عاد ابن خلدون بعد غياب وقد سرت إشاعة عن وفاته فوجد نفسه معزولا عن القضاء ويقول في خاتمة كتاب «الرّحلة»الممتع «كنت لمّا أقمت عند السّلطان تمر،تلك الأيّام التي أقمت، طال مغيبي عن مصر، وشيّعت الأخبار عنّي بالهلاك، فقدم للوظيفة من يقوم بها من فضلاء المالكية، وهو جمال الدين الاقفهسي، غزير الحفظ والذّكاء، عفيف النّفس عن التّصدّي لحاجات النّاس، ورع في دينه، فقلّدوه منتصف جمادى الأخرة من السّنة . فلمّا رجعت الى مصر، عدلوا عن ذلك الرأي، وبدا لهم في أمري، فولّوني في أواخر شعبان من السّنة، وأستمررت على الحال التي كنت عليها من القيام بالحقّ، والإعراض عن الأغراض، والإنصاف من المطالب، ووقع الإنكار عليّ ممن لا يدين للحقّ، ولا يعطي النّصفة من نفسه، فسعوا عند السّلطان في ولاية شخص من المالكية يعرف بجمال الدّين البساطي، بذل في ذلك لسعاة داخلوه، قطعة من ماله، ووجوها من الأغراض في قضائه، قاتل اللّه جميعهم، فخلعوا عليه أواخر رجب، سنة أربع وثمانمائة .ثمّ راجع السّلطان بصيرته، وأنتقد رأيه، ورجع إليّ بالوظيفة خاتم سنة أربع، فأجريت الحال على ماكان .وبقي الأمر كذلك سنة وبعض الأخرى، وأعادوا البساطي الى ماكان، وبما كان، وعلى ماكان، وخلعوا عليه سادس ربيع الأوّل سنة ستّ .ثمّ أعادوني عاشر شعبان سنة سبع، ثمّ أدالوا به منّي أواخر ذي القعدة من السّنة، وبيد اللّه تصاريف الأمور». هكذا ختم ابن خلدون رحلته الى الشّرق والغرب التي تولّى فيها مناصب بين الحجابة والقضاء وتقلّب فيها بين دوائر الحكم في تونس والمغرب والجزائر ومصر وعانى من كيد الحسّاد الذين كانوا يكيدون له لدى الملوك والسّلاطين . لقد عاش ابن خلدون حياة أستثنائية ألقت بظلالها على تفكيره ومنحته تجربة سياسية عميقة ترجمتها مقدّمته وتاريخه الذي أسّس لعلم العمران البشري . توفيّ ابن خلدون في القاهرة يوم 26 رمضان سنة 808 هجرية وفي عمر الرّابعة والسبعين ودفن بمقبرة الصوفية خارج باب النّصر ولا يعرف لقبره مكان . وقد كان ابن خلدون ومازال «يملأ الدنيا ويشغل الناس»لحداثة تفكيره وعمقه . آنتهى