طرحت مؤخرا في الأوساط السياسية مسألة إصدار مرسوم يحدّ من مهام ومن عمر المجلس التأسيسي ومع تباين الآراء التقت «الشروق» جملة من النقابيين لاستطلاع مواقفهم. اختلفت الآراء في الأوساط النقابية وتنوعت المواقف بين مؤيد لمسألة تحديد مهام المجلس التأسيسي ومدة عمله حوفا من دكتاتورية جديدة وبين رافض لهذا المبدإ معتبرا أن للمجلس الصلاحيات المطلقة في تسيير شؤون البلاد حيث أكد السيد حفيظ الكاتب العام بالنقابة العامة للتعليم الأساسي أن تحديد مهام المجلس التأسيسي ضروري وهي المهام المتعارف عليها من خلال نفس الظروف التي عرفتها أقطار أخرى انتخبت مجالس تأسيسية مؤكدا أنها وظيفتان الأولى تأسيسية تتمثل في صياغة دستور جديد وتعتبر هذه الوظيفة من صميم اعماله والثانية هي وظيفة غير تأسيسية تتمثل في ضبط تنظيم مؤقت للسلط العمومية (انتخاب رئيس مؤقت...)وممارسة الوظيفة التشريعية ومراقبة عمل الحكومة. وأضاف حفيظ أنه ورغم أن المجلس التأسيسي حائز على شرعية شعبية فلا يجب أن نمكنه من سلطة مطلقة حتى نحول دون تحوله إلى آلية لإعادة انتاج الاستبداد ويمكن مثلا العمل على استفتاء الشعب حول مشروع الدستور الذي يتولى المجلس إعداده. أما بخصوص مدة عمله فيقول الكاتب العام انها مرتبطة بإعداد الدستور ولكن في كل الحالات لا يجب أن تتجاوز السنة حتى لا تدوم المرحلة الانتقالية ويتسنى تحديد نظام الحكم الجديد والمرور إلى الاستقرار. دكتاتورية من جانبها أكدت السيدة ألفة عياري كاتب عام نقابة السجون والاصلاح (سجن الرابطة) أنها تأمل في أن يكون هذا المجلس في مستوى انتظارات المواطن التونسي حتى نخرج معا من سياسة الاشخاص إلى سياسة من أجل الجمهورية وأوضحت أن تحديد المسؤوليات لدى المجلس التأسيسي المنتظر يعمل لصالح سياسة مضبوطة المهام ويشعر كل مسؤول أنه جاء من أجل مهمة لصالح هذا الوطن وهو مراقب من الشعب وقالت: «فإن تركنا له حرية المسؤولية وعدم تحديد مدة نيابته سوف نرجع الى مسؤول سلطوي دكتاتوري يعمل لصالح الاشخاص ولغايات خاصة» وبذلك تضيع هذه الثورة التي أردنا بها ان نكتب صفحة جديدة في كتاب التاريخ. أما السيد عارف رحّال كاتب عام النقابة الأساسية للوكالة الوطنية لحماية المحيط فقد أشار الى ان تحديد مهام المجلس ومدة عمله حدّ من الصلاحيات المطلقة وخاصة في ما يتعلق بالسلطة القضائية والرقابة على السلطة التنفيذية. وأكد على ضرورة عرض النظام السياسي على استفتاء عام لأن تجربة المجلس التأسيسي الاول كانت موجهة ومشوهة وممنهجة. وأضاف ان ذلك يمكّن من اعطاء فرصة أكثر للأحزاب السياسية كي تتجنب أخطاءها وتصحح مشروعها حسب ما أفرزته انتخابات المجلس في التشريعية والرئاسية ولعدم السماح للتيارات السياسية الايديولوجية المتطرفة يسارية او يمينية من الوثوب على المرحلة وتوجيهها في خط أزمة. حماية وقد ساندته الرأي السيدة نايلة صمود (عضو بنقابة المجمع المركزي للبيوعات) مؤكدة ان المجلس التأسيسي عليه ان يمثل الشعب التونسي ويسهر على صياغة دستور جديد يكون أساس نظام جديد ديمقراطي ولابد ان يتكوّن من عدد من المواطنين المنتخبين يمثلون كل الفئات وكل الحساسيات السياسية والنقابية والشبابية والحقوقية والثقافية والنسائية. ومن المؤكد ان النقابيين حريصون على تحديد مهام المجلس التأسيسي لأن النقابي أدرى بالمشاكل والعراقيل الاجتماعية والمعاناة التي عاناها الشعب خلال هذه الفترة من الدكتاتورية وهو أدرى بالثغرات الموجودة في القوانين الحالية خاصة في مجلة الشغل ومجلة الاحوال الشخصية والاتفاقيات المشتركة وهو (النقابي) الذي دائما يكون حاضرا في المفاوضات الاجتماعية على مختلف الأصعدة. وقالت: «ان تحديد مدة ومهام المجلس التأسيسي حماية ووقاية لحقوق الانسان». وأضافت السيدة نايلة أنه على كل مترشح للمجلس التأسيسي ان تكون مهامه محددة حتى لا يتجاوزها. كما أوضح السيد محمد مصدّق متفقد جهوي للشغل ان المجلس سيعكس او بالاحرى سيمثل صنفا معينا من الأحزاب وليست أغلبها لأن نسبة المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي لن تكون بنسبة 100٪ باعتبار أن هناك نسبة كبيرة من الشعب مازالت الى حدّ الآن في حالة تردّد في التسجيل في القائمات الانتخابية وربما لن تشارك وهذا يعدّ «رسائل مفخخة» و«الصمت أبلغ من الكلام». وعليه يقول محمد مصدّق إنه ليس من شأن المجلس الصلاحيات المطلقة للتصرف في مصير عامة الشعب. كما لا يمكن منحه أزلية في الحكم لأن الثورة قامت على من طال بمدّة حكمه وكلما طالت فترة الحكم كلما كثرت الأخطاء والحكم المطوّل تموت داخله روح التجديد والمبادرة. صلاحيات مطلقة لكن ولئن اتفق شق على ضرورة تحديد مهام المجلس التأسيسي ومدّة عمله فإن شقا آخر يرى في ذلك خرقا للقانون باعتبار أن المجلس القومي التأسيسي يعكس إرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع في نطاق انتخابات نزيهة وحرّة ومباشرة حسب ما أكده السيد عماد حناشي (نقابة قوات الأمن الداخلي) تعكس النفس الديمقراطي إثر كل ثورة. وتاريخيا فإن المجلس القومي التأسيسي الذي انبثق سنة 1956 على حدّ قوله كانت له صلاحيات غير محدّدة وتميز بالاستقلالية التامة في اتخاذ جميع القر ارات بعيدا عن جميع الضغوطات سواء من المملكة آنذاك أو الأحزاب السياسية في ذاك الحين. وقانونيا في العلوم السياسية يضيف عماد حناشي فإن المجلس القومي التأسيسي لا يمكن حصر مهامه أو تحديد مدة صلاحيات الأعمال الموكولة إليه. وبالتالي وحتى تصبح إرادة الشعب إرادة صحيحة وبنّاءة لا بدّ للمجلس القومي التأسيسي أن يتميز بجميع ما يخوّل له القانون من سنّ قوانين وسن تشاريع لا تتعارض مع ما تأمله الشعوب في تقرير مصيرها وتكون صلاحياته تتماشى مع مبادئ الثورة التي جاءت لتكريس الحرية والعزّة والكرامة والديمقراطية والتوق الى حياة أفضل.