من المفارقات العجيبة بل المتناقضات الغريبة التي لم أجد لها تفسيرا أو مبرِّرا معقولا هذا العِداء للإسلام والمسلمين المتفشي في بعض البلاد الأوروبية المتمثل في التهديد بحرق القرآن الكريم من قِبِل بعض القساوسة ورجال الدين المسيحيين المتطرفين، وفي تصوير الرسول عليه الصلاة والسلام تصويرا كاريكاتوريا مشوها، وقديما قيل: (وإنما الناس أعداء لما جهلوا... والشيء من مأتاه لا يستغرب... وكل إناء بالذي فيه يَرْشَح...) وفي مقابل هذا العداء وهذه التصرفات المناهضة والمناوئة للإسلام نجد كثيرا من العلماء الغربيين والمستشرقين منهم على الخصوص يخدمون لغة القرآن ويحققون فيها القواميس اللغوية القديمة، ويؤلّفون فيها المعاجم التي تُعين الدارسين على معرفة أماكن الأحاديث النبوية الشريفة في جميع الصِّحاح والمسانيد، وأضرب لذلك هذا المثل الذي يملكنا من أمرهم فيه العجب ويجعلنا نتساءل عن الدوافع التي دفعتهم إلى بذل هذا الجهد الجبار في سبيل تأليفه ووضعه وترتيبه ترتيبا علميا محكما ليستعين به دارسو الحديث النبوي الشريف على الاهتداء إلى أماكن كل حديث في كتب الصِّحاح، ولكي يدرك القارئ قيمة هذا العمل فإني سأنقل عنوانه وأسماء مؤلفيه نقلا أمينا من صفحته الأولى حرفيا لكي يستطيع القارئ مقارنة موقفهم العلمي النزيه بموقف أولئك المعادين والمعادين مع سبِْق الإصرار والترصد. اسم الكتاب وأسماء مؤلفيه وناشره ومكان طبعه: (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي عن الكتب الستة (وهي: أبو داود ومسلم بن الحَجاج والنَّسائي والترمذي وابن ماجه والبخاري) وعن (مسند الدارمي وموطأ مالك ومسند أحمد ابن حنبل). ابتدأ ترتيبه وتنظيمه ونشره أ. ب . هاس- و ي . ب. مَنْسِنْج – أتبع نشره و . ب . دي هاس - و ي . ب . فن لون - و ي . ت . ب . دي بروين. مع مشاركة محمد فؤاد عبد الباقي، والمساعدات المالية هي من المجامع العلمية البريطانية والدانماركية والسويدية والهولندية والأنيسكو - والك . ف . س . ه - والهيئة الهولندية للبحث العلمي والاتحاد الأممي للمجامع العلمية – مطبعة بريل في مدينة ليدن سنة 1962). فما هي الدوافع التي دفعت هؤلاء المستشرقين إلى الانكباب على هذا العمل المضني الذي لا يهم إلا المسلمين في دراساتهم للحديث النبوي الشريف؟ ولم يكن بين هؤلاء الأجانب إلا مسلم وحيد وهو الذي قام بوضع (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) وما هي فوائد ودوافع هذه المؤسسات الأوروبية في صرف هذه الأموال الطائلة في سبيل طبع هذا الكتاب الذي يتكون من سبعة مجلدات تقع في 3731 صفحة من الحجم الكبير جدا. وفي مقابل ذلك ما الذي دفع أولئك المعادين للإسلام إلى التهديد بحرق القرآن، وهو عمل لا يكلف فاعله جهدا ويستطيع القيام به كل معتوه أو (جهلويه) ليست له ذرة من حب المعرفة والتمييز، وما الذي دفع هؤلاء الذين لهم نصيب كبير من المعرفة والمنهجية، إلى القيام بهذا العمل الشاق الذي ظل مرجعا لعلماء الحديث من المسلمين خاصة يهديهم إلى أماكن الأحاديث النبوية في جميع الصحاح والمسانيد المذكورة؟. أكاد أجزم بأن دوافع الطائفة الأولى المعادية لكل ما يتعلق بالإسلام هي الخوف من أن يجلب الإسلامُ العديد من أبناء دينهم إليه لأنهم رأوا أن كثيرا من عقلائهم ومفكريهم ينجذبون نحوه لما يرونه فيه من منطق سليم وحجج دامغة تفوق ما يجدونه في معتقداتهم المجانبة للعقل السليم، وأكتفي بتقديم هذا الخبر الذي قرأته في ملحق رمضان لجريدة الشروق بتاريخ 21 أوت 2011 ص 5 في ركن (كيف أسلموا؟) تحت عنوان: «الدكتور جوهانس قسيس كاثوليكي من كوالا لمبور»: (قضى هذا القسيس عشرين عاما من حياته في خدمة المسيحية عمل خلالها قسيسا للكنيسة الكاثوليكية في كوالا لمبور، لكنه كان شغوفا بالدراسة المقارنة في الأديان بحثا عن الحقيقة، وقد قضى سنوات كثيرة يدرس ضمن ما يدرسه كل ما يتعلق بالدين الإسلامي فبانت له الحقيقة وتجلت له واضحة، لذلك أسرع بالدخول إلى الإسلام وذلك بتاريخ 23 من شهر أفريل سنة 1975. ولما اهتدى بهديه تسمَّى باسم «يحيى عبد الرحمان» ويقول عن نفسه: «لقد كنت محظوظا حقا فبعد سنوات من الدراسة المقارنة في الأديان تأكد لدي أن الإسلام دين ذو قوة روحانية تقود الإنسان إلى الوحدة الأخوية وترشده إلى الله، وتؤكد له وحدانية الخالق), ومعلوم أن المبشرين الذين يقومون بالدعوة إلى المسيحية يبذلون جهدا جهيدا في سبيل تمسيح الناس، ويستغلون وضعية الفقراء واليتامى بإيوائهم وإطعامهم وإكسائهم وإظهار العطف عليهم واستغلال براءتهم فيمسحونهم ما داموا على الفطرة، خلافا لليهود الذين يرون أنهم شعب الله المختار ولا يَقبلون أن يدخل أحد من غير جنسهم في دينهم، وأما المسلمون فإنهم لا يقومون بالدعوة إلى الإسلام بطرق المبشرين، بدليل أن معظم الذين دخلوا فيه أسلموا عن اقتناع بعد تفكير وبحث ودراسة، على نحو ما رأينا بالنسبة إلى القسيس الكاثوليكي الدكتور جوهانس وأمثاله ممن اعتنق الإسلام في سن الرشد والإدراك (في حالة جواز ومعرفة) (مع سبْق الإصرار والترصد) كما يقول عدول الإشهاد وأهل القانون. وفي الختام أقول للذين يريدون نقد الإسلام عليهم أن يعمدوا إلى ذكر مآخذهم عليه من خلال القرآن نفسه ومن خلال النبوية الصحيحة والسيرة النبوية الموثوق بها، أما تصوير النبي صلى الله عليه وسلم سواء تصويرا حسنا أو مشوها فذلك عمل مجانب للصواب لأن صورته غير معروفة حتى لدى المسلمين الذين جاؤوا بعده بقليل فما بالك بغيرهم من المعادين المعاندين، (وكل إناءٍ بالذي فيه يرشح)، قال المتنبي في هذا السياق: ومَنْ يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ*يَجِدْ مُرًّا به الماءَ الزلالا وقول الإمام البوصيري في بردة المديح: (والحق ما شهدتْ به الأعداء) وهو من قوله تعالى: (وشهد شاهد من أهلها) لذلك أطالب المنددين بالإسلام أن يسألوا من بقي حيا من هؤلاء المؤلفين عن دوافعهم لتأليف ذلك المعجم المفهرس لألفاظ الحديث وأمثاله مثل كتاب: (تفصيل آيات القرآن الحكيم الذي وضعه بالفرنسية جول لابوم ويليه المستدرك لإدوار مونتيه ونقلهما إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي) ويقع في 671 صفحة من الحجم الكبير، ليدل قراء القرآن على الآيات التي تتحدث عن كل موضوع في كتاب الله، وبحصولهم على جوابهم حول هذا الموضوع سيعرفون الإسلام ويكفُّون عن مهاجمته مهاجمة عاطفية معادية، لأن (الحكم على الشيء فرع عن تصوُّرِه) كما يقول المناطقة. E-Mail : [email protected]