بقلم: فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي بالتأكيد لم يدّر في خلد السوفيات (سابقا) ولا الأمريكان، المتقاسمين النفوذ على جغرافية العالم، أن شبه الجزيرة الكورية، ستبقى آخر معقل من معاقل الحرب الباردة، التي ولّت الى غير رجعة منذ انهار حائط برلين في 1989... كما لم يكن بامكان أيّ مسؤول أمريكي ولا أيّ نظير له في الاتحاد السوفياتي، من أولئك المسؤولين الذين شهدوا الحرب الكورية (1950/1953) وشهدوا تقسيم البلاد (كوريا)، لم يكن بامكانهم أن يتنبأوا بمصير هذه الرقعة الجغرافية، التي تمتد في عمق البحر في شبه جزيرة اليابان جنوبها والصين شمالها.. اندلعت الحرب بداية الخمسين من القرن الماضي، بين شطري كوريا، في الظاهر، لكن باطنها كان صراعا على النفوذ الجغرافي السياسي، تلا الحرب العالمية الثانية (1945).. وكان لا بدّ لليابان الذي انكسر في هذه الحرب العالمية أن يكون مذعنا ومصطفّا الى جانب الحليف الجديد: الولاياتالمتحدةالأمريكية.. كما كان لا بدّ لواشنطن، القوّة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، دون أن تشهد جغرافيتها لا القومية ولا القارية، طلقة نار واحدة كان لا بدّ لها أن تثبّت قدم العسكري الأمريكي في منطقة آسيا، وقبالة التنين الصيني، بل وعلى حدوده وتخومه، تماما، كما كان لها الأمر ذاته في قلب أوروبا، حين ظلّ حذاء العسكري الأمريكي في برلين، متحصّنا بسور، اعتبر العنوان الرئيسي للثنائية القطبيّة.. منذ يومين، انطلقت الأزمة بين الكوريتين، من جديد من خلال قصف متبادل، استهدفت من خلاله «بيونغ يانغ» جارتها الجنوبية (سيول).. فكانت نيران المدفعية من هنا والقصف المقابل من هناك، مع تصريحات للجانبين، كل يريد تبرير ما أقدم عليه... طوال سبعة وخمسين عاما، لم يكن ممكنا الاعتقاد بأن كلاّ من الكوريتين، تتحكم الواحدة في مصيرها بنفسها دون الرجوع الى هذا الحليف أو ذاك... ففي حين تتجّه الولايات المتحدّة واليابان من ورائها، الى «بيكين» كلما استعصى شأن التعامل مع كوريا الشمالية، فإنّ أي رسالة تريد الصين ابلاغها الى الولاياتالمتحدةالأمريكية، تكون عبر كوريا الشمالية.. وهكذا الأمر نفسه اذا كانت الرسالة صادرة عن واشنطن بحيث تبدو الكوريتان في مهبّ رياح التجاذب القطبي.. آخر معاقل الحرب الباردة، إذن تنفجر صراعا محدودا بين الكوريتين، ولكن لبّ الأزمة وبالنظر الى الخارطة الجغرافية السياسية هي سعي محموم إلى تقاسم نفوذ بين اللاعبين الكبار. نجد الصين والولاياتالمتحدةالأمريكية في مقدمة الصورة. لكن طوال سبعة وخمسين عاما، عمر التشطير، عرفت شبه الجزيرة الكورية أكثر من تاريخ بان فيه التوتر بين «الاخوة الأعداء»، فمن 1968 حيث سجلت محاولة اغتيال الرئيس الكوري الجنوبي الى 1974 حين أطلقت عليه (الرئيس بارك شونغ هي) نيران من كوريا الشمالية أودت بحياة زوجته.. الى 1983 فسنة 1987 و1996 وصولا الى 2009. فاليومين الفارطين.. كلها مناوشات واشتباكات عسكرية، حيث يقف الجنود من هذا الشطر وذاك، على خطّ النار.. وخطّ التماس الذي يقسّم الكوريتين.. بالاضافة الى هذه العلاقة المتشنجة التي لم تكن تخدم في كلّيتها، مصالح الشعب الواحد المقسّم بلده الى بلدين، فإنّ تأثير أفول الثنائية القطبية، لم يصب شبه الجزيرة الكورية كما شأن ألمانيا مثلا.. وفي هذا الأمر قصّة أخرى.. قد نأتي على حيثياتها لاحقا.. من خلال الميدان الذي زرناه، وشهدنا من خلاله مدى تحكم كبار اللاعبين في العالم بمصير منطقة وشعوب ليس لهم باع بما حدث ويحدث إلاّ من خلال الخسائر في الأرواح التي يقدّمونها.. تباعا..