احتفاء بالإنسانية في مختلف تجلياتها وبالحب والحياة، قدم أمس السبت عازف "الترومبيت" العالمي ، ابراهيم معلوف، على ركح مسرح قرطاج الأثري حفلا فنيا يحمل عنوان ألبومه الأخير "إبراهيم معلوف وأبواق مايكل انج". هذا العرض الإيقاعي الصاخب الذي يزاوج بين روح الموسيقى العربية والإيقاعات الموسيقية المختلفة، قدمه معلوف في سهرة السبت أمام مدارج تعج بآلاف الجماهير، الذين اختاروا حضور هذا الحفل ضمن فعاليات الدورة 59 من مهرجان قرطاج الدولي (من 19 جويلية إلى 21 أوت 2025)، ممن هتفوا ورددوا ورقصوا مع معلوف مع كل معزوفة تم تقديمها، فتحول المسرح الروماني بكل مكوناته من ركح ومدارج إلى ساحة للعرض الذي لعب فيه الجمهور دورا هاما من خلال أصواتهم وحركاتهم المعبرة عن الرغبة في التحرر من قيود اليومي والتزاماته، وعيش لحظات من الحماس والحركة على أنغام الترومبيت والساكسوفون والغيتار والطبول. قدم معلوف رفقة أعضاء فرقته مشهدية كاملة، تقوم قصتها على أحداث واقعية تراوح بين الألم والسعادة، سيما وأن معلوف صاحب هذا المشروع الفني ولد خلال الحرب بلبنان وتحديدا سنة 1980، نجا من الموت أثناء ولادته حين تعرض المستشفى إلى القصف، وتشبث بالحياة ليروي بفنه وكلماته قصة طفل هرب مع أبويه إلى فرنسا في العاشرة من عمره، حيث انتقل من بلد إلى بلد ومن ثقافة إلى أخرى ليجد نفسه عاجزا عن التواصل مع كل المحيطين به إلا تلك الآلة الفنية التي كانت رفيقة عزلته وأداته للتواصل مع العالم. في افتتاح عرضه أشار معلوف إلى أن هذا المشروع هو عبارة عن حفل "زواج"، واحتفاء بالحياة ولهذا كانت مختلف المعزوفات ذات طابع احتفالي، وقد قام العرض على المزج بين أنماط موسيقية مختلفة فكانت البصمة والروح شرقية، والآلات كلها غربية، أما الإيقاعات فمزجت بين العربية والغربية والإفريقية حتى أن بعض النغمات تشبه في صوتها أصوات موسيقى السطمبالي وتحديدا آلة القمبري. ولأن العرض قائم على مقاربة إنسانية مرجعيتها بالأساس التجربة الحياتية لمعلوف الذي نشأ في عائلة موسيقية من أبوين يمتهنان الموسيقى، حتى أن والده نسيم معلوف هو صانع الترومبيت التي يعزف عليها، وتربى بين شخصيات من مرجعيات ثقافية واجتماعية مختلفة ومن أصول مختلفة أيضا، فقد جمع هذا الفنان معه فرقة يحمل كل واحد فيها قصة إنسانية خاصة. معلوف القادم من سياق ثقافي واجتماعي مؤلم، أبى أن يعبر عن غضبه وسخطه على كل ما عاشه هو ومايعيشه الأبرياء في العالم بسبب الحروب، واختار التشبث بالحياة ووجه دعوة لكل من تابعه إلى ضرورة الاحتفال بالوجود رغم كل ما يدور من أحداث، فحتى وداعه لزياد الرحباني توفي يوم الحفل (السبت 26 جويلية) كان من خلال الموسيقى وتحديدا عزف مقطوعة من أغنية "سألوني الناس عنك يا حبيبي" التي كتب كلماتها منصور الرحباني ولحنها زياد الرحباني وغنتها والدته فيروز. وحتى في دعمه للشعبين الفلسطيني واللبناني، آثر الفنان التعبير عن هذا الدعم من خلال الكلمات والموسيقى وكأنها جسره الذي يربطه بالعالم في كل تفاصيله. تحدث معلوف كثيرا خلال العرض عن حياته، وطفولته وتكوينه وزوجته الفنانة هبة طوجي، وحتى عن الطرائف التي جمعته بوالده أثناء تعلمه للموسيقى، فكان العرض عبارة عن حكاية يتقاطع فيها السرد مع الموسيقى ومع الحركة والرقص والغناء. خ س