تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات »الشروق« بين أوروبا وأمريكا: أي شريك يختار العرب؟
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

ملفات »الشروق« بين أوروبا وأمريكا: أي شريك يختار العرب؟
راضية الزيادي
أفكار عديدة ومجددة قد تطرحها » زائد «
قمة »خمسة زائد خمسة« تأتي في الوقت المناسب
واشنطن تتسرّْب الى المنطقة من الفراغ الذي يتركه الاتحاد الاوروبي
الشراكة مع واشنطن مشروطة اسرائيليا
أوروبا منشغلة بمشاكلها وبتوسّعها شرقا
أوروبا والعرب فشلا في إقامة حوار فعّال
ينبغي إيجاد مضمون فلسفي وقيمي لعلاقة الشراكة بالاضافة الى مضمون التبادل الحر!
مضمون الشراكة لا يعني أبدا أن يتمدّد الاتحاد جنوبا!
الشراكة مع أمريكا ستقتل المسيرة الاوروبية المتوسطية
أمام المغرب العربي خيار صعب: إما أوروبا أو أمريكا؟!
منطقة التجارة الحرة العربية... سبيل العرب للتعامل مع التكتلات الاخرى
ينبغي دعم مشاريع إصلاح العمل العربي المشترك
تونس (الشروق):
المنطقة العربية المتوسطية عموما والمغاربية خصوصا، تعيش على وقع استحقاقات عديدة وخاصة على المستوى الاقتصادي. العالم من حولنا يتحرك، اقتصاديا، نحو اختيار أفضل السبل التي تمكّن من تحصيل الفائدة القصوى، وخاصة عبر التكتّل وتنظيم الصفوف والتحالفات في حين تتعثر الخطى على مستوى المنطقة العربية، المتوسطية والمغاربية. فاتحاد المغرب العربي، يتعثّر، والتبادلات الاقتصادية بين دول الاتحاد، لا تعكس أهداف الاتحاد، بل ظلت مقتصرة على التبادلات الثنائية فقط. الشراكة الاوروبية المقترحة على المنطقة العربية، في إطار ما يعرف بالمسيرة الاوروبية المتوسطية، كرّست تعامل الاتحاد الاوروبي مع كل دولة على حدة، على الرغم مما هو معلن من تشجيع الاتحاد، الطرف المقابل على التعامل ككتلة موحدة. وفي الحقيقة فإن المنطقة العربية »فشلت« حتى الآن في تنظيم صفوفها، وإفراز رد الفعل الطبيعي والمنطقي، إزاء حركية الوحدة الاوروبية، على الرغم من قيام جامعة الدول العربية بتحيين مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، الذي أمضي من قبل بلدا عربيا في السابع والعشرين من فيفري سنة ، وكان يحمل اسم اتفاق تسهيل وتنمية المبادلات التجارية بين الدول العربية. مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، دخل حيز التنفيذ سنة وينتظر استكمال بناء هذه المنطقة في ديسمبر . ولكن الاستثناءات التي تسمح الاتفاقية للدول العربية باعتمادها، تفرغ هذا المشروع من المعنى الحقيقي لمفهوم التبادل التجاري الحر...
أما إعلان أغادير، والذي أعلن منذ بين المغرب وتونس ومصر والاردن، فلم يتطور الى إرساء منطقة للتبادل الحر، بين هذه الدول هو أيضا...
وفي المقابل، فإن الاتحاد الاوروبي مافتئ يتوسّْع. وبانضمام دول أخرى في ماي إضافة الى بقية الدول المرشحة للعضوية في سيتجاوز عدد الدول الاعضاء في الاتحاد دولة... وهذه الدول تمثل حوالي ست مائة مليون نسمة كما تمثل قدرات اقتصادية هائلة...
الولايات المتحدة الامريكية، والتي كانت تهتم تقليديا، بمنطقة الخليج والمشرق، وسّعت نطاق اهتمامها، لتطرح على كل المنطقة العربية مشروع شراكة اقتصادية شاملة، نظر اليها البعض باعتبارها جزءا من استراتيجية الهيمنة الامريكية على العالم، بل »وأطلقوا« عليها اسم »إعادة الانتشار« الامريكي في المنطقة.
... على الرغم إذن، من كل هذه التحركات والتطورات، تظل دار لقمان على حالها، وتظل المنطقة العربية، فاقدة لأي مشروع داخلي، يجعل أي شراكة لها مع الخارج فعّالة أكثر. كما تظل تراوح باستمرار، بين نقطة البداية... ونقطة البداية مجددا. فكيف تتفاعل المنطقة العربية عموما والمغاربية خصوصا مع الشراكات المطروحة عليها؟ هل بإمكانها الاستفادة من الشراكة الاوروبية، ومن الشراكة الامريكية في نفس الوقت؟ هل بإمكان المنطقة العربية عموما، والمغاربية خصوصا، أن تنجح في إقامة علاقات شراكة، وهي العاجزة عن ترتيب بيتها الداخلي؟ ما هي الخيارات المطروحة أمام المنطقة المغاربية كيف يمكنها تفعيل الشراكة القائمة مع شريكها التقليدي الاتحاد الاوروبي؟
قمة زائد التي ستعقد في تونس، هل بإمكانها أن تدفع باتجاه تطوير هذه الشراكة؟ ما هي الاولويات؟ هل يهتم الاتحاد الاوروبي، بتطوير هذه الشراكة فعلا؟ ما هو موقف الاوروبيين؟ ما هو موقف العرب والمغاربيين؟ عدة تساؤلات سنحال الاجابة عنها من خلال لقاءات مع شخصيات أكاديمية وسياسية التقيناهم على هامش الندوة التي نظمتها جمعية نادي محمد علي للثقافة العمالية، حول المشروع الاورو متوسطي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وهؤلاء هم خاصة:
الدكتور جيرار كابيجيان، وهو خبير اقتصادي وأستاذ الاقتصاد بالجامعات الفرنسية.
الدكتور حسن علي الشريف، مدير ادارة التنمية المستدامة والانتاجية باللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا.
الدكتور هنري رينيو، أستاذ الاقتصاد بجامعة »بو« الفرنسية، مدير شبكة الاندماج شمال جنوب كما يرأس مركز بحوث اقتصادية حول المتوسط والعالم العربي.
الدكتور عبد الرحمان صبري، وهو خبير اقتصادي لدى جامعة الدول العربية بالقاهرة...
يبدأ د. حسن الشريف بالقول ان المؤسسات الاوروبية كانت حذرة، قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في انفتاحها على المؤسسات العربية، وحتى الشراكة المتوسطية المقترحة، فهي تنطلق من المصلحة الاوروبية الضيقة. ويضيف ان أحداث الحادي عشر من سبتمبر، خلقت، أجواء سيئة من الهيمنة الامريكية في العالم، وليس فقط على الدول النامية ومن ضمنها الدول العربية، ولكنها محاولة وقحة للسيطرة على القرار العالمي بكامله. ويشير الى أن أوروبا، كمؤسسات وكحكومات بدأت تشعر بالفعل بخطورة مثل هذه الهيمنة، وتسعى الى تطوير شراكتها مع جنوب المتوسط، مشددا في هذا المجال على أن الموقف السياسي الذي اتخذته أوروبا من العراق ومن الصراع في فلسطين، يؤشر، بعمق الى اختلاف الموقف الاوروبي.
وبأكثر وضوح، يعتبر د. هنري رينير أن حصيلة الشراكة الاوروبية المتوسطية، هي حصيلة هزيلة ومخيبة للآمال. ويركز في البداية على الجانب الاقتصادي لهذه الشراكة، مشخّصا بعض المظاهر ومقدما عدة أسباب، وحسب رأيه فإن مشروع التبادل الحر، مختصر فقط على الجانب الصناعي، ولا يمس الجوانب الاخرى وهذا المشروع ينبغي أن يتبع عدة مراحل للتفكيك الجمركي، وذلك ما يحدث تدريجيا والخشية أن تكون الصناعات المغاربية بعيدة عن القدرة على منافسة الصناعة الاوروبية، وانها لن تكون قادرة على الصمود، أمام القدرة التنافسية للصناعة الاوروبية. ويحذّر في هذا المجال من التأثير الاجتماعي السيء لفشل المؤسسات في الجنوب، وربما إغلاقها. ويشير من ناحية أخرى الى أن بعض الصعوبات ترتبط بنتائج العولمة، وليس بالشراكة الاوروبية المتوسطية، مثل صعوبات مصانع النسيج في دول الجنوب، بسبب قرارات منظمة التجارة العالمية (الاتفاقيات المتعددة الالياف) والتي تجعل المنافسة قوية على السوق الاوروبية، بين المنتوج الآسيوي والمنتوج المتوسطي...
ومن مظاهر الفشل، الخاصة بالمشروع الاوروبي المتوسطي، يشير هنري رينيو الى استثناء الخدمات من التحرير، معتبرا أن ذلك يعود الى تمسك دول الجنوب الى حماية الخدمات التي تقدمها على المستوى الوطني ومعتبرا أن ذلك حاجز أمام تحسين القدرة التنافسية لقطاع الخدمات، بما يراكم من مشاكلها، حسب رأيه.
ويشير أيضا الى أن البعد الزراعي غير متطور في المشروع الاوروبي المتوسطي (محدودية دخول المواد الزراعية الى السوق الاوروبية)... كما ينتقد في نفس السياق، ما اعتبره حماية من قبل الجنوب، لسوق الحبوب، من خلال ضمان سفر مرتفع لفائدة المزارع، لدى الانتاج، والتخفيض في الاسعار ان ذلك يؤدي الى تدعيم اصحاب الزراعات الكبرى، أي أن المواطن، الذي يتوفر التعويض من خلال ما يدفعه من ضرائب، هو الذي يتحمّل زيادة دخل أصحاب الزراعات الكبرى... وهو يدعو دول الجنوب، في هذا المجال الى مراجعة هذا الامر، كما يدعو الى مراجعة الشراكة بين الطرفين، بشأن الملف الزراعي...
ومن جانب آخر يحمّل هنري رينيو، الاتحاد الاوروبي، المسؤولية في عدم مساعدة دول الجنوب على تنمية قدرتها التنافسية. فبدخول دول أوروبا الشرقية الى الاتحاد، فإن هذه الدول ستتلقى مساعدة سنوية لكل ساكن بما بين و أورو. وبالمقابل تتلقى دول الجنوب، لنفس الفترة، ما بين و أورو للشخص الواحد سنويا، في إطار ما يعرف ببرنامج »ميدا« (MEDA) وسوف يكون بإمكان دول أوروبا الشرقية أن تستعمل هذه المساعدات في تحسين البنى التحتية، كما كان الامر بالنسبة لاسبانيا والبرتغال عند انضمامه للاتحاد، وسيؤدي ذلك بالتالي الى تحسين الانتاجية والقدرة على المنافسة، في حين لن يكون بإمكان دول الجنوب الحصول على هذا الحجم من المساعدات، على الرغم من أن مشروع منطقة التبادل الحر بين المنطقتين الاوروبية والمتوسطية، ستجعل كل هذه الدول، في تنافس. وكان السفير أحمد ونيّس أشار، عند حديثه عن الشراكة الامريكية المطروحة على المنطقة المتوسطية، الى هذا التنافس غير العادل من خلال ما اعتبره مساعدات مالية أمريكية ضخمة تمنح سنويا، الى اسرائيل ومصر، وقدرها ملايين دولار سنويا، على الرغم من أن الشراكة المقترحة تضع حسب رأيه هذين البلدين على قدم المساواة من التنافس، مع دول أخرى لا تتمتع بنفس الامكانيات.
ويعتبر حسن الشريف أن هذه الحصيلة السيئة هي خسارة لاوروبا وكذلك لمنطقة الجنوب، وأنها بذلك فرصة مهدورة للتعاون الفعال. ويقول ان المبادرات الاوروبية، تجاه المنطقة العربية لاتزال خجولة، وهي مقتصرة على بعض الخطوات السياسية فقط، أما على الجانب الاقتصادي، فهي خطوات مترددة وتنطلق خاصة من مصلحة ومن واقع أوروبا ولا تأخذ في الاعتبار تفاصيل الواقع العربي. ويقرر انه ليس هناك مبادرة أوروبية جادة للتعامل مع كتلة عربية، حيث يتم التعامل بين الاتحاد الاوروبي من ناحية، والدول العربية، كل دولة على حدة من ناحية أخرى. وهو يعتبر ان هذا الخلل في التصور الاوروبي للشراكة سيفتح المجال أمام ما تقترحه الولايات المتحدة الامريكية على المنطقة من علاقة شراكة اقتصادية، ويضيف أن الولايات المتحدة الامريكية أقوى اقتصاديا، وهي بالتالي أقدر على استقطاب المنطقة. وقد كانت هذه النقطة محل جدل خلال ندوة الثقافة العمالية، حيث تمت الاشارة الى أن الشراكة الامريكية هي دائما مشروطة سياسيا، وكل الشروط تتمحور حول اندماج اسرائيل في المنطقة، وتفوّقها على كل الدول مجتمعة، وقبول العرب بها في نسيج المنطقة.
ويعدّد حسن الشريف ما يعتبره نقاط ضعف في الشراكة الاوروبية، ومنها التعامل مع العرب كلّ على حدة، وتجاهل ملف المهاجرين من المناطق العربية، والنظر في قواعد هذه الشراكة من منطلق أوروبي فقط ويشدد في نفس السياق، على مأخذ استراتيجي على أوروبا إزاء العرب، معتبرا ان أوروبا تخشى من قيام أي تكتّل عربي اقتصادي وسياسي، وهي في حقيقة الامر لا تشجع على حدوث مثل هذا التطور. ويضيف مسترسلا ان كل القوى الخارجية تخشى أي تكتّل عربي، وقد عملت ضد ذلك في السابق بقوة. إلا أنه لاحظ ان أوروبا بدأت تنظر الى أي تكتل عربي ببعض الايجابية، ولكن هذا التغيير لم يصل الى مداه الحقيقي فالمطلوب من أوروبا أن تكون قاطرة لتجميع المنطقة العربية، وليس مشجعا أو متفرجا. وهذا الامر حسب رأيه يتجاوز الحكومات الاوروبية والمفوضية الاوروبية، ليشمل كذلك مؤسسات المجتمع المدني في أوروبا، التي ينبغي أن يكون لها دور مع مؤسسات المجتمع المدني العربية في تطوير وتعزيز قيام تكتّل اقتصادي وسياسي عربي.
ويضيف قائلا انه مما لا شك فيه ان دول الشمال الافريقي ترتبط تاريخيا مع أوروبا، عضويا واقتصاديا وثقافيا، ومن خلال تواجد آلاف المهاجرين العرب في أوروبا... غير أن ذلك كله لا يمنع الولايات المتحدة الامريكية من محاولة اختراق هذا الواقع، مشيرا في هذا المجال الى أن الولايات المتحدة الامريكية، ترتكز في حقيقة الامر، على أرضية صلبة في هذا المجال، من خلال السيطرة على سوق النفط في المنطقة، وكذلك في مجال صناعة وتكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات، حيث يبدو الخرق الامريكي واضحا جدا. وفسّر ذلك بأسباب عديدة، ليس أقلّها، حسب رأيه الكسل الاوروبي، حيث يتابعون منذ فترة هذه الحركية الامريكية والمبادرات، دون أن يحاولوا خلق محور أوروبي مستقل، أو متميز عن المسار الامريكي.
أما جيرار كبيجيان، فيشير من جانبه ان المسؤولية، في هذا التردد، هي مسؤولية متقاسمة بين الشمال أو الاتحاد الأوروبي، وشركائه في الجنوب. وينطلق من أن الاتحاد الأوروبي، ليس له سياسة خارجية، باستثناء ضمّ أعضاء جدد والتوسّع، وخارج هذين السياستين لا تريد أوروبا أن تكون لها سياسة خارجية أو هي لا تعرف كيف تتصرّف إزاء ذلك.
ويطرح جيرار كبيجيان، من جهة أخرى، فكرة أنه على دول الجنوب ان تبادر بإيجاد المبادرات، ملاحظا في هذا المجال ان هذه المسيرة، كانت تقودها أوروبا منذ البداية، وان الكرة الآن في ملعب دول الجنوب. كما يلاحظ أيضا أن هذه الدول، لا تمتلك إطارا أو صيغة للتشاور فيما بينها، وللتنسيق في ما ينبغي رسمه من مواقف إزاء الشراكة الأوروبية المتوسطية.
ويضيف قائلا إنه ينبغي تجديد هذه المسيرة، حتى لا تنتهي، لأن الاتحاد الأوروبي سيكون مشغولا خلال الفترة القادمة، بملف التوسيع، وإذا لم يتمسك شركاء الاتحاد في الجنوب بضرورة التجديد وايجاد مضمون جديد لهذه الشراكة، فإن الاتحاد الأروبي لن يكون حريصا جدا على ذلك، على الرغم من أن هذه المسيرة هي في مصلحته أيضا. وهو يعتبر ان انعدام السياسة الخارجية الأوروبية، ستجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتسرّب الى المنطقة، مستغلّة لذلك الفراغ.
ويلاحظ انه باستثناء فرنسا، التي كانت تتحدّث عن سياسة عربية، فإن أوروبا كمجموعة، لا تهتم كثيرا لهذا الأمر، فهي مشغولة بمشاكلها الداخلية وبالمسائل المتعلّقة بالتوسيع، وذلك خاصة تحت ضغط دول الشمال الأوروبي.
ويضيف ان أوروبا والعرب أو جنوب المتوسط، فشلا، على الرغم من العلاقات العائدة الى سنوات طويلة، في إقامة حوار عميق وبنّاء. وإذا كان الاتحاد الأوروبي يتحمل قسطا من المسؤولية فإن الدول العربية، تتحمّل هي أيضا، حسب جيرار كبيجايان، جزءا آخر، فكل بلد كانت له مشاغله وأولوياته، اضافة الى أن هذه الدول لا تنسّق فيما بينها، وربما لو كانت مسيرة برشلونة مسبوقة بمشاورات بين دول الجنوب في ما بينها، لكان بالإمكان وضع شروط أفضل لهذه المسيرة.
ويضيف قائلا انه لا يمكن الحديث عن الدول الأوروبية نفسها، باعتبارها وحدة، بل هي تتجاذب محاور ومجموعات (فرنسا المانيا) أو (ايطاليا، بريطانيا واسبانيا).
وإذا كان جيرار كبيجيان، قد دعا الى إيجاد مضمون فلسفي ومعنوي لعلاقة الشراكة عبر ضفتي المتوسط، وعدم الاقتصار على مبادئ التبادل التجاري الحر، والحديث المطلق عن »منطقة الرفاه المشتركة«، فإن هنري رينيو يدعو من جانبه الى ايجاد محتوى لهذه الشراكة، ويرى أن على دول الجنوب أن تعمل في هذا المستوى.
جيرار كبيجيان يرى ان التبادل التجاري الحر ليس هدفا في حد ذاته وان المنطقة في حاجة الى صياغة هدف مشترك يمكن أن يتطلّع نحوه شعوب المنطقة. فالأوروبيون، حسب رأيه، سواء كانوا في الاتحاد، أو خارج الاتحاد، يدركون انهم كذلك، وان الاتحاد هو مصيرهم، وان سبيل الانضمام واضحة وان ذلك سيأتي عاجلا أم آجلا، وانه سيغيّر أوضاعهم نحو الأفضل، عكس شعوب الجنوب، التي عليها ألا تطمح حسب ما هو مطروح رسميا الآن، الى أكثر من الاتحاد الجمركي، وهو المرحلة المنطقية بعد منطقة التبادل الحر.
ويضيف قائلا إن سياسة الجوار التي تقترحها أوروبا الاتحاد حاليا، لا تختلف كثيرا عمّا هو موجود. وينبّه هنري رينيو الى أن ذلك لا يعني أن يتوسّع الاتحاد الأوروبي ليشمل الجنوب أيضا. وطبعا هذه المسألة لا تطرح على مستوى الدول المغاربية، التي تتطلّع الى شراكة فعّالة وواسعة.
يوافق هنري رينيو على ذلك ويقول إنه لا الشمال مستعدّ لذلك ولا الجنوب يطرح هذه الفكرة، باستثناء تركيا. ويضيف ان المشكل الحقيقي هو ايجاد شراكة أوروبية متوسطية، تتجاوز التبادل الحر الحالي ولا تصل حدّ التوسّع أو الانضمام، وإن هذا المضمون ينبغي ان يكون نابعا من الجنوب ومن الشمال في نفس الوقت ويعكس تطلّع الطرفين في اتجاه واحد، اي في اتجاه مشروع له أكثر مصداقية، وعقد شراكة أكثر قربا.. والا فإن الأبواب ستفتح، مشرعة أمام التسرّب الأمريكي الى المنطقة.
وإذا كان السفيراحمد ونيّس، يعتبر انه بإمكان الدول المغاربية ان تستفيد ايضامن الشراكة المطروحة أمريكيا، بالتوازي مع ما هي فيه من شراكة إزاء أوروبا، ويسانده في ذلك العديد من المغاربيين، فإن هنري رينيو، وقبله جيرار كابيجيان، يشيران الى أن ابرام اتفاقات تبادل حرّ مع الولايات المتحدة الأمريكية من قبل دول ترتبط باتفاقات تبادل حرّ مع الاتحاد الأوروبي، سيمنع هذه الدول من المرور الى مستوى أعلى في هذه الشراكة اي الى الاتحاد الجمركي، ويعتبران أن التوقيع على هذه الاتفاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، سيقتل الشراكة مع أوروبا، ولن يترك لها آفاقا. وهو يضيف مقرّرا، ان دول جنوب غربي المتوسط أمام خيار صعب، اما الاندماج في العولمة كشركاء مستقلين، يتفاوض كل طرف على حدة مع المجموعات الدولية، أو التفاوض كشريك أوروبي، وذلك اختيار أساسي، كما فعلت تركيا التي اختارت، على المستوى التجاري الاتحاد الأوروبي، وقد بلغت حاليا مرحلة الاتحاد الجمركي، ولذلك لا يمكنها ان تمضي اتفاق تبادل حر مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وينتقد رينيو، ضمنيا، الموقف الذي يعتبر انه بالامكان الاستفادة من الوضعين، قائلا إن ما يطرح هنا أو هناك قد يغري باللعب في هذا الاتجاه. ويشير في هذا المجال الى المفاوضات الجارية حاليا بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب الأقصى لإرساء منطقة تبادل حرّ، فيقول إن ما يحرّك المغرب الأقصى هو الرغبة في الدعم السياسي الأمريكي لموقف المغرب في قضية الصحراء الغربية، ولكن هذا الموقف سيؤدي الى انعدام شعور أوروبا بالمسؤولية إزاء المنطقة وإزاء مستقبل التنمية في المغرب العربي، وسيكون بإمكان أوروبا أن تقول انه شيء جيّد، ان تختار بعض الدول الشراكة مع أمريكا، ولكن سيكون عليها أن تتحمّل مسائل التنمية لديها، فتلك هي مشكلتهم!! اضافة الى ان المردود الاقتصادي لأي شراكة مع أمريكا ليست مضمونة!
اما جيرار كابيجيان فيشيرالى أن اقامة الدول المغاربية لعلاقات متطوّرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك منطقة التبادل الحر، لا يهمّ كثيرا الاتحاد الأوروبي، وعلى المغاربيين أن يحرصوا على تطوير العلاقة مع أوروبا.
المنطقة تعيش على مفترق طرق، وهي تتحسّس السبيل التي يمكن أن تسلكها، بين كل الخيارات الممكنة، دون تقوقع أو تبعية لطرف ما، ولكن هل سيكون بإمكانها أن تحقّق ذلك فعلا دون أن ترتّب البيت داخليا؟ ثم ما الذي سيكون بإمكانها أن تطرح من أفكار ومشاريع لتفعيل ما هو موجود، والعمل من أجل ما هو أكثر فاعلية؟
كما رأينا دعا جيرار كابيجيان، وهنري رينيو، دول المغرب العربي، والجنوب عموما للمبادرة، ووضع مضمون وأهداف جديدة لشراكة مع أوروبا، وفي هذا الاتجاه اعتبرا ان الدعوة لعقد قمة خمسة زائد خمسة في تونس، هي فكرة جيّدة جدا تأتي في الوقت المناسب، حيث يقول جيرار كابيجيان، إن إطار + والذي لا يمكن أن يكون بديلا عن المسيرة الأوروبية المتوسطية، وهذه المبادرة ستجسّد القرب الجغرافي والسياسي والثقافي بين شمال المتوسط وجنوبه، وقد يكون بإمكان هذه المجموعة ان تتحرّك بطريقة أسرع من امكانيات التحرّك، على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل، ويذكّر بأن زائد خمسة، هي الكيان التاريخي، للعلاقة الأوروبية المتوسطية.
ويضيف انه بامكان المجموعة (+) ان تطرح افكارا جديدة بشأن السلام في الشرق الأوسط، وهي القضية التي أحدثت تشويشا على كل اجتماعات ولقاءات مسيرة برشلونة. ويعبّر عن اعتقاده بأنه من المهم فعلا ان يتم التعامل بطريقة منفصلة مع مشاكل حوضي المتوسط.
ويضيف أيضا ان أمام مجموعة خمسة زائد خمسة ان تطرح أفكارا جديدة أيضا بشأن فتح الحدود وتنقّل البشر. ويشدّد على ضرورة معالجة الفراغ السياسي الحالي ازاء هذه القضية معتقدا بأن التوصّل الى حلّ جزئي وان كان محدودا أفضل من الوضع الحالي للهجرة الذي يشهد عديد المآسي. ويقول ان الأمر قد يكون جيّدا حتى وان أعلنت أوروبا، مجرّد اعلان نوايا صادقة، عن حاجتها مستقبلا الى اليد العاملة المغاربية، وانه ينبغي البحث في آليات تنفيذ هذا الاعلان بعد ذلك. المهم حسب رأيه أن تكون الآفاق واضحة.
ويدعمه في ذلك هنري رينيو، قائلا إنه على أوروبا أن تعترف بحاجتها الى اليد العاملة المغاربية لمواجهة شيخوخة مجتمعاتها، وبأن ما يذهب اليه بعض المتطرفين في أوروبا من تحقيق »مستوى الصفر« في الهجرة، أمر يستحيل تحقيقه. وبعد ذلك، ينبغي ايجاد سياسة كفيلة بوضع هذه الأفكار موضع التنفيذ. وعلى الجانب الآخر يدعو الى أن تتخلّى دول الجنوب عن أوهامها بإمكانية فتح الحدود تماما وتحقيق الحرية التامة في التنقّل.
وإذا كان ينبغي تجديد الشراكة القائمة مع الاتحاد الأوروبي وايجاد الأفكار المناسبة لذلك، فإن من أساسيات النجاح في الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أو في الولايات المتحدة الأمريكية، هو توحّد الصفوف الداخلية، والتخطيط المشترك لوضع التصوّرات حول علاقات الشراكة هذه، ولكن المنطقة العربية، فشلت حتى الآن على المستوى الجماعي، وكذلك على المستوى الاقليمي، في تشكيل كتلة حقيقية يمكنها ان تضغط من أجل تحقيق مصالح العرب.
يقول د. حسن الشريف، إننا في المنطقة العربية نفتقد القاطرة الجاذبة، ونحن في أشد الحاجة اليها. ويضيف لقد فشل العرب في ايجاد محور جاذب حيث لم يستطع أي تكثّل عربي أن يجرّ الآخر، لأسباب عديدة، قد يكون من بينها أسباب خارجية. ويشدّد على أهمية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، قائلا إنها قادرة على ان تكون ذلك التكتل، وهي فقط تشكو حاليا من بعض نقاط الجذب. ويعتبر ان الخيارات محدودة جدا أمام العرب في مثل هذه الظروف داعيا الى دعم علاقات تقليدية مع أوروبا وخاصة على مستوى المغرب العربي، ومؤكدا على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني العربية في اعطاء مضمون ايجابي للشراكة مع أوروبا، من خلال عملها مع المجتمع المدني في أوروبا على تطوير ما هو قائم حاليا.
وفي هذا المجال أيضا يشدّد الدكتور عبد الرحمان صبري على أهمية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، كمشروع للمستقبل، قائلا ان هذا المشروع هو الذي سيمكّن الدول العربية من التعامل مع التكتلات الدولية الأخرى كوحدة. ويضيف ان هذا المشروع لا يعني الانغلاق. ويدعو في هذا المجال الى دعم جامعة الدول العربية، في مثل هذه الظروف التي تتعرّض فيه الجامعة الى التشكيك في أدائها، قائلا ان الجامعة تشهد حاليا صياغة مشاريع للاصلاح على جميع الجبهات. كما يدعو خاصة الى استثمار ما تعرفه اقتصاديا الدول العربية من اصلاحات هيكلية ومن نتائج ايجابية لهذه الاصلاحات في دعم وتنمية التبادلات البينية العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.