ويقول ابن خلدون أنّ تيمورلنك طلب منه أن يكتب له عن بلاد المغرب فلبّى له ما أراد ويقول ابن خلدون عن هذا الطّلب «وكتبت له بعد انصرافي من المجلس لما طلب منّي ذلك، وأوعبت الغرض فيه في مختصر وجيز يكون قدر اثنتي عشرة من الكراريس المنصّفة القطع، ثمّ أشار الى خدمه بإحضار طعام من بيته يسمّونه الرّشتة، ويحكمونه على أبلغ ما يمكن، فأحضرت الأواني منه، وأشار بعرضها عليّ، فمثلت قائما، وتناولتها، وشربت، واستطبت، ووقع ذلك منه أحسن المواقع، ثمّ جلست وسكتنا، وقد غلبني الوجل بما وقع من نكبة قاضي القضاة الشّافعية، صدر الدين المناوي، أسره التّابعون لعسكر مصر. بشقحب، وردّوه، فحبس عندهم في طلب الفدية منه، فأصابنا من ذلك وجل، فزوّرت في نفسي كلاما أخاطبه به، وأتلطّفه بتعظيم أحواله وملكه، وكنت قبل ذلك بالمغرب قد سمعت كثيرا من الحدثان في ظهره، وكان المنجّمون المتكلّمون في قرانات العلويين يترقّبون القران العاشر في المثّلثة الهوائية، وكان يترقّب عام ستة وستيّن من المائة السّابعة .فلقيت ذات يوم من عام أحد وستين بجامع القرويين من فاس، الخطيب أبا علي ابن باديس خطيب فسطنطينة، وكان ماهرا في ذلك الفن، فسألته عن هذا القران المتوقّع، وماهي أثاره؟ فقال لي يدلّ على ثائر عظيم في الجانب الشّمالي الشّرقي، من أمّة بادية أهل خيام، تتغلّب على الممالك، وتقلّب الدّول، وتستولي على أكثر المعمور .فقلت ومتى زمنه ؟فقال عام أربعة وثمانين تنتشر أخباره .وكتب لي بمثل ذلك الطّبيب ابن زرزر اليهودي، طبيب ملك الإفرنج ابن أذنفوش ومنجّمه .وكان شيخي رحمه اللّه إمام المعقولات محمّد بن ابراهيم الآبلي متى فاوضته في ذلك، أو سائلته عنه يقول «أمره قريب، ولابد لك إن عشت أن تراه». ويقول ابن خلدون انّه لم يكن يشعر بالأمان في حضرة تيمورلنك لأنه كان غليظ القلب قليل الرّحمة فكان يمدحه بما يبعد عنه الأذى . وعندما علم بفتح دمشق ترك مجلسه وإتّجه نحو دمشق التي خرّب قلعتها بالمنجنيق الى أن استسلمت في 11 رجب 803 هجرية ونهبت مدينة دمشق بما فيها الجامع الأعظم ويذكر ابن خلدون أنّه أهدى الى تيمورلنك مجموعة من الكتب وسجّادة وقصيدة البردة للبصيري وطلب منه أن يقيم في المعسكر . وطلب ابن خلدون من تيمورلنك السّماح له بالسّفر الى مصر بعد خمسة وثلاثين يوما قضاها في دمشق اتّجه بعدها الى صفد في فلسطين ثمّ غزّة ثمّ مصر التي وصلها في 803 هجرية. يتبع