الفنان والسياسة... أية علاقة ؟ هل هي علاقة تقاطع أم علاقة توازي أم علاقة مسك العصا من الوسط كمال يقال؟. أسئلة نطرحها على خلفية الصراع الدائر منذ 14 جانفي 2011 بين الفنانين والمبدعين التونسيين بسبب تعامل بعضهم مع النظام السابق. وكثر الحديث في الفترة الأخيرة بعد سقوط النظام السابق عن الفنانين الذين عملوا أو تعاملوا مع هذا النظام وكان الفنانون والمبدعون عموما هم أول من أثار هذا الحديث داعين إلى ضرورة محاسبة ما أسموهم بفناني السلطة؟ والسؤال من فنان السلطة وهل يمكن الحديث عن فنان السلطة وفنان معارضة أو فنان ثوري بالمعنى السياسي ؟ وفي حالة وصول المعارضة إلى السلطة ماذا سيطلق على فنان المعارضة؟ أية علاقة؟ إن قضية علاقة الفنان أو المبدع بالسياسة وهي اشكالية كبرى وقديمة وقد تبانيت الآراء حولها منذ الأغريق إلى الآن فهنالك من يدعو إلى حيادته واستغلال المبدع نعني «الفن للفن» وهناك من يرى إمكانية تسخير المبدع لكنه لخدمة السياسة ويذهب رأي ثالث إلى تصور وسطي نعني مسك العصا من الوسط من التعامل أو التعاطي مع السياسة لأن المبدع لا يمكن في كل الحالات أن يكون في معزل عن السياسة كجزء من النشاط الانساني بحيث يصعب أو يستحيل تصور إبداع أو فن بلا حضور السياسة فيه. الفن للفن؟ وتجمع أغلب النظريات على أن حيادية الفنان عملية مستحيلة وحتى نظرية «الفن للفن» التي جاءت كردّ فعل دفاعي لحماية الفن والحفاظ على قدسيته وتميزه أفقدت الفنان العصر الأبرز في الممارسة الابداعية وهو الشعور الانساني كما أفقدت الفن أو الابداع حرارة الشعور والاحساس. أما نظرية «الفن في خدمة السياسة» وخدمة القضايا السياسية والاجتماعية عموما فقد بدأت في الحقيقة مع أفلاطون حين أطرد الشعراء من جمهوريته الفاضلة بحجة أنهم غير منتجين وكذابين كما يقول ونشطت هذه النظرية بالخصوص مع ظهور النظريات المادية والواقعية إلى درجة أن الفنان أو المبدع أصبح مطالبا بخدمة السياسة وأكثر من ذلك تابعا لها إذ يرى «بوجدانوف» مثلا منظر الستالينية الشهير أن المبدع يجب أن يكون خادما للثورة ومصلحة البرولوتاريا ورغم إنخراط العديد من المبدعين الروس وقتها في تطبيق نظرية «بوجدانوف» ومنهم «ماكسيم كوركي» و«مايا كوفسكي» اللذين ساندا الثورة بحماس كبير وجد هؤلاء أنفسهم في النهاية رهائن لسياسة الحزب الأمر الذي دفعهم في النهاية إما إلى الهروب أو الابتعاد أو الانتحار مثلما حدث مع الشاعر الكبير «مايا كوفسكي» فقد تحول الالتزام لدى هؤلاء إلى الزام خنق الابداع عندهم. وسط العصا وتعدو نظرية الوسطية بين مختلف النظريات المذكورة هي النظرية الامثل في تعامل الفنان أو تعاطيه مع السياسة لأنها تترك للفنان أو المبدع حرية التعبير والالتزام كذلك ولكن دون التورط في الدعاية السياسية المباشرة التي تمثل خطرا على الإبداع والمبدع وهو ما حدث مع بعض المبدعين في تونس سواء خلال الفترة البورقيبية أو الفترة «البنعليية» نسبة إلى الرئيس السابق زين العابدين بن علي وما يتعرض إليه هؤلاء من انتقادات منذ سقوط النظام السابق هو رد فعل عادي على ما قاموا به من دعاية سياسية سواء بمساندة النظام السابق أو بمناشدة قائده بقي السؤال هل نحاسبهم أم لا ؟ فذلك هو الإشكال! الإبداع هو المقياس إذ عدنا إلى الثورة البولشيفية نجد أن العديد من المبدعين الروس الذين سافروا الثورة وسياسة ستالين بالتحديد مثل ماكسيم غوركي ظل كبيرا في أعين الروس والعالم بأسره حتى الآن كما لم تقع محاسبته أو تجريمه على مساندته للستالينية وما أتاه زعيمها من جرائم لا لشيء سوى لكونه مبدعا حقيقيا ...وكم من السياسات المتطرفة مثل النازية أنجبت مبدعين وهل تمت محاسبتهم ومعاقبتهم أو إقصاؤهم ألم يكتشف المؤرخون والباحثون أن وغونتر غراس صاحب جائزة نوبل للأدب ذي سوابق نازية وبلزاك الذي يعتبرمن أعظم الأدباء الفرنسيين ذي مواقف رجعية معادية للتغيير الثوري ماذا فعل الغربيون هل سارعوا إلى محاسبتهم ومعاقبتهم وتدمير ابداعاتهم؟ لا ! لقد تمت مواجهتم بإبداعات مخالفة وأفكار معارضة كانت تكشف مساوئ وأخطاء ارائهم ومواقفهم إن المبدع شيء ومواقفه السياسية شيء آخر قد تخطئ ويفسد ولكن إبداعه يظل إبداعا. ان ما يحدث اليوم في تونس مع الفنانين والمبدعين الذين عملوا أو تعاملوا مع النظام السابق ليس مواجهة أو صراعا فكريا وإنما هو عبارة عن تشف وتصفية حسابات لا ترق حتى إلى المحاسبة ويكفي أن نسأل من يطالبون بمحاسبة هؤلاء الفنانين أو المبدعين ماذا قدموا هم من إبداع خلال فترة النظام السابق حتى يتسنى لهم محاسبة أو اقصاء هذا المبدع أو ذلك أين كان هؤلاء الفنانين والمبدعين لما كان النظام السابق يخنق كل الحريات بما فيها حرية التعبير الفني.