لم يفلح تدخل السيد نبيل القروي شخصيا «للاعتذار إلى الشعب التونسي» في التخفيف من التوتر بسبب بث فيلم «بارس بوليس» بل زاده حدة، خصوصا وأن كلا من طرفي النزاع يجد في استمرار التوتر عدة فوائد سياسية تصب كلها في الحملة الانتخابية. ورغم أن خصوم قناة نسمة اعتبروا اعتذار مديرها انتصارا واضحا لهم، فقد شهد الموقع الاجتماعي يوم أمس حملة ضارية شنها أنصار عرض الفيلم على «السلفيين والوهابيين وأعداء الحرية» كما يسمونهم، وقامت هذه الحملة على تشبيه الوضع في تونس بالوضع في إيران إبان الثورة الإيرانية التي قام بها الشعب وسرقها رجال الدين الشيعة ليحولوها إلى أحد أكبر الديكتاتوريات الدينية في العصر الحديث. وهكذا تطور الوضع من استنكار للهجوم على مقر القناة وتهديد من فيها إلى إطلاق صيحات التحذير من السلفية والخوف على تونس من مصير إيران، دون أن تقديم العلامات المقنعة بوجه شبه بين البلدين، سوى أن مثقفا معروفا كتب: «لن يستطيع أي مبدع أن يعمل تحت الخوف من أن يقوم له أي شخص ليتهمه بالكفر». غير أن اعتذار السيد القروي قد مكن خصومه على الموقع من فتح باب الهجوم عليه، وهكذا تحول رفضهم للفيلم إلى حملة عدائية ضده شخصيا وتبنّت عشرات الصفحات الحملة الشخصية عليه للمناداة بإغلاق القناة وبعض هذه الصفحات يطلق شعارات خطيرة تدعو صراحة إلى ما يعاقب عليه القانون من تحريض على العنف. والمشكل أن السيد نبيل القروي يمثل هدفا محببا لشباب الموقع الاجتماعي مثل عدة مسؤولين وأصحاب مؤسسات إعلامية أخرى، وهكذا أخرجوا له من أرشيف الموقع مقاطع فيديو يتحدث فيها عن الرئيس المخلوع بحب كبير ويصفه بالأب الحنون، وهو ما جعل بعض الصفحات تطلق عليه اسمه «المتحول» في إشارة إلى أفلام الخيال التي تقدم شخصيات ذات قدرة على التحول من الحالة البشرية إلى حالات أخرى غير بشرية. وأقل التعاليق هجوما عليه يقول إنه لا يمكن تصديقه في اعتذاره لعدة أسباب منها تغييره لموقفه من بن علي إلى الثورة، فيما قرأنا عبارة «غلطوه» عنوانا موحدا للعشرات من المقالات التي تهاجمه، في تذكير بعبارة بن علي وهو يحاول في وقت متأخر إنقاذ نفسه من الثورة عندما أطلق عبارته الشهيرة «غلطوني». ويستمر خصوم قناة نسمة في الهجوم، حتى أن بعضهم تمكن من نشر قائمة اسمية في الممثلين التونسيين الذين نفذوا دبلجة الفيلم إلى اللهجة التونسية للتشهير بهم. أما آخر ما حدث في الموقع، فهو توظيف هذه الحادثة في الحملة الانتخابية بتقسيم الأحزاب التونسية إلى شقين: أنصار قناة نسمة ومساندو بث الفيلم من جهة، وخصومها من جهة أخرى، حيث يبدأ التوظيف السياسي الواضح لهذه الأزمة، خصوصا حين يتطور هذا التقسيم إلى «أنصار احترام عقيدة الشعب التونسي» من السياسيين من جهة، في مواجهة «أعداء الشعب الذين يعملون على نشر الإلحاد والكفر في تونس»، وهو تقسيم سياسي ذو هدف انتخابي واضح.