تقديم : تفاعلا مع بعض الدعوات الّتي تنادي بضرورة تأسيس قطب إسلامي ثاني في تونس وخاصة منها دعوة الدكتور خالد الطراولي رئيس حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي في مقاله ( في الحاجة إلى قطب إسلامي ثاني في تونس)المنشور في شهر أوت 2011 أردت أن أساهم في إثراء هذا المقترح نظرا لما لهذا المقترح من إيجابيات على السّاحة السياسيّة في تونس عموما، وعلى الحركة الإسلاميّة خاصة منها السّياسيّة. وهي في الواقع مساهمة كنت قد نشرتها على صفحات بعض المواقع الإلكترونيّة كالحوار نت، وتونس نيوز وغيرها في شهر أفريل من سنة 2010. ولأن المقال في تقديري لا يزال في جوهره مواكبا لهذه المرحلة الثورية التّي تمر بها بلادنا ، يسعدني أن أعيد نشره مع بعض الإضافات والتعديلات الطفيفة التي تتماشى مع المرحلة الراهنة. (1). قراءة أوّلية للإسلام السّياسي في تونس: لقد غدا واضحا أن التيار الإسلامي التونسي تتجاذبه في الوقت الراهن رؤيتان أساسيتان في التغيير. الأولى ثورية تقليدية مثالية رافضة لكل شيء تعتمد أسلوب المغالبة والمحافظة والمراهنة على التحالفات الوهمية مُرتهنة في فعلها لضغط اللحظة الراهنة وردود أفعال تائهة،لا تصنع الحدث وإنّما تلهث وراءه، تكرر ذاتها،كلما تقدمت خُطوة تأخرت خطوات. والأدهى من هذا أنها تُصِرّ في مستوى سلوكها الميداني وخطابها المتشنج في غالب الأحيان على استمرار واقع الانغلاق السياسي، بل وخدمته موضوعيا رغم وَعْيِنَا جميعا باستثنائية هذا الواقع وشذوذه. هي رؤية ترفع شعار الحرية والديمقراطية، ولكنها ميدانيّا تمارس التهميش والإقصاء والتشويه.وأستطيع أن أجزم أن ما خلصت إليه من أحكام في هذا النطاق، قد يعتبرها البعض قاسية، لم تكن استنتاجا ورجما بالغيب،وإنّما هي واقع حقيقي عشناه ولمّا حاولنا مقاومته داخل ما يسمى بالأطر القانونية سامونا سوء العذاب وخاصة منه النفسي والأدبي. وباختصار شديد هي رؤية تخشى التجديد والإصلاح وما يستلزمانه من شروط ومطالب، مثل التداول على المسؤوليات والقبول بالرّأي الآخر. وأستغرب، بعد كل الذي رأينا، كيف لا نكف عن رفع شعار الديمقراطية، نزايد به على خصومنا ولا نطبقه على أنفسنا ؟ أمّا الرؤية الثانية، فهي ولئن لم تتضح معالمها ولم يكتمل بُنيانُها، فهي تطمح لأن تكون رؤية إصلاحية عقلانية تعتمد الواقعية والتدرج والإقناع والمشاركة كمنهج للإصلاح والتغيير الحضاري الشامل والإستراتيجي. وهي مقاربة في فهم الواقع،وترتيب الأولويات واستشراف المستقبل لا تدّعي الكمال ولا ملك الحقيقة، وهي لا تزال تعاني من أوجاع المخاض المبكر،لأنّها تنادي بالتجديد والإصلاح وإعادة التأسيس على ضوء ما يزخر به الواقع الجديد من مطالب وأولويات وتحديات جديدة لم تكن مطروحة بنفس الحجم في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. وبناء عليه أدعو كل أنصار التيّار الإسلامي التونسي في الدّاخل والخارج الّذين لم تعد مناهج العمل السياسي والتنظيمي في الوقت الرّاهن، أسلوبا وفكرا وخطابا ، تسعهم أن يفكروا بجديّة في البديل المناسب الذي يمكنهم من خدمة بلادهم والمساهمة الجدّية في دفع عملية التصالح الحقيقي والمبدئي والإستراتيجي بين الدّولة والتيار الإسلامي الوطني والمعتدل.أدعوهم أن ينصرفوا إلى البناء وأن لا يستنزفوا جهودهم في نقاشات عقيمة أكل عليها الدهر وشرب.لقد آن الأوان أن نوضح المنهج الإصلاحي الذي نتبنّاه بدون لف ولا دوران. بقلم: مصطفى عبد الله ونيسي