«لماذا يوجه الشاب الذي يضبط بصدد تعاطي المخدرات الى السجن وليس الى مصحة علاج؟»... هذا ما طرحه شاب ال28 سنة مضيفا كنت أروج المخدرات في ايطاليا وأريد أن أوضح ان الفقر والبطالة هي الأسباب الرئيسية للتعاطي...» كانت هذه احدى الشهادات المؤثرة لشاب تونسي أدمن استهلاك وترويج المخدرات لكنه يبحث عن يد تنقذه من هذه الهاوية... وذلك خلال حلقة حوار نظمها المرصد الوطني للشباب أول أمس الجمعة بالمركز الشبابي سيدي حسين السيجومي تحت عنوان «ظاهرة المخدرات لدى الشباب واقعها وسبل معالجتها». وتم اللقاء بحضور وزير الشباب والرياضة وعدد من المتدخلين في المجال من مختصين اجتماعيين ونفسانيين وأطباء مباشرين وشباب الجهة... لكن ورغم ان المرصد أعد شهادات مصورة عبر شريط فيديو «أرق» الا أن الشباب الحاضر فضل أن يروي تجربته الذاتية مع المخدرات... الجامعي الذي يسقط في مستنقع المخدرات من بين هؤلاء الشباب تحدثت «الشروق» الى محمد عكرمي وهو شاب وسيم ومثقف درس عامين بالجامعة كان حلمه أن يتوجه نحو ميكانيك الطائرات لكنه لم يستطع تحقيقه باعتبار ان هذا الاختصاص لا يدرس سوى في الجامعات وسيكلفه 5 آلاف دينار سنويا، لكنه لا يملك هذا المبلغ فكانت أول سيجارة «زطلة» ثم «الحرقة» الى ايطاليا فالتورط في تجارة المخدرات. صحيح ان محمد أقلع عن استهلاك هذه المادة وترويجها وعاد منذ ديسمبر الماضي الى تونس وشارك في الثورة ككل شباب جهته لكن ما الذي جناه من هذه العودة الارادية؟ عن هذا السؤال أجاب تحصلت على عمل وفق الآلية 16 وها أني أعمل في دار الشباب براتب شهري لا يزيد عن مائة دينار!؟ وبابتسامة حزينة كنت أجمعه في عملية واحدة ليبيع المخدر... أريد التوبة لكن لا أحد يمد يديه لانقاذنا. عندما ترى أخلاق محمد وملامح جسده لا تملك سوى ان تتألم لأنه كان بامكانه ان يكون رياضيا أو حتى ميكانيكي طائرات كما حلم لكنه اليوم عاطل وضائع في عمر الزهور... مدمن ولكن... خلال اللقاء فاجأتنا صراحة بعض المدمنين وتألمنا بعمق عند تحدثهم عن تجربتهم لكن هل تجد رغبتهم الصادقة في التوبة والاقلاع من يصغي اليها وينتشلهم من هذا الواقع المرير؟! زياد شاب آخر لا يتجاوز عمره 35 سنة يقول «سجنت وعمري 18 سنة بسبب «الزطلة» هذه المادة الموجودة في كل حومة وشارع» ثم تساءل لماذا لا يتم اغلاق منافذ دخولها الى بلادنا بدل عقاب شبابنا؟» وأضاف «في مراكز الأمن يتعرض عديد الشباب الى المساومة ففي حال أعطوا الأموال الى رجال الأمن يتم اطلاق سراحهم! زياد أقلع عن الاستهلاك بعد السجن ووجد عملا لكنه تساءل عن مآل الكثيرين الذين مازالوا يستهلكون هذه المادة. من جهتهما تساءل شابان ذكرا أنهما يستهلكان مادة مخدرة عن الحلول للاقلاع عن الادمان وأضافا أن البطالة والتهميش وراء توجههما نحو هذه الظاهرة، كما تساءلا عن الحكمة من دفع المستهلك لألف دينار خطية مع سجنه... في حين تساءل آخر عن أسباب عدم الغاء السجن لمستهلك المخدرات لأول مرة خاصة أن التقاءه في السجن بمجرمين آخرين قد يعلمه فنونا أخرى من الاجرام والسرقة... ومن أطرف أسئلة الشباب الحاضر في حلقة حوار يوم أول أمس الجمعة ما طرحه شاب عن مآل الزطلة التي يتم حجزها عند المتعاطين. مصحات خاصة من جهته اقترح استاذ علم الاجتماع ماهر تريمش أن يتم تشريك الخواص في ايجاد حلول لعلاج الادمان على غرار التجربة المصرية التي أحدثت مصحات خاصة يتوفر فيها مختصون في علم النفس والاجتماع الى جانب الاطباء لعلاج ظاهرة الادمان مفسرا أن المقاربة الأمنية والطبية والنفسية غير قادرة لوحدها على القضاء على هذه الظاهرة التي أصبحت اجتماعية نظرا لتواترها بين مختلف أصناف فئات مجتمعنا. كما دعا الى مراجعة النصوص القانونية متسائلا لماذا يتم سجن شاب لأنه أراد تدخين سيجارة لأول مرة في حياته علما أن معدله في الثانوي تجاوز 14 من 20. وعموما أجمع كل المتدخلين على ان الردع لا يمكن ان يكون حلا لهذه الظاهرة. غياب احصائيات ورغم أهمية الظاهرة وانتشارها في مجتمعنا بصفة واضحة خاصة بعد الثورة اذ يتناقل التلاميذ والطلبة ان «الزطلة» تروج حاليا في المعاهد والمؤسسات التربوية بصفة تكاد تكون عادية الا أننا لم نحصل على احصائيات أو دراسات في خصوص تعاطي المخدرات وبقيت هذه الأرقام في رفوف وزارة الداخلية والأمن عموما.