الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    موجة جديدة من الصواريخ الإيرانية على إسرائيل: ضربات على تل أبيب، حيفا وبئر السبع، أكثر من 100 جريح    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    نتائج الباكالوريا 2025: تفعيل خدمة الرسائل القصيرة، والتوجيه الجامعي يسير بخطى ثابتة    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    في واقعة نادرة.. استخراج هاتف محمول من بطن شاب بعد عامين من ابتلاعه    كيف سيكون طقس السبت 21 جوان 2025؟    8 علامات تشير إلى بيع بياناتك الشخصية عبر الإنترنت.. احذرها    باجة: إستقبال شعبي لقافلة الصمود [فيديو]    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    ترامب: قد أدعم وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل إذا سمحت الظروف.. مستعد للحديث مع طهران    22 سنة سجناً مع النفاذ العاجل في حق الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي وقيادات سابقة    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    "الستاغ" تعتذر من حرفائها..وهذه التفاصيل..    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    بلاغ جديد من النجم الرياضي الساحلي    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    قابس: أكثر من 250 مشاركا في الدورة 41 لمعرض قابس الدولي    وزارة الصحة تجدد دعوة الأطباء المقيمين إلى اختيار مراكز العمل    طبربة: إيداع مربي نحل السجن من أجل تسببه في حريق غابي    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    زيارة وفد نيابي الى المركب الصحي بجبل الوسط: تراجع خدمات المركب بسبب صعوبات عدة منها نقص الموارد البشرية وضعف الميزانية والايرادات    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    إزالة مخيم ''العشي'' للمهاجرين في العامرة..التفاصيل    وزير السياحة يؤدي زيارة إلى ولاية جندوبة    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    هجمات اسرائيل على ايران: السعودية تحذّر.. #خبر_عاجل    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    النادي الإفريقي يعلن عن موعد الجلسة العامة الانتخابية    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    حملة لمراقبة المحلات المفتوحة للعموم بدائرة المدينة وتحرير 8 مخالفات لعدم احترام الشروط القانونية (بلدية تونس)    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطان الدين وسلطة السياسة:د. رفيق حبيب
نشر في الفجر نيوز يوم 12 - 03 - 2009

الدكتور رفيق حبيبقد يرى البعض وجود مخاوف عملية من المشاريع السياسية التي تعتمد على المرجعية الإسلامية، من حيث إنها قد تفضي لنوع من التداخل والخلط بين سلطان الدين والسلطة السياسية، والمقصود بالطبع استخدام سلطان الدين في فرض السلطة السياسية، أو في تحقيق أغراض سياسية، بحيث يكون الدين في خدمة السلطة السياسية، تستخدمه في فرض نفوذها على المجتمع والدولة.

والمقصود من ذلك حدوث خلط بين السلطان الروحي للدين وبين السلطة السياسية التي تحوزها طبقة أو فئة أو حركة، وهذه المخاوف تحتاج لتبين أسبابها؛ فأي حديث عن الخلط بين الدين والسياسة أو استخدام الدين، أو المزج بين الدين والسياسة، غالبا ما يكون محاولة لرفض المشروع الإسلامي عن طريق التخويف منه.
التجربة التاريخية الإسلامية
ونحن أمام احتمالين يعبران عن تلك التصورات أو المخاوف، الاحتمال الأول يدور حول فكرة السلطة الدينية أو الدولة الدينية، ويعني هذا الاحتمال أن أي دور للدين في السياسة سيؤدي إلى قيام السياسة على السلطة المطلقة، أي الحكم بالحق الإلهي.
والحقيقة أن التجربة الإسلامية التاريخية لا تعرف هذا النموذج الذي عرفته التجربة التاريخية الغربية المسيحية، ومع هذا يحاول خصوم المشروع الإسلامي تصويره على أنه نوع من الحكم بالحق الإلهي، أي ديكتاتورية دينية، رغم أن هذا التصور يتعارض مع الرؤية الإسلامية أساسا، وليس له أي سند في الرؤى الفقهية، كما أنه لم يحدث تاريخيا بهذه الصورة.
والاحتمال الثاني أن تكون المرجعية الدينية وسيلة تستخدم لجذب الأتباع والأنصار، وهو ما يقال عنه استخدام الدين في السياسة، والمقصود هنا استخدام الشعار الديني والمرجعية الدينية لتحقيق أغراض سياسية، وتعريف ذلك مثلا بأن ترفع حركة سياسية شعارات دينية لا تلتزم بها، وهي بهذا تستخدم الشعارات الدينية حتى تحصل على التأييد الجماهيري.
كما يوجد نموذج آخر لما يمكن تسميته باستخدام الدين، حيث تستخدم السلطة القائمة الدين كي تبرر سياساتها وتكسب شرعية لدى الناس، دون أن تلتزم فعلا بالمرجعية الدينية، ومن هذا محاولات السلطة السياسية السيطرة على المؤسسة الدينية، حتى تكون آراؤها الدينية في صالح السلطة الحاكمة.
ويضاف لذلك حدوث نوع من التزاوج بين السلطان الديني والسلطة السياسية بصورة تمنع التعددية السياسية والفكرية، وتجعل الدولة كجهاز للسلطة التنفيذية قادر على توحيد الرأي الديني بصورة تمنع التعدد في الآراء والاجتهادات، وتحيل الاختلاف في الرأي إلى نوع من الخروج على النظام الحاكم والدين معا، وهو ما يمثل نوعا من أنواع ممارسة السلطة الدينية، أي احتكار سلطان الدين لصالح من يملك السلطة السياسية.
تلك النماذج والمخاوف كما قلنا لا تجد مبررا كافيا لها من التجربة الإسلامية نفسها، مما يجعل البعض يتساءل عن سبب تحميل المشروع الإسلامي مشكلات ليست من طبيعته، وليست من مكوناته الأساسية، فكل مشروع له مشكلاته وقضاياه الخاصة، ولكن أصبح من الغالب لدى أصحاب الاتجاه العلماني تحميل المشروع الإسلامي بمشكلات ليست من طبيعته وليست واردة في تجربته.
ومع ذلك نرى أن هناك بعض الأسباب والاعتبارات التي تعطي أهمية مناقشة تلك القضايا، ليس بغرض الرد على الطرح العلماني المخاصم لفكرة المشروع الإسلامي من أساسها، ولكن لبيان تصور عن كيفية ممارسة السياسة في المشروع الحضاري الإسلامي، في الظروف المعاصرة، وأيضا لبيان ملامح تيار الوسطية الإسلامية، والذي يمثل الحل القادر على تجنب التأثيرات السلبية للواقع الراهن للأمة على التجربة الإسلامية.
ومن هنا نرصد النقطة المهمة في مسألة العلاقة بين سلطان الدين والسلطة السياسية، فالمشكلة التي تثيرها تلك العلاقة ليس لها علاقة متينة بالتاريخ الإسلامي، قدر علاقتها بالظروف والتحديات الراهنة، فهي ليست فقط مخاوف مفتعلة من قبل أصحاب الاتجاه العلماني، ولكنها قد تكون مشكلات متعلقة بكيفية تطبيق المشروع الإسلامي في الظروف الراهنة، وتكون بالتالي نابعة من بعض مشكلات الواقع الراهن.
فيروس السلطة الدينية
إذا بعدنا عن خطاب التربص بالمشروع الإسلامي، نقصد الخطاب العلماني، فسنجد أن المخاوف الحقيقية من قيام سلطة دينية على يد حركة إسلامية لن تكون نابعة من المشروع الإسلامي الذي تقدمه هذه الحركة، بل ستكون نابعة من تأثر الحركة بالظروف الراهنة المحيطة بها، وبالأوضاع السياسية القائمة في البلاد العربية والإسلامية، وبالتجارب السياسية في البلاد الغربية، ونشير هنا إلى بعض النماذج المهمة، ليس على سبيل الحصر، ولكن كتأكيد لأهم تلك النماذج في تصورنا.
·واقع السلطة السياسية في البلاد العربية والإسلامية حفل منذ منتصف القرن العشرين بالعديد من التجارب التي قامت على السلطة المستبدة المطلقة، والتي حازت فيها فئة أو طبقة حق الحكم والاستمرار فيه لعقود طويلة، وهذا الوضع يؤثر سلبا على قدرات الأمة السياسية، ومدى قدرتها على المشاركة في الحكم، ومدى ممارستها لحقها في اختيار الحاكم ومحاسبته، مما يجعل تجربة الحركات الإسلامية محفوفة بمشكلات كثيرة، هي في الواقع مشكلات الانتقال من الاستبداد إلى الشورى والديمقراطية.
·تمدد الدولة وسلطتها، ومعها تمدد السلطة التنفيذية في الواقع الراهن بصورة جعلت من جهاز السلطة التنفيذية جهازا قابضا ومسيطرا على معظم مجريات الحياة، وبهذا نكون بصدد نموذج مختلف للدولة، له سلطة التدخل في معظم جوانب الحياة، وهنا تبرز إشكالية تصور دولة قابضة بهذه الصورة ولها مرجعية دينية، فقد يعني هذا نوعا من السلطان الديني، أو نوعا من التدخل في حياة الناس الاجتماعية والدينية.
·معظم الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية مارست عملية السيطرة على المؤسسات الدينية من أجل احتكار الرأي الديني، وهذا ما حدث في مصر مثلا، من خلال السيطرة على مؤسسة الأزهر الشريف، وجعلها جزءا من مؤسسات الدولة، أي جعلها مؤسسة خاضعة للسلطة التنفيذية، وهذا يجعل النخبة الحاكمة مسيطرة على الرأي الديني، والذي يسمى الرأي الديني الرسمي؛ مما يجعلها قادرة على استخدام الرأي الديني لمصلحتها، كما أنه يعطيها الفرصة لتوظيف الرأي الديني لتأييد سياساتها، كما يعطيها الفرصة لفرض أو منع أو تحريم الآراء الدينية التي لا توافق عليها ولا تخدم سياساتها.
المرجعية حكم أعلى
ربما لا نحتاج للتأكيد على طبيعة الحركات الإسلامية ومشروعها، ولكن من المفيد تحديد العلاقة بين الحركة وبين الدين، فالدين بالنسبة للحركات الإسلامية هو مرجعية للحركة، ومرجعية تحاول الحركة استعادتها لتكون مرجعية النظام السياسي والدولة، وبالتالي تكون المرجعية العليا الحاكمة للأمة، والمرجعية تمثل حكما أعلى.
فالمرجعية الإسلامية هي القاعدة والحكم الأعلى الذي تحاسب على أساسه الحركة الإسلامية نفسها، والمشروع الذي تعمل من أجله الحركات الإسلامية يعمل من أجل جعل المرجعية الإسلامية هي المرجعية العليا للدستور والنظام السياسي، ومعنى هذا أن هذه الحركات عندما تصل للحكم وتطبق مشروعها تصبح المرجعية الإسلامية هي المرجعية العليا، أي المرجعية فوق الدستورية، التي تعمل من خلالها الحركة وتحاسب من خلالها أيضا، وبهذا فالحركات الإسلامية لا تحمل المرجعية الإسلامية كأداة لفرض سلطتها، ولكن تحمل المرجعية الإسلامية كمعيار تعمل من خلاله وتحاسب من خلاله.
فالمرجعية هنا هي القيمة العليا التي تحاسب الحركة من خلال مدى التزامها بها، وتطلب تأييد الناس لها بقدر التزامها بها، ومعنى هذا أن خروج أي حركة عن هذه المرجعية يؤدي إلى فقدانها لتأييد الناس، كما يلاحظ أن ثوابت المرجعية الإسلامية هي ما أجمعت عليه الأمة وأجمع عليه العلماء، لا ما تراه الحركة الإسلامية، والحركة التي تنادي برؤية معينة لا يمكن لها تطبيق رؤيتها الإسلامية هذه إلا إذا أصبحت هي الرؤية الإسلامية السائدة بين أبناء الأمة.
إذن هذا هو المعيار الأول الضامن لمسار الحركات الإسلامية حتى يكون مسارها محققا لولاية الأمة بوصفها مصدر السلطات والشرعية، ونقصد به أن ثوابت وأسس المرجعية الإسلامية هي المتفق عليه من الأمة، وأن هذه المرجعية الإسلامية هي دستور الأمة، وبهذا عندما تنادي الحركة الإسلامية بمشروعها فهي تحصل على الحق في تطبيق مشروعها؛ لأنها تلتزم بالمرجعية العليا للأمة، وهي بهذا المرجعية العليا لأي دستور في البلاد العربية والإسلامية.
ولهذا نقول إن تيار الغلو الذي يكفر غالب الأمة وكل تيار يرى أن الأمة ليست على صواب ولا يدعوها لما يعتقد، بل يرى أن من واجبه أن يفرض عليها ما يرى من خلال السلطة السياسية، هو في الواقع يمثل خروجا على المشروع الإسلامي القائم أساسا على ولاية الأمة ومسئوليتها عن مشروع النهضة.
فالأصل أن من يملك مشروعا يدعو له الناس، فإن استجاب له الناس، أصبح يملك مشروعية الحكم، وبهذا يحقق شرعية السلطة، ولكن كل من يرى أن الناس ليست على حق، وأن عليه تصويب مسارها بالسلطة، يكون قد اغتصب حقوق الأمة المتمثلة في أنها مصدر السلطات والشرعية، وأنها صاحبة الولاية، والتي يحق لها توكيل من ترى في تلك الولاية.
الشورى والديمقراطية أولا
وخلاصة تلك المسألة أن الوصول للحكم يجب أن يلتزم بالشورى الملزمة، والتي تتحقق من خلال آليات الديمقراطية بوصفها أفضل طريقة متاحة لتحقيق الشورى، بما يعني أن الأمة هي التي تختار حاكمها، وهي التي تحدد مرجعيتها وتحاسب الحاكم وتوليه وتعزله، وبهذا تكون المرجعية حكما على الحاكم، ومعيارا تحاسب الأمة عليه الحاكم، ولا تكون المرجعية سيفا من الحاكم يفرض سلطانه من خلاله.
وتصبح طريقة الوصول للحكم بهذا المعنى من المعايير المهمة للتأكد من أن سلطان الدين حكما على السلطة، وليس وسيلة لفرض السلطة، والحركة التي تتبنى رؤية لا توافقها الأمة عليها يكون عليها دعوة الأمة لرؤيتها، فإذا تحقق لهذه الرؤية الأغلبية، أصبحت هي الرؤية المعتمدة من الأمة، وإن لم تتحقق لها الأغلبية، فلا يجوز عندئذ فرض هذه الرؤية على الأمة من خلال الاستيلاء على السلطة.
وذاك هو المنحى والمنهج الوسطي، فالوسطية الحضارية الإسلامية تقوم على منهجية تعلي من سلطة الأمة بوصفها صاحب الحق الأصيل في توكيل الدولة والحاكم في تنفيذ رؤيتها، والمنهج الإصلاحي السلمي المتدرج، والذي يمثل الوسطية الحضارية الإسلامية، يمثل منهجية مناسبة لمنع قيام أي شكل من أشكال السلطة الدينية، أو الحكم بالحق الإلهي، فالرؤية الوسطية تعلي من شأن دور الأمة في تحديد مستقبلها، وصناعة نهضتها.
لذا نقول إن من شروط قيام النهضة الحضارية الإسلامية تفكيك السلطة المستبدة والتي تنتشر في غالب الدول العربية والإسلامية، وقيام حكم الشورى الذي يتخذ من الديمقراطية آلية أساسية لتحقيق مبدأ أن الأمة هي مصدر السلطات والشرعية.
يستتبع هذا الحد من تمدد دور الدولة، والأمر لا يتعلق فقط بالأدوار التي تقوم بها الدولة، والتي قد تتغير بتغير الظروف، ولكن يتعلق أيضا بنوعية سلطة الدولة، فنتوقع تغير دور الدولة بقدر ما تنهض الأمة وتقوم بدورها في النهضة وفي بناء المجتمع الناهض والمتماسك والمتضامن والمتكافل، ولكن من المهم تعريف نوعية السلطة التي تحوزها السلطة التنفيذية والتي تمارس من خلال جهاز الدولة، فهذه السلطة هي نوع من التوكيل الصادر من الأمة إلى الدولة.
وعندما تمارس الدولة دورها كوكيل عن الأمة، تلتزم بما تراه الأمة مناسبا لها، وما تريده الأمة لمستقبلها، وما تراه الأمة كقيم عليا حاكمة لها، عندئذ تصبح سلطة الدولة محكومة بعقد الوكالة، والذي تلتزم به السلطة التنفيذية، وكل سلطات النظام السياسي.
هنا يتم فعلا الحد من تمدد الدولة على حساب المجتمع أو على حساب الأمة؛ لأن الدولة ستكون محددة في أدوارها بما تريده الأمة منها، وما تحتاجه الأمة منها، فالوكيل يقوم بالدور الموكل له، ولا يملك حقا في التمدد خارج إطار التوكيل الممنوح له، كما لا يملك حقا لفرض سلطة مطلقة على صاحب الحق في الوكالة والذي منحه التوكيل.
وعندما تتأسس الدولة والسلطة التنفيذية على هذا الفهم، تصبح السلطة في خدمة الأمة وملتزمة باختيارات الأمة وحاجاتها وتوجهاتها، وهنا يصبح سلطان الدين بوصفه المرجعية العليا التي اختارتها الأمة حكما على الدولة والسلطة التنفيذية وكل السلطات، بوصفه دستور الأمة والذي ينبع منه دستور النظام السياسي.
وحتى يتحقق كل هذا يجب أن تكون الأولوية لإنهاض الأمة وتقوية المجتمع وتعميق الدور السياسي للأمة، فتصبح الأمة هي الضامن الرئيسي المانع لقيام أي سلطة مستبدة، وتصبح الأمة هي صمام الأمان للمشروع الحضاري الإسلامي.
توازن وتكامل المؤسسات
وحتى يتم قيام نظام سياسي على مرجعية إسلامية، ويتم تحقيق ذلك مؤسسيا، نحتاج للنظر إلى العلاقة بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية، فإذا حدث نوع من الهيمنة من أي مؤسسة على الأخرى، والغالب أن يحدث هيمنة للمؤسسة السياسية على المؤسسة الدينية، فسنكون بصدد حكم يقوم على السلطة الدينية، أي الحكم بالحق الإلهي المطلق، أو حكم يستخدم الدين.. لذا تصبح القاعدة الأساسية هي الاستقلال الكامل بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية، حيث تمارس المؤسسة السياسية السلطة المخولة لها من الأمة، وتخضع لمحاسبة الأمة ومراقبتها.
أما المؤسسة الدينية، ونقصد بها خاصة المؤسسة العلمية الدينية، فيكون دورها هو التعليم والعلم الديني، وكذلك إعلان رأيها للناس وللحكام؛ فالمؤسسة الدينية هي مؤسسة رأي، وهي صاحبة العلم المؤهل للتوصل للرأي الديني، ولكن ليس لها سلطة فرض هذا الرأي أو اعتماده كرأي رسمي لا يمكن الخروج عليه، بل نقول إن فاعلية المؤسسة الدينية تتوقف على مصداقيتها بين الناس، وقدرتها على إقناع الناس بما تطرحه من آراء.. ولذا يكون دور مؤسسة الرأي الديني هو إعلان رأيها؛ وبقدر ما يحوز رأيها توافقا عاما بين الناس، ويصبح رأيا عاما يطالب المجتمع السلطة السياسية به، بقدر ما يكون ملزما للسلطة، بوصفها وكيلا عن المجتمع وملتزمة بما يطالبها به.
بهذا تظل المؤسسة الدينية تقوم بدورها في المجتمع كمؤسسة رأي عام، وهذا ينطبق أيضا على علماء الدين، والرأي الديني نفسه سوف يتعدد ويختلف، وبهذا سيكون داعما للتعددية في المجتمع، ومع تعدد العلماء وتعدد المؤسسات أيضا سيكون دور المؤسسة الدينية عامة، والتي تستقل تماما عن الدولة، داعما للتعددية.
أما في الشأن السياسي، فإن تعددية الآراء والتيارات السياسية ستمثل ثراء الأمة وتنوعها، ومن هذه التعددية يتم استخلاص الرأي الغالب بآليات الديمقراطية، وهو ما يكون ملزما للسلطة المنتخبة.
وخلاصة ذلك، أن مبدأ تعددية الآراء والمذاهب والتيارات مع مبدأ استقلالية المؤسسات والرموز الدينية عن السلطة السياسية يؤديان معا لتأسيس التعددية، والتي تقوم على أساسها الشورى الملزمة، وبالتالي تقوم على أساسها آليات العمل الديمقراطي.. لهذا نقول إن سلطان الدين مرجعية، وهو لا يندمج في السلطة السياسية، وفي نفس الوقت لا تنفصل عنه السلطة السياسية، بل تخضع له.
اسلام اون لاين
/ 12-03-2009
مفكر مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.