عديدة هي الندوب و»الجراح» الغائرة التي ألحقتها زمرة من الفنانين والمبدعين والمثقفين بنقاوة وجه ومحيا الحركة الابداعية والثقافية الوطنية على مدى سنوات حكم المجرم بن علي بفعل «مواقفهم» الفنية المخزية وانخراطهم الجبان والانتهازي- ولو عن غير قصد ربما بالنسبة للبعض - في التسويق ابداعيا وثقافيا للمقولات والشعارات التضليلية التي تأسس عليها حكمه الديكتاتوري والتجهيلي المعادي لكل نفس ابداعي حر... بالنسبة للبعض - في التسويق ابداعيا وثقافيا للمقولات والشعارات التضليلية التي تأسس عليها حكمه الديكتاتوري والتجهيلي المعادي لكل نفس ابداعي حر... فمن المطربين - مثلا - من تغنى «بالتونسي الحر الأصيل... الشامخ على كل القمم» في الوقت الذي كان فيه الانسان التونسي ذليلا ومقموعا وواقعا عمليا وفعليا تحت نير حكم «مافيوي» فاسد واستبدادي... وذلك فيما يشبه المحاولة المتملقة - ضمنيا-للتغطية على هذا الواقع البائس والمرضي... ومنهم من تغنت - زورا وبهتانا - «بتونس الأمن والأمان» التي «يحيا فيها الانسان»... في الوقت الذي كانت أجواء الارهاب الأمني والبوليسي مخيمة على رؤوس التونسيين جميعا... ومنهم من «تخصصت» على مدى عشرين عاما في احياء سهرات «الليالي الحمراء» والمجون والشذوذ التي يقيمها أولاد الطرابلسي داخل قصورهم التي بنوها من المال الحرام... أولاد الطرابلسي الذين استقووا بنظام المجرم بن علي ليستولوا على أموال التونسيين ولكي ينتهكوا أعراضهم وحرماتهم... هذا الرهط من الفنانين والمطربين «ثار» ضدهم بعض المثقفين والاعلاميين والنقاد بمجرد أن قامت الثورة المباركة ودعوا الى محاسبتهم... ومن بين الذين رفعوا شعار المحاسبة وشعار «ديقاج» في وجه هؤلاء زملاء لهم من الوسط الفني من أولئك الذين لم يخونوا أنفسهم ولم يخونوا رسالتهم الفنية ولم يتزلفوا وظلوا على امتداد سنوات الديكتاتورية والظلم والفساد بمنأى عن أي انخراط في «الترويج» للصورة الزائفة عن تونس وأوضاعها الثقافية والاجتماعية في عهد المجرم بن علي... دعوات المحاسبة هذه وشعارات «ديقاج» - وعلى الرغم من مشروعيتها الثورية - فانها بدت للبعض مجحفة وظالمة في حق البعض من هؤلاء وخاصة أولئك «النجوم» الذين خدموا بالفعل الأغنية والموسيقى التونسية من أمثال لطفي بوشناق وزياد غرسة... شخصيا ، كنت - والى غاية تاريخ أمس الأول - من الذين يميلون الى هذا الموقف، موقف غض الطرف و»التجاوز» وعدم التشهير خاصة ببعض الأسماء الفنية الكبيرة من أمثال لطفي بوشناق وصابر الرباعي وزياد غرسة... ولكنني غيرت موقفي اليوم بعد أن تناهى الى علمي أن نقابة فنية جديدة سترى النور رسميا بداية من اليوم - الثلاثاء - تحمل اسم «النقابة الوطنية للمطربين المحترفين» يرأسها لطفي بوشناق وتضم في هيئتها التأسيسية عديد من الأسماء «الكبيرة» من أمثال صوفية صادق وأمينة فاخت وزياد غرسة وصابر الرباعي وغازي العيادي وشكري بوزيان وغيرهم... أقول غيرت رأيي - لا لأن غالبية هذه الأسماء هي فعلا ضمن قائمة من «ناشد» المجرم بن علي لكي يواصل مسيرة القمع والفساد والاستبداد على حساب كرامة التونسي وعزة تونس - فهم أحرار في ذلك... ولكن لأن هيكلهم «النقابي» هذا يبدو - من جهة - وانطلاقا من عنوانه «استعلائيا»... والا ماذا يعني نقابة خاصة بالمطربين «المحترفين»... فهل أن المطربين الهواة هم أقل درجة من هؤلاء؟؟؟ كما يبدو - من جهة أخرى - هيكلا نقابيا «ضرارا» ربما ستكون لوجوده انعكاسات سلبية على وحدة «الوسط الفني»... لأنه «يدافع» فقط عن «النجوم» والمترفهين من المطربين... ولأنه أيضا يأتي ليشوش - بأتم معنى الكلمة - على هيكل نقابي أصلي سابق هو «نقابة المهن الموسيقية» التي بادر بتأسيسها في زمن الشدة - زمن المجرم بن علي - مجموعة من الفنانين والموسيقيين الشرفاء أغلبهم - حتى لا نقول جميعهم - لم يتلوث ولم «يناشد» وهي النقابة التي ترأسها في مرحلة أولى الموسيقار أسامة فرحات... يا جماعة «النقابة الوطنية للمطربين المحترفين»... رجاء تواضعوا ولا تنسوا أن «بيتكم» لا يزال من «زجاج» مادامت «الجراح» و«الندوب» التي أحدثتموها في وجه الساحة الفنية لم تندمل بعد... فلا ترموا شرفاءها من موسيقيين وفنانين وحرفيين سواء كانوا هواة أو محترفين «بحجارة» و«طوب» هيكلكم النقابي «الاستعلائي» - على الأقل من حيث التسمية-