بعد أن أرسل عائلته الى أخوالهم في قسطنطينة أوصى بهم خيرا صاحبها السّلطان أبو العبّاس سافر ابن خلدون الى الأندلس التي انحسر الحكم العربي الإسلامي فيها في غرناطة فقط . وفي طريقه إليها مرّ بسبتة فلقيه كبيرها الشّريف أبو العبّاس وأكرم وفادته ويقول ابن خلدون عن هذا الكرم «لمّا مررت به سنة أربع وستين، أنزلني ببيته إزاء المسجد الجامع، وبلوت منه ما لا يقدّرمثله من الملوك، وأركبني الحرّاقة ليلة سفري، يباشر دحرجتها الى المياه بيده، إغرابا في الفضل والمساهمة،وحططت بجبل الفتح، وهو يومئذ لصاحب المغرب، ثمّ خرجت منه الى غرناطة، وكتبت الى السّلطان أبن الأحمر ووزيره ابن الخطيب بشأني، وليلة بتّ قرب غرناطة على بريد منها، لقيني كتاب أبن الخطيب يهنئني بالقدوم ويؤنسني». ولقي ابن خلدون في غرناطة التي وصلها في الثّامن من ربيع الأوّل من سنة 764 ه ويقول عن هذا الأستقبال «ثمّ أصبحت من الغد قادما على البلد، وذلك ثامن ربيع الأوّل عام أربعة وستيّن، وقد إهتزّ السّلطان لقدومي، وهيأ لي المنزل من قصوره، بفرشه وماعونه، وأركب خاصته للقائي، تحفيّا وبرّا،ومجازاة بالحسنى، ثمّ دخلت عليه، فقابلني بما يناسب ذلك، وخلع عليّ وإنصرفت». ولقي ابن خلدون إهتماما بالغا من الوزير ابن الخطيب «وخرج الوزير ابن الخطيب، فشيّعني الى مكان نزلي، ثمّ نظمني في عليّة أهل مجلسه، وأختصّني بالنّجي في خلوته، والمواكبة في ركوبه، والمواكلة والمطايبة والفكاهة في خلوات أنسه، وأقمت على ذلك عنده، وسفرت عنه، سنة خمس وستين». في هذه السنة بعد عام من وصوله الى غرناطة في عهد محمد أبي عبدالله أبن الاحمر الذي كان تعرّف عليه في فاس حين ألتجأ إليها بعد أن خلعه شقيقه من الحكم، كلّف السّلطان أبن خلدون بأن يكون ممّثله في المفاوضات مع ملك قشتالة لإبرام إتفاقية صلح بينه وبين ملوك المغرب . ويقول ابن خلدون أنّه غادر غرناطة إستجابة لطلب أبو عبدالله سنة 765 ه في اتجاه قشتالة محمّلا بالهدايا الفاخرة من حرير وخيول عربية وجواهر . ولقي ابن خلدون خلافا لما كان يعتقده الكثير من الود والإكرام من «الطّاغية ملك قشتالة» كما يسميّه وعرض عليه الإقامة في قصره عندما علم أنّه أصيل أشبيلية ويقول عن هذا الإحتفاء «ولم يزل على إغتباطه الى أن أنصرفت عنه، فزوّدني وحملني، واختّصّني ببغلة فارهة بمركب ثقيل ولجام، ذهبيين،أهديتهما الى السّلطان، فأقطعني قرية البيرة من أراضي السّقي بمرج غرناطة». يتبع