لو لم تتسع رقعة الأحداث في تونس بعد 14 جانفي لتشمل مصر وليبيا، ثم اليمن وسوريا، وقبلهما البحرين حيث تخلص النظام الحاكم هناك الى أجل مسمّى من حركات الاحتجاج، لكان الشأن التونسي أقلّ تعقيدا ولما دخلت تونس في سياسات هي أشمل جدا من رقعتها الجغرافية، وأوسع جدا من مساحتها الترابية! وبوضوح تام، فإنه لو كانت تونس هي البلد الوحيد الذي شهد تغيّرا في نظامه السياسي الحاكم، لكان بالامكان الرهان على نجاحها في تشكيل غدها، وأولى علامات النجاح الاستقرار بطبيعة الحال وإرساء التعدّدية السياسية ثم الطموح الى الازدهار الاقتصادي. أما الآن وقد ظهر هذا المصطلح الجديد الذي يُسمى بالربيع العربي، فإن تونس تكون قد أدخلت الى رقعة شطرنج تحتوي على عدّة براكين، وأصبح يُنظر إليها ليس كحالة خاصة يمكن تركها وشأنها، بل كحالة عامة قد تتحمّل أوزار شؤون لا تعنيها بما أنها دخلت في منطق منطقة تهزها صراعات كبرى حول الطاقة والارهاب والصراع العربي الاسرائيلي. وهذه الصراعات، تعني مباشرة الدول الكبرى، حيث تتعقد المصالح الاقتصادية والأمنية، وحيث تتواجه وتتقابل الرؤى، وحيث تكون الطريق سالكة الى التقسيم والمحاصصة والمعني بالتقسيم والمحاصصة هي المصالح، لا ما قد يحيلانه الى ماهو جغرافي. وكان يمكن أن يكون الشأن السياسي يسير وخاص في الحالة التونسية، حيث تتميز بالانسجام العرقي والديني. أمّا حالات اللاّإنسجام خاصة الثقافية منها فيمكن التحكم فيها، بل وجعلها مصدرا للتنوع والثراء خصوصا بعد أن قطعت أشواطا في بعض عناصر احداثة وبعض مرتكزات التقدم والعصرنة. إنّ الذي يطلع على بعض الدراسات الغربية، خصوصا تلك الصادرة عن المؤسسات العلمية المحترمة أو الاستخباراتية المختصة ليذهل من وضع تونس في سياسات تهم المنطقة العربية بأسرها، ولينقبض في دمجها وسط رؤى تجعلها قسرا في موضع لا تطمئن إليه النفوس. لذلك، فإنه على الطبقة السياسية في تونس وبمختلف مكوّناتها وعناصرها ومهما كان موقعها في الدولة أو حواشيها أو خارجها، أن تتصرف بشكل دقيق ومحسوب حتى لا تصبح يوما ما، مطوّقة بما لا تستطيع له تحمّلا، وما لا تقدر له انصياعا. ووقتها لن يكون العمل السياسي نزهة خاطر، بل مشيا على الألغام والمتفجرات.