علوش العيد : اتحاد الفلاحة يطمئن... والقصّابون يحذرون    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    قفصة : القبض على مروّج مخدّرات وحجز 16 لفّافة من '' الكوكايين''    عاجل/ العاصمة: احتراق حافلة نقل حضري    وزير الشؤون الدينية يشرف على يوم الحجّ التدريبي الخاص بولايات سوسة المنستير والمهدية والقيروان    تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي في هذه الولاية..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير الصيد ل«الشروق»: المؤامرات تحكم المشهد السياسي... وسكوت الحكومة يشجّع «أهل الردّة»
نشر في الشروق يوم 04 - 09 - 2011

رجل له تاريخ ..ويصرّ على أنّه ما يزال يُخبّئ مفاجآت ومبادرات هو ليس عميد المحامين السابق فقط بل هو كذلك أحد أعمدة النضال السياسي والحقوقي في تونس على مدار العقود الماضية، في ما يلي حديث شامل مع العميد البشير الصيد.
الحديث إلى شخص مثل البشير الصيد فيه الكثير من التطلعات والانتظارات بالنظر لما للرجل من خبرة وتجربة واسعة في العديد من الميادين والمجالات ومنها على وجه الخصوص المحاماة والنضال القومي العروبي الوحدوي وكذلك مجال الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، وبقدر ما دخل هذا الرجل في معارك ومواجهات ورهانات بقدر ما يزداد امتلاكا للعديد من المعطيات والأسرار التي يحتاجها الباحث والمحلّل للشأنين السياسي والحقوقي في البلاد لإجراء مقارباته وطروحاتها.
ما هي قراءتكم لواقع العلاقات داخل المشهد السياسي التونسي؟
هو مشهد يغلبُ عليه الكيد والمؤامرات حسب رأيي ، وما ألاحظه فإنّ المشهد السياسي التونسي يعاني كثيرا من الإشكاليات وبالتالي فهو في أزمة وإنّ الثورة المجيدة لم تتحصل على استحقاقاتها التي قام بها الشعب وعلى الخصوص مجموعات الشباب والشابات وبصفة أخص الحاملين للشهائد العليا والسبب في ذلك أنّ الحكومة الانتقالية حكومة الواقع لم تستجب لأي مطلب من مطالب الثورة ، وللحقيقة فإنّ المشهد السياسي يعاني الكثير من السلبيات ويخشى أن لا تتم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر في ظروف موضوعية وديمقراطية وبالتالي لدينا خشية أن لا يتمّ الانتقال الديمقراطي بصفة جديّة وموضوعيّة وديمقراطية ، وبالتالي لا يُمكن أن تتخلّص البلاد من أزمة اللاديمقراطية واللاشرعية وبالتالي ترجع إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها الثورة.
ومن أهم سلبيات المشهد السياسي التي أعتقد أنّها مشاهدة من أهمّ المتتبعين لهذا المشهد والعارفين به ما يلي:
1 طغى على مشهد الشأن العام المتناول من السياسيين والإعلاميين والحقوقيين ومن مكونات المجتمع المدني عموما الابتعاد عن معالجة القضايا الجوهرية التي ينبغي علاجها والحسم فيها مثل قضايا الشغل والاقتصاد والمسائل الاجتماعية وطبيعة الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة الصالحة لتونس في المستقبل، وعوضا عن ذلك كلّه نرى التركيز حاصل على مسائل هامشيّة وبالخصوص على حملة متبادلة بين أغلب المحركين للشأن الإعلامي والسياسي ينصبّ على تبادل التهم والشتائم والقدح والتجريح ضدّ أغلب رموز وعناصر المجتمع المدني حتى يكاد يظهر للمشاهد وأنّ غالب مكونّات المجتمع المدني ورموزها تعاني من الفساد وسوء السمعة وأصبحت الاتهامات تنصبّ على العديد من الرموز الوطنية وعلى جلّ القطاعات بدون تفصيل وعليه فهذه ظاهرة خطيرة على المجتمع وعلى الانتقال الديمقراطي وعلى مستقبل البلاد وعليه فإني أتوجّه بنداء إلى كافة مكوّنات المجتمع المدني من إعلاميين وسياسيين وحقوقيين ومواطنين أن ينتبهوا فيتخلوا عن هذه الظاهرة ويتناولون بالمعالجة القضايا الجوهرية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي من شأنها أن تنقذ البلاد وتضمن تحوّلها الديمقراطي وإنقاذ اقتصادها ومساراتها الوطنية.
ونترك كلّنا التجاوزات وقضايا الفساد والرشوة وقضايا الذين قتلوا واغتالوا وعذّبوا واستولوا على المال العام والخاص أن يحاسبهم القضاء على معنى أنّ العقوبة شخصيّة كما هو معروف قانونيا وواقعيا وكلّ من ارتكب محظورا أو جرما أو أساء إساءة ثابتة أن ينال جزاءه لكن المؤهّل للحكم عليه هو القضاء.
2 الناحية الأمنية، هناك خشية جديّة من إجراء الانتخابات يوم 23 أكتوبر من عدم توفّر الضمانات الأمنيّة إذ إلى حدّ الآن الحكومة لم تنجح في استتباب الأوضاع وتحقيق الأمن والاطمئنان وبالتالي لم تحقّق إعادة الحياة الطبيعيّة في البلاد فالانفلات الأمني مازال قائما وعلاماته الفعليّة متعدّدة مثل البراكاجات والعنف والاعتداءات وقطع الطرق وحرق المؤسسات الرسمية والخاصة وتواصل ارتباك غالب مؤسسات الدولة الإداريّة بحيث لم تعد قادرة على تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين.
3 المال السياسي، إنّ من أهمّ ما يُهدّد إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بشكل نزيه وشفاف وذات مصداقية إغداق المال السياسي على البعض من الأحزاب من جهات مشبوهة خارجيّة خاصّة وحتّى داخليّة ، هذا المال السياسي الّذي بدأ زاحفا على البلاد للتحكّم في الحياة السياسيّة للحيلولة دون الانتقال الديمقراطي ونقل البلاد من اللاشرعيّة إلى الشرعيّة ويُخشى أن يُستبدل تزييف الانتخابات وتزويرها في عهد النظام المخلوع بتزويرها بشراء الذمم لكسب أكثر ما يمكن من الأصوات ومقايضة مقاعد المجلس التأسيسي بالمال السياسي. وبذلك تنتقل البلاد من اللاشرعية إلى اللاشرعية وتصبح أسيرة المال المشبوه المجمّع من الداخل والخارج، وما ينبغي التأكيد عليه أنّه بالمال السياسي الّذي يتدفّق على قلّة قليلة من الأحزاب سيقصي كلّ من عاداها من الأحزاب التي تجاوز عددها المائة وبذلك يتمّ ضرب الوطنيّة وهتك قيم ومبادئ العدالة والإنصاف والمساواة وبالتالي ستتشكّل المشهد السياسي والخارطة الحزبيّة وكذك خارطة المجتمع المدني وفق نفوذ ولوبيات المال السياسي، والغريب وممّا يؤسف له أنّ الوقائع الحالية تعرّفُ أي الأحزاب القليلة التي يُغدقُ عليها المال السياسي ولكنّها ممانعة من الكشف عن ذلك وتأبى التصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تُهدّد الشعب والبلاد ، فهي المسؤولة عن ذلك وعليها ممارسة رقابتها وتطبيق القانون في الغرض.
وعليه فهذه هي أسباب المخاوف الثلاثة التي ينبغي معالجتها من الحكومة حتّى يتمّ ضمان إجراء انتخابات المجلس الوطني السياسي على الوجه المطلوب ويحصل الانتقال الديمقراطي الّذي يُنقذ البلاد ويُحقّق مطالب الثورة ، وهذا ما نتمناه لبلادنا.
لكن هناك انتقادات حول الوضع القضائي اليوم كونه هو الآخر ممسوسا بمسألة الفساد؟
مهما كان الأمر لا حلّ إلاّ بالتوجّه إلى القضاء فهو الجهة الوحيدة التي يمكن لها أن تحاسب وأن تحكم وتدين أو تبرئ كما يسمح لها بذلك اجتهادها ووفقا للملفات المعروضة عليه والدعوى المعلقة بإصلاح القضاء على أساس أنّ بعض القضاة هم بدورهم فاسدون لا يحول دون إهمال دور القضاء لكن في نفس الوقت يعالج الأمر بإصلاح القضاء ولا يمكن أن نشطب أو نتّهم جميع القضاة أو قطاعا كاملا لكن ينبغي محاسبة العناصر الّتي تستحقّ المحاسبة لأنّها فسدت أو أساءت أو تجاوزت أو خرقت القانون أو لم تحكم بالعدل والإنصاف ولا شكّ في أنّ هذا الأمر يتطلّب فرز هذه العناصر بطريقة موضوعية وثابتة حتى لا يُلطّخ كلّ أعضاء هذا السلك دون استثناء كما يزعم البعض ، ومحاولة بعضهم الزجّ بعديد القاطاعت كاملة بأنّها فاسدة منطق يؤدّي إلى دوّامة ويحول دون الفرز الصحيح للفاسدين من الصالحين.
تحدّثتم عن مؤامرات و مخطّط لضرب غالب مكونّات المجتمع المدني ورموزه ،ّ من حسب رأيكم يُحرّك خيوط هذه اللعبة؟
الأكيد أنّ توجيه دعوات الاتهام العامة لجلّ مكونات المجتمع المدني ورموزه ودون تثبّت ترجع إلى أمرين اثنين :
الأوّل: يطغى على البعض الحماس فيندفع بدون تثبّت في توجيه المطالبات العامّة.
والثاني لا شكّ أنّ بعضهم يريد خلط الأوراق والخلط بين الغث والسمين وبين الحقيقة والباطن وهذا يتمثّل في المرتدين عن الثورة الذين لا يريدون الانتقال الديمقراطي ويريدون الزج بالبلاد في دوّامة من العنف وتلهية الرأي العام بقضايا هامشية وصرف أنظاره عن القضايا الحقيقية.
إذن هناك قوى ارتداد عن الثورة؟
نعم هناك قوى ردّة تعمل من أجل تعكير الأوضاع في البلاد وإجهاض الثورة والرجوع بالبلاد إلى ما كانت عليه في عهد النظام المخلوع.وأنا أحمّل المسؤولية للحكومة في جانب كبير لأنّها لم تنجز أيّ مطلب من مطالب الثورة كما أنّها لم تتصدّ لعناصر الردّة التي تريد الالتفاف على الثورة بل إنّها تشجّعهم.
لذلك كنا دوما نطالب بتكوين حكومة إنقاذ وطني لأنّ الحكومة المؤقتة الحالية فشلت فشلا ذريعا بل إنّها تشجّع على الالتفاف على الثورة وحرمانها من استحقاقاتها وهذا ثابت من خلال إسناد الوظائف الإدارية والسياسية العليا إلى رجالات النظام المخلوع ثم بإتباعها نفس أسلوب النظام المخلوع في تلفيق القضايا للسياسيين ومنعها الاحتجاجات السلميّة واعتدائها على الصحافيين اعتداءات فظيعة ومتكرّرة وهذا نفس أسلوب الذي كان يعتمده النظام البائد، وإلى حدّ الآن لم تحرّك هذه الحكومة تتبّعات ومحاسبة الذين استولوا على المال الخاص والعام كما أنّها لم تحرّك محاكمات الذين قتلوا واغتالوا وعذبوا أبناء الشعب ، والأغرب من ذلك أنّها لم تجدّ بصفة حازمة في محاكمة المتهمين في القضايا الأمنية والسياسية والحق العام التي حدثت بعد 14 جانفي 2011 مثل قضية الروحية وأحداث القصبة 3 وما رافقها من اعتداءات على المحتجين والصحافيين وعلى المقدسات وكذلك قضايا العروشية التي جدّت في المتلوي وقفصة وجبنيانة وقصر هلال ، وهي قضايا معروفة وخطيرة وهي لا تهدّد مسار الثورة فقط بل تضرب النسيج المجتمعي ووحدة الشعب ، حتى كأنّ السكوت عنها بمثابة تشجيع على اشتعالها في مناطق أخرى ودليلا على عدم جديّة في التصدّي الحكومي لميليشيات النظام المخلوع والميليشيات المنحرفة التي تتحرّك كلّما رأت قيام احتجاج سلمي لتفسده ولتخلط الأوراق ولا شكّ أنّ الحكومة تعرف هذه الميليشيات بنوعيها.
في هذا الخضم، حسب رأيك هل تقوم النخب والأحزاب بدورها الوطني والتاريخي؟
أعتقد أنّها مقصّرة كلّها وعليها أن تتحمّل مسؤولياتها أكثر وذلك بأن تلتفّ حول بعضها البعض وتعالج القضايا الأساسيّة للبلاد وتضبط مسارا صحيحا للانتقال الديمقراطي وتقلّل من التنازع والتجاذب في ما بينها وأن تقلّل من حرب المواقع ، فحرب المواقع القائمة حاليا تجاوزت كلّ الحدود فليراجع كلّ طرف مساره بالتأكيد أكثر على الاهتمام بمعالجة القضايا الأساسيّة لإنقاذ البلاد.
تتحدّث كثيرا عن إنقاذ البلاد، هل هي في خطر حقيقي؟
نعم، إنقاذ البلاد يتمثّل بالأساس في إخراجها من اللاشرعية إلى الشرعية وبالتالي نقلتها من اللاديمقراطية إلى الديمقراطي...والمسار إلى ذلك غير مؤكّد وبه العديد من المحاذير والمخاوف.
المشهد السياسي فيه تجاذب إيديولوجي يراه البعض خطرا على مسار الثورة كذلك؟
هو ليس فقط تجاذب إيديولوجي ، بل إنّ أهم أسباب التجاذب هي في إثارة بعضهم لبعض القضايا التي هي ليست بقضايا جوهريّة وإنّما هي تهميش للقضايا الأساسيّة وذلك لصرف الأنظار عن المعالجات المطلوبة لمصلحة الشعب والبلاد منها مثلا قضية اللائكيّة وقضية المساواة في الإرث والحقيقة فإنّ هاتين المسألتين لا ينبغي إثارتهما لأنّهما من المسائل الهامشيّة التي لا منفعة ولا جدوى من طرحهما والحوار حولهما داخل مكوّنات المجتمع المدني، فقضية اللائكيّة – مثلا- بعيدة كلّ البعد عن المجتمع المدني التونسي ومن المتأكد أنّ الهويّة الأساسيّة لمجتمعنا العربي في تونس هي هوية عربيّة إسلاميّة تكرّست بحكم الثقافة وبحكم النضال والتاريخ والعادات وبكلّ مقوّمات الحياة ولا شكّ أنّ جملة مكوّنات المجتمع المدني والمواطنين والمواطنات هم مجمعون على أنّ هوية بلادنا عربيّة إسلاميّة وأن لا مجال لللائكيّة في تونس كما أنّه لا مجال للدولة الدينية إنّما الدولة التي يؤيّدها ويرغب فيها مجتمعنا هي الدولة المدنيّة لأنّ المجتمع التونسي كلّه مسلم ولأنّ هويّته عربيّة إسلاميّة وبالتالي فلا فائدة في خلع الأبواب المفتوحة، على أنّني أؤكّد أنّ التجاذب الإيديولوجي موجود ولا ينبغي التخلّي عنه لأنّه تجاذب حول المبادئ غير أنّه لا ينبغي أن يطغى ويتسبّب في تشظّى المجتمع المدني ويفتّت الوحدة الوطنيّة وبالتالي نحن في حاجة إلى تجاذب سياسي إيديولوجي حتّى لا يتخلّى المجتمع عن مبادئه المتنوّعة والتي تثري بعضه البعض ويصل إلى وفاق سياسي يجد فيه كلّ طرف نفسه ويُشارك فيه وبذلك تتكوّن وحدة وطنيّة حول قواسم مشتركة في معالجة القضايا الوطنيّة لمصلحة البلاد ، على أنّي أشير أنّ هناك مبالغة مشطّة في الصراع على المواقع صحيح لا بدّ من الطموح والناس حقيقيون بالأهداف الوطنيّة من خلال ارتقائهم إلى المواقع ولكن ألاحظ بأن هناك تجاذبات فاقت الحدود المطلوبة وينبغي تعديل المواقف وعقلنة التنافس بالقبول بالآخر وتقاسمه الأدوار من أجل مصلحة الوطن.
لكن هذا التجاذب بلغ حدّ الشيطنة بين الأطراف السياسية والإيديولوجية؟
في رأيي لا بدّ من التمسّك بالتجاذب المعتدل والقبول بالآخر حتّى لا ينقلب إلى حرب وشيطنة كما تقولون من أجل كسب المواقع.
هناك تخوّفات من مشروع إسلامي ظلامي في تونس، عبّرت عنه بعض الأطراف السياسيّة في إشارة إلى إمكانية صعود حركة إسلاميّة (هي النهضة) إلى الحكم ؟ ما موقفكم من هذه المخاوف؟
أنا شخصيّا أرى أنّ كلّ مجموعة أو حركة سياسيّة وطنيّة في تونس من حقّها أن تُشارك في الحياة السياسيّة وان تُدلي بدلوها في الانتخابات مهما كان نوعها غير أنّ المطلوب من الجميع أن يسلك الطريق السلمي الديمقراطي وأن يتخلّى عن العنف وعن الاستقواء بالأجنبي وبالمال السياسي وليس لي أيّ تخوّف من حركة النهضة التي من حقّها أن تعبّر وأن تشارك في الحياة السياسيّة وأيّ حزب أو حركة ينجح في انتخابات موضوعية شفافة شرعية سواء أكانت حركة النهضة أو غيرها فأهلا وسهلا به وطوبى له عن جدارة إن فاز ديمقراطيّا.
نأتي إلى البشير الصيد نفسه، تتعرضون إلى اتهامات حملة إدانة وتشويه: هل هي حملة مغرضة أم لها بعض الأسباب والمبرّرات الواقعيّة ؟
ما أؤكّده لكم وللرأي العام في الداخل والخارج إنّي أتعرّض إلى حملة شعواء مغرضة منذ حوالي ثلاث سنوات طالت اعتباراتي المهنيّة والسياسيّة والحقوقيّة وحتّى حياتي الخاصّة وهدف هذه الحملة التي اشتدّت هذه الأيّام هو إزاحتي من المشاهد السياسية والحقوقيّة والشؤون العامّة بالطعن في ذمّتي وتشويه سمعتي وإسقاط مسيرة نضالاتي الطويلة والتي امتدّت حوالي أربعة عقود على المستويات المهنية والحقوقية والسياسيّة وبكلّ أسف فإنّ هذه الحملة تشترك فيها عدّة أطراف داخليّة وخارجيّة وحتّى من بعض العناصر المتواجدة في إطار التوجّه القومي.
من هي هذه الأطراف؟
لا أريد الآن ذكر الأسماء لأنّي أترفّع عن الدخول في التفاهات والشجارات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع ولكنّها تؤجّج وتهمّش دون جدوى.
هناك من يعتبر أنّ استقالتكم الأخيرة من المسؤولية الأولى لحركة الشعب الوحدويّة التقدميّة هي رمي للمنديل أمام خصومكم ، وربّما يرونها حالة من العجز أمام الحملة التي تُقاد ضدّكم؟
جوابي الصحيح ، لا هذا ولا ذاك ، أي أنّ استقالتي ليست عجزا ولا رميّا للمنديل كما ذكرتم لأنّي لست خاشيّا ولا مُباليّا بالحملات المسعورة المقامة ضدّي منذ مدّة طويلة والتي يؤجّجها بعضهم شيئا فشيئا ، وإنّ ما قمت به يندرجُ في إطار تصحيح المسار القومي ، ذلك أنّ الأسباب التي دعتني إلى الاستقالة تتمثّل في معطيات من أهمّها :
1 وجدت في قيادة الحركة البعض من إطاراتها قد حادت عن مبادئ وأهداف الحركة وركّزت عملها على أجنداتها الشخصيّة ممّا نجم عنه تعطيل نشاط الحركة وشلّ دواليبها الرسميّة بالامتناع عن حضور اجتماعات المجلس القطري والمكتب السياسي.
2 عقد اجتماعات متعدّدة خارج الهياكل الرسميّة ( اجتماع بقفصة واجتماع سوسة 1 وسوسة 2 واجتماع نابل) دون علم المنسّق العام للحركة وعدد من أعضاء المكتب السياسي.
3 إقصاء أهم مجموعات الشباب المنتمية إلى الحركة ومنعها من أداء دورها الطلائعي ممّا دفع هذه المجموعات للاستقالة من الحركة، ولا شكّ أنّه لا مستقبل للحركة بدون شبابها خاصّة أنّ المجموعات المستقيلة هي من أهم كوادر الحركة لأنّ أغلبهم يحملون شهائد عليا ويتمتّعون بالنضال.
4 التسرّع في عقد مؤتمر الحركة من المجموعة التي أصرّت على عقده وكنت اقترحت تأجيله إلى أن تتمّ تسوية مطالب مجموعات الشباب المستقيل لكن المجموعة المتسرّعة في عقد المؤتمر بعجالة امتنعت عن ذلك وكنت اكتشفتُ منذ مدّة أنّ عددا قليلا من إطارات الحركة لا يُمكن لي مواصلة العمل معهم في إطارها ، وكنت وجّهت رسالة إلى القوميين على أنّني سوف لن أترشّح لأيّ موقع قيادي أثناء المؤتمر وأكّدت أنّني حريص على عقد المؤتمر والإشراف عليه لكن عجّلت باستقالتي قبل عقده لأنّني لا أريد أن أشارك أو أترشّح أو أحضر مؤتمرا هو تقسيمي بالضرورة لأنّه قسّم الحركة إلى شقين ، شقّ بقي بها وشق استقال منها.
وهكذا يتبيّن أنّ استقالتي كانت في إطار تصحيح المسار.
البعض يصف ما حدث داخل حركة الشعب الوحدويّة التقدميّة بأنّه «انقلاب» لمجموعة ما على البشير الصيد الّذي استنجد بها في وقت سابق عندما طرحت مسألة التوحيد؟
في الحقيقة هي ليست كما قلتم ولكنّها محاولة من بعض الّذين انضمّوا لنا والقادمين من حركة الشعب بمناسبة الإعلان عن التوحيد يوم 20 مارس، ولم أكن عاجزا عن التصدّي لذلك لكن أيقنتُ أنّه لم يوجد ما يُرغّبني في مواصلة العمل معهم.
ما حدث داخل حركة الشعب الوحدويّة التقدميّة يُعيد طرح موضوع فشل توحيد التيارات القوميّة في تونس، وكأنّ التشتّت هو قدرها؟
أيّا كان الأمر فإنّي مصرّ على مواصلة العمل من أجل توحيد القوميين وإن وجدت صعوبة في العمل داخل تلك الحركة فإنّ هناك مسارات أخرى أتّبعها لتسخير جهودي لتوحيد العائلة القوميّة.
ماذا تنوون فعله في هذا الإطار وبعد هذه الأحداث والمستجدّات؟ وهل ستترشحون لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي؟
لا شكّ أنّي سأواصل مسيرتي النضاليّة في مختلف الأصعدة وسأتواجد في مواقع وأطر أخرى ، والحمد لله أنّه لي من التجربة السياسيّة والنضاليّة ما يُمكّنني من ذلك ، ومن المتّجه أنّه في الندوة الصحفية التي سأعقدها أنا والإخوة المستقيلون يوم الإثنين 5 سبتمبر (العاشرة صباحا بنزل أفريكا) سيقع الكشف عن نافذة مستقبليّة في الموضوع.
أمّا بخصوص انتخابات المجلس الوطني التأسيسي فقد قرّرت عدم الترشح حتى أتمكن من خدمة البلاد والشعب خارج المحاور والاستقطابات إذ أعتقد أنني بهذه الطريقة أكون أكثر إفادة للجميع عندما أكون خارجا عن حرب المواقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.