 71 دقيقة بفضل هدف جوهر المناري أن ينهار بتلك الطريقة في ظرف زمني لا يتجاوز 20 دقيقة؟ وقد طالعنا المسؤولون عن كرتنا في مرحلة لاحقة بما في ذلك الوزير الأسبق للرياضة بتفسير غريب حيث قالوا إنها مسألة لياقة بدنية فحسب! وجانبوا بذلك الحقيقة لأنهم تغافلوا حسب اعتقادنا عن إدانة الأخطاء الفنية الفاضحة للمدربين والهفوات الفادحة للاعبين المتهاونين الذين كلف بعضهم خزائن أنديتنا الملايين وعرَق العشرات من المحامين والمرافقين الخاصين كما هو الحال بالنسبة الى المالي «ادريسا كوليبالي» الذي أبى إلا أن يسجل حضوره الرسمي الأول مع الترجي على طريقته الخاصة عندما تسبب في ضربة الجزاء التي عدل بها الوداد النتيجة وحرم الترجي من زعامة المجموعة. مجرّد عقلية بالاضافة الى مسؤولية اللاعبين والمدربين فإننا نلاحظ أيضا غياب الواقعية وسيطرة عقلية الاحتفال قبل الصافرة النهائية للحكام وهو ما حدث بصورة واضحة مع لاعبي الترجي في ثلاثة أدوار نهائية من مسابقة أمجد كأس قارية أعوام 1999 و2000 و2010 أمام الرجاء المغربي و«هارتز» الغاني و«مازمبي» الكونغولي وقد حصل السيناريو نفسه تقريبا مع النادي الصفاقسي في نهائي هذه المسابقة أيضا عام 2006 أمام الأهلي المصري الذي عاد باللقب الي القاهرة وسط ذهول الآلاف من أحباء فريق عاصمة الجنوب. مجرد تذكير كان لا بدّ من ذكر هذه الأمثلة لأن الترجي الرياضي ورغم تتويجه بالثنائي فإنه يعيش خلال الفترة الماضية على وقع ظاهرة لم يعهدها فريق «باب سويقة» من قبل وأصبحت تبعث على القلق في صفوف جماهيره حيث أصبح الأصفر والأحمر يبادر بأخذ الأسبقية على حساب منافسيه دون أن يتمكن من المحافظة على هذه الأسبقية وقد تكرّر هذا السيناريو خلال ثلاث مقابلات خاضها مؤخرا أمام مولدية الجزائر (1 1) والوداد المغربي (2 2) وشبيبة بجاية (2 2) ولا نظن أن معلول سينسج على منوال فوزي البنزرتي ويضع الاعداد البدني في قفص الاتهام خاصة وأن الترجي بحوزته الثنائي الجبالي والحناشي المشهود لهما بالكفاءة العالية بدليل أن الرجل الثاني أصرّ معلول نفسه على التعاقد معه، كما نستبعد إقدامه على تحمل المسؤولية بمفرده مثلما فعل ذلك اثر هزيمة النادي أمام النجم في سباق البطولة كما أن معلول لن يتهم لاعبيه بالتقصير بحكم أنهم يعتبرهم الأفضل على الاطلاق في تونس (ألم يقل أن الهيشري أفضل مدافع والدراجي أفضل لاعب..) وهي سياسة خاصة يسلكها معلول مع لاعبيه قصد شحذ هممهم وتحفيزهم وتبدو مغايرة تماما لتلك الغلظة التي يعامل بها الداهية «مانويل جوزي» لاعبي الأهلي حيث لم يتردد مثلا في القول للاعب الرائع والملقب بصقر الكرة المصرية أحمد حسن «لم تعد قادرا على تقديم الاضافة للنادي الأهلي» ولا نعرف هل أن طريقة معلول ستكون ناجعة أم أن سياسة «مانويل» ستكون الأفضل ولن نتعرف على الاجابة سوى عند خط النهاية. «الشروق» ارتأت أن تتطرق الى هذه الظاهرة التي ميّزت مباريات الترجي مؤخرا وذلك قبل مواجهته لفريق الوداد المغربي الذي يتميز بقوته الهجومية الضاربة حيث سجل تسعة أهداف في ثلاث مباريات واجه خلالها الأهلي والمولدية والترجي الرياضي كما لا ننسى كذلك تواجد المدرب السويسري «ميشال دي كاستال» على رأس إطاره الفني والذي يعرف جيدا خفايا الكرة التونسية كما أنه يتمتع بقدرات تدريبية فائقة وهو ما أثبته أمام الترجي من خلال مراهنته على ورقة «القديوي» أو عندما أقحم اللاعب البديل «باسكال» في تشكيلة فريقه أمام الاتحاد الزموري للخميسات في اطار البطولة المغربية مما ساعده على حسم نتيجة المباراة لفائدة «وداد الأمة» ولكن الفريق المغربي يواجه عدة صعوبات دفاعية تماما مثل الترجي بدليل الأهداف التي تلقتها شباكه أمام «أولمبيك خريبقة» في إطار الكأس وكذلك الثلاثية التي ولجت مرماه أمام الأهلي هذا فضلا عن ثنائية الترجي الرياضي وهذه النقطة تؤرق «دي كاستال» ونتمنى أن يحسن الترجيون استغلالها لتحقيق الانتصار والانفراد بالمرتبة الأولى. ماذا قالوا ؟ تحدثنا الي العيادي الحمروني ونور الدين بوسنينة بحكم أنهما من أبناء الفريق وسبق لهما التتويج بلقب رابطة أبطال افريقيا في نسختها القديمة عام 1994 هذا بالاضافة الي المدير الرياضي الحالي للأصفر والأحمر العربي الزواوي وكذلك فريد شوشان المدرب المساعد السابق لفريق الوداد المغربي فأكدوا لنا ما يلي: العيادي الحمني (لاعب سابق) التركيز طيلة فترات المقابلة «أظن أن الترجي الرياضي يحتاج في الوقت الراهن الى عنصر التركيز ولا بدّ من استبسال اللاعبين أثناء كامل فترات المقابلة خاصة بالنسبة الى المدافعين خاصة أن فريق الترجي أصبح يتمتع بالخبرة الكافية لخوض مثل هذه المواجهات الكروية الافريقية ولا ننسى كذلك أن الفريق بحوزته أفضل اللاعبين على مستوى خط الوسط وأعتقد أن الترجي ترك الفرصة للفريق المغربي ليجبره على نتيجة التعادل ولم أشاهد نقاط قوة واضحة بحوزة الوداد». نور الدين بوسنينة (لاعب سابق) ضرورة تجاوز الأخطاء الدفاعية «لاحظت أن مدافعي الترجي يواجهون عدة صعوبات كلما تعلق الأمر بالهجومات المعاكسة للفريق المنافس فوليد الهيشري يجيد التعامل مع الكرات العالية ولكنه في المقابل يفتقد الى عنصر اختيار التوقيت المناسب عند محاولة قطع الكرة وافتكاكها من المنافس أما بالنسبة الى حارس المرمى فقد قدم مردودا محترما وأظن أن الترجي أثبت قوته على مستوى خطي الهجوم ووسط الميدان ولكن حذار من فريق الوداد حيث لاحظت أنه يمتلك عدة لاعبين يتمتعون بسرعة فائقة وبحوزتهم امكانات فنية محترمة». العربي الزواوي (المدير الرياضي للترجي) لا خوف على الترجي في مقابلة العودة «أظن أن الترجي قدم مردودا محترما جدا خلال الشوط الأول من مقابلة الوداد المغربي وقد تجلى ذلك من خلال تحكم الفريق في المساحات وأحكم اللاعبون التمركز فوق الميدان وهو ما أدى الي تسجيل ثنائية في الشباك المغربية ولكن خلال الشوط الثاني نزل الفريق المغربي بكل ثقله الى المناطق الخلفية للترجي وهو أمر طبيعي طالما أنه يلعب أمام جماهيره مما ولّد ضغطا متزايدا وأعتقد أن هدفي الفريق المغربي كانا على إثر هفوات فردية من قبل لاعبي الترجي وهو ما لن يتكرّر حسب اعتقادي في لقاء العودة بتونس مع الاشارة الى أن الفريق المغربي يستمدّ جانبا كبيرا من قوته انطلاقا من الجهة اليسرى هذا فضلا عن تألق اثنين من لاعبيه في وسط الميدان». فريد شوشان (المدرب المساعد السابق لفريق الوداد) حذار من الجهة اليسرى للوداد «أظنّ أن الوداد يستمدّ قوته أساسا من خطه الهجومي الذي دأب على تسجيل عدة أهداف خاصة أن الفريق المغربي استفاد كثيرا من الامكانات الفنية لبعض العناصر مثل «فابريس» و«ياجور» و«القديوي» أما نقطة ضعفه فهي مكشوفة للجميع وتتمثل في تواضع مردوده الدفاعي وتحديدا على مستوى الجهة اليسرى وذلك بالرغم من أن الجهة نفسها تشكل مصدر خطورة الفريق على مستوى الهجوم». معلول و«ليفربول» يؤكد الفنيون أن أي فريق عندما يكون متقدما في النتيجة بهدفين لصفر خلال الشوط الأول من المقابلة كما هو الحال بالنسبة الى الترجي في مقابلة أمام الوداد فإن الفريق المتقدم في النتيجة يكون الأقرب للفوز بنسبة 90٪ غير أننا لو قلنا هذا الكلام فإن المدرب نبيل معلول الذي برع في ميدان التحليل الفني لأقوى الدوريات العالمية كان سيفاجئ الجميع ويذكرنا بما حدث لفريق ميلان عام 2005 عندما تقدم بثلاثية كاملة خلال الشوط الأول من نهائي رابطة أبطال أوروبا أمام ليفربول غير أن الفريق الانقليزي عاد من بعيد خلال الشوط الثاني وفاز باللقب كما أن معلول تعود على القول أن العبرة بالخواتيم كما أكد ذلك عقب تعادل الترجي مع فريق المولدية لذلك فإنه قد يكون محقا تماما كما أثبت ذلك في مسابقتي البطولة والكأس ولكن هذا لن يمنعنا من القول بأن هذه الظاهرة غريبة على الترجي الذي سحق عام 2005 الهلال السوداني بخماسية بعد أن كان منهزما في السودان بثنائية.