الرابعة على التوالي: الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز إف 35    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    اتحاد الشغل يدعو النقابيين الليبيين الى التدخل لإطلاق سراح أفراد قافلة "الصمود"    نتنياهو: "إغتيال خامنئي سيُنهي الصراع".. #خبر_عاجل    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    من تطاوين: وزير التربية يشرف على انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    حالة الطقس هذه الليلة    "سيطرنا على سماء طهران".. نتنياهو يدعو سكان العاصمة الإيرانية للإخلاء    تظاهرة يوم الابواب المفتوحة بمعهد التكوين في مهن السياحة بجربة .. فرصة للتعريف ببرنامج التكوين للسنة التكوينية المقبلة وبمجالات التشغيل    تعيين التونسية مها الزاوي مديرة عامة للاتحاد الافريقي للرقبي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ إضراب جديد ب3 أيام في قطاع النقل    الشيوخ الباكستاني يصادق على "دعم إيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية"    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    كأس العالم للأندية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة فلامنغو البرازيلي    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    "صباح الخير يا تل أبيب"!.. الإعلام الإيراني يهلل لمشاهد الدمار بإسرائيل    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور عبد الوهّاب بن حفيظ ل«الشروق»: أخطاء اليسار وقناة نسمة والتصويت العقابي ...سرّ الحضور الكبير للنهضة
نشر في الشروق يوم 29 - 10 - 2011

سوء تقدير الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات في إلغاء الأصوات التي حصلت عليها العريضة الشعبية في سيدي بوزيد كان وراء الاحتقان الذي تعيشه المدينة منذ يومين.
هذا ما يراه الدكتور عبد الوهّاب بن حفيّظ أستاذ علم الأجتماع ورئيس منتدى العلوم الاجتماعية التّابع لمركز الدراسات والبحوث الاجتماعية الذي خصّ «الشروق» بهذا الحوار الذي نقرأ فيه نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وتفاصيل المشهد السياسي الجديد.
كيف تقرأ النتائج التي أفضت إليها الانتخابات في ضوء التجاذبات الحزبية الحاصلة بعد الإعلان عن النتائج؟
نتائج الانتخابات لا يجب ان تقرأ إلاّمن خلال صنفين من التصويت، التصويت الانخراطي الذي هو نتيجة طبيعية لتعبئة انتخابية ناجحة على أساس شعار لافت أو برنامج لافت Le vote adhésion والتصويت العقابي.Le vote sanction الذي يأت كرد فعل . لذلك، فانه في الحالة الأولى يقوم الناخب بالتصويت على أساس برنامج وفي الحالة الثانية يصوت نكاية وعقابا موجها بعنوان القطيعة مع ماض ما. لكن هناك ما هو أهم وألفت للنظر. فالتجربة في تونس ، أغنت السياسات المقارنة بظاهرة لم تكن معروفة في سوسويولوجيا الانتخاب وتتمثل في ما يمكن أن نسميه بالتصويت «مع تحويل الوجهة»، بحيث وظفت العريضة الشعبية مثلا ووظف رئيسها بالذات من أجل وصول قواعد انتخابية للحزب الحاكم السابق إلى المجلس التأسيسي. نحن إذن أمام ثلاثة أصناف من التصويت: انخراطي، نتيجة لاستثمار الأحزاب الكاسبة لماضيها النضالي، وعقابي، نتيجة لسوء إدارة الحملة من قبل الأحزاب اليسارية الأخرى، بحيث قامت التعبئة المضادة كرد للتعبئة ضد «المقدس»، واخيرا كان هناك تصويت مع تحويل الوجهة من خلال الطفرة الانتخابية للعريضة الشعبية، وهي من دون شك حالة فريدة في السلوك الانتخابي المقارن، حيث يختلط عمل الشبكات التجمعية مع العمل شبه السري مع التصويت العلني.
بعيدا عن الأرقام، هل هناك مدلول سوسيولوجي يمكن أن يفسر تشكل الأغلبية الجديدة وهل هي فعلا أغلبية؟
نحن أمام مرحلة جديدة هي أكبر من الحراك الحزبي والسياسي، إنها تتعلق بتغير عميق في الثقافة السياسية للتونسي. كنا دائما نقول بأنه ثمة في كل بلد أغلبية اجتماعيةUne majorité sociale وأغلبية ثقافيةUne majorité culturelle وأغلبية سياسية Une majorité politique. وخلال نصف قرن مضى لم تكن الأغلبية الثقافية تتلاءم وتتناسب مع الأغلبيات السياسية المصطنعة بالانتخابات المزورة. أما الآن، فيمكن أن نلاحظ بأن الجغرافيا الانتخابية قد يكون لها معنى وأنه ثمة خطوات حقيقية نحو إيجاد ملاءمة موضوعية بين تشكل الاغلبيات السياسية والثقافية والاجتماعية. فالملمح السوسيولوجي لناخب الأحزاب الغالبة (النهضة، التكتل والمؤتمر) هو من دون شك، من فئات أدنى السلم التى عانت من «الحقرة» والطبقة الوسطى. أما الأقلية السياسية الجديدة، فهي سوسيولوجيا منحدرة في الغالب من برجوازيات المدن.
هناك شيء لم تتحدثوا عنه، ضمن هذه الخارطة الانتخابية ، اين نضع مفاجأة العريضة الشعبية من الناحية السوسيولوجية وكذلك القاعدة الانتخابية التقليدية للتجمع الدستوري؟
هؤلاء يخضعون أيضا لذات التوزيع الجغرافي الانتخابي. فمثقفو التجمع من ذوي الميولات الليبرالية كانوا قد صوتوا في جانب هام منهم للتكتل من اجل العمل والحريات الى جانب النواة الواسعة من أبناء الطبقة الوسطى المتعلقين فعلا بكاريزما مصطفى بن جعفر،ومنهم من رمى بالقارورة فارغة أيضا لدى قائمات أحزاب أخرى مثل آفاق والمبادرة وحتى التقدمي. أما الكوادر الوسطى التي كانت تعمل ضمن الأطر الترابية للتجمع فجانب كبير منها، وخصوصا في الضواحي المهمشة والمدن الجديدة، لم تتردد في التصويت لحركة النهضة لأسباب تتعلق بالتموقع الثقافي والنفسي والجواري لمرشحي هذه الحركة. في المقابل كانت القاعدة الريفية التجمعية قد صوتت للعريضة الشعبية والتي وجدت فيها تلاؤما بين ضمان الدخول من خلال عنوان سياسي جديد ، وبين طبيعة الوعود الشعبوية للقائمة والتى تتلاءم مع الحاجات الملحة لريف القيروان وسيدى بوزيد والقصرين. من المهم هنا أن نعي مخاطر تحويل الوضع إلى مشكلة جهوية غير قابلة للحل.
هل ترون أن قرار إلغاء القائمات في هذه الحالة صائب؟
يجب أن لا ننسى أولا وقع المفاجأة والتي عكست الحجم الحقيقي للتصويت على العريضة . هناك قاعدة انتخابية تابعة للحزب الحاكم السابق عبرت نفسها في الساحل ولم يطرح ذلك إشكالا، فلماذا يتم إلغاء قائمات العريضة التي تأكد حضورها في الأوساط الريفية وغير المدنية. في ظني ان الهيئة عملت تحت ضغط جانب من الرأي العام. وعليها الآن ان تعمل على التهدئة وعدم «احتقار» الأطراف التي وراءها وإحالة الموضوع على القضاء. لا شك بأن شخصية من وراء العريضة مثيرة للجدل والجميع يعرف ذلك، كما أن حظوظه السياسية كشخص هي شبه منعدمة، لقد تم توظيف عنوانه كأصل تجاري لا أكثر، من أجل تأمين وجود «التجمعيين» من غير منطقة الساحل، للتواجد في المجلس. وعلى الوزير الأول وبالتوافق مع الهيئة أن يسعى في اتجاه حل قضائي مستعجل وعدم الاكتفاء بقرار الهيئة الذي تسبب في ردود أفعال عنيفة.
هناك مخاوف كبيرة على حداثة المجتمع وتقاليده في الانفتاح ونمط العيش من صعود الإسلاميين ،هذه المخاوف الى أي حد يمكن تبريرها؟
هناك شقين في السؤال، الأول يتعلق بحظوظ تحول حركة دينية إلى حزب مدني، ومنها ما يتعلق بنمط العيش. بالنسبة للجانب الأول، نعم بإمكان الحركات الدينية أن تتحول إلى حركات مدنية على غرار ما حدث للديمقراطيات المسيحية وأيضا لبعض الأحزاب الدينية – القومية الارتودوكسية. لكن ذلك سيتطلب وقتا يتأكد فيه الانتقال من ثقافة الفرقة الناجية وفق الثقافة السياسية السنية الى ثقافة «الحزب» المختلف. هناك من هذه الأحزاب من نجح (حالة تركيا) وهناك من فشل بعد انتصار ( اندونيسيا ) وبالنسبة للنهضة يبدو أنها بالفعل قد خطت خطوات في هذا السياق لا تقل عن تلك التي نجدها لدى أحزاب تحمل عنوان العلمانية. وإلا فكيف نفسر دعمها للتناصف بين الرجل والمرأة في حين لم تساند هذا المبدأ أحزاب أخرى مثل الديمقراطي التقدمي؟ في المقابل أن يكون لها قواعد راديكالية هذه مسألة أخرى، وقائمة، لكن ليس إلى درجة الخوف من مصير مكتسبات، هي في الحقيقة قليلة، لأن المطلوب تعزيزها.
وماذا في ما يتعلق بتهديد نمط العيش، ثمة من بدا بالفعل يتخوف من بعض التجاذبات بالنسبة للمستقبل؟
نمط العيش بدأ يتغير مع بن علي خلال أيام حكمه الأخيرة، وبالتزامن مع الصعود السياسي لأحد أصهاره والانفتاح على الاستثمار الخليجي قبل الأزمة المالية العالمية لسنة 2009 . ومع كل المخاوف التي يطرحها مثل هذا التغيير ومدى مسه من الحريات الفردية، فإن الحل يظل دائما في وجود قوى رقابية وحقوقية تدافع عنها. من جانب آخر علينا ان ننتبه الى الاستعمال المشط لنمط العيش كتعبير غامض على خصائص الصراع الاجتماعي. فخلال الحرب الباردة كان الغرب يعمل على التعبئة ضد الاتحاد السوفياتي من خلال الدفاع عن نمط العيش الليبرالي. وتحت هذا العنوان تم خوض حرب الفيتنام، وهو لم يكن السبب الحقيقي بالطبع. كذلك تعمل العديد من النظم الاستبدادية في الخليج العربي على تأبيد الاستبداد دفاعا عن نمط عيش محدد ، في سياق من السكيزوفرينيا ومن النفاق الاجتماعي. في كل ذلك أرى حقيقتان: الأولى هي أن التونسي والعربي عموما لا يستوعبه نمط معيشي واحد. نحن نعيش حالة تداخل موجات وموضات وأنماط Une interférence. لنتذكر كيف أن عديد المحجبات كن على قائمات أحزاب يسارية وأحزاب أقصى اليسار، وكيف أن هناك من غير المحجبات من وجدن على رأس احدى قائمات حركة النهضة . قد لا يكون للأمر دلالة كبرى، ولكن مزاج التونسي يتسع لحالة من تعدد الخيارات. ومن لم يفهم هذه الحقيقة اليوم سيكون تأثيره محدود مستقبلا. ثانيا: إن تصريحات قيادات الأغلبية الجديدة قد أكدت وفي أكثر من مناسبة التزامها باحترام نمط عيش التونسيين واحترام الحريات الفردية. وأرى في ذلك ضمانات مهمة ..البقية ...علينا أن نسمع ونرى.
الحديث عن الاغلبيات يحيل الى الحديث عن الاقلية المرتقبة ودورها المرتقب ، لماذ افشل اليسار وما هو مطروح عليه أن يفعل؟
متابعة المنتدى لاجتماعات الحملات الانتخابية أكدت لنا بعض المعطيات الهامة ومنها غلبة البعد العاطفي على البعد المنطقي الحسابي. ثمة حزب لم يتم الحديث عنه وهو حزب الاعلام. أرى أن دور الإعلام وقناة نسمة كان حاسما. لقد أدى الخط التحريري للقناة الى الخلط بين السياسي والديني فسقط في أسلوب المقاربة الشمولية والسلفية من حيث لا يدري . لقد تمت مواجهة خصم سياسي من خلال مواجهة خاسرة مع المكون النفسي – الثقافي للناس. كما كانت طبيعة الحملات الاديولوجية لليسار بمثابة اللاعب الذي سجل ضد مرماه على وجه الخطإ. لم يمثل اليسار ثقلا سوسيولوجيا حتى نتحدث عن تراجع. المؤسسة الوحيدة التي كان من الممكن أن تلعب دورا هي اتحاد الشغل، الا أنه لم تتطور النقابة الى حزب عمالي كما كان الحال في أوضاع تاريخية شبيهة (على غرار حزب العمال البريطاني)، حيث جاء ظهور حزب العمل محتشما وتطغى عليه نزعة نخبوية ، في حين لم يستفد حزب العمال الشيوعي من مؤتمره ليتفاعل مع اللحظة التاريخية للثورة ليسقط عنوان «الشيوعي» والذي يمثل عائقا بسيكو-ثقافي لو تخلص منه الحزب لكان ربما القوة السياسية الثانية في البلاد، نظرا لعراقته ولرصيده النضالي الهام.
وماذا عن يسار الوسط، وخصوصا هزيمة الديمقراطي التقدمي؟
لا أفهم ما معنى هزيمة هذا الحزب؟ هل كان له حجم أكبر ثم تراجع؟ أرى ان تضخيم دور هذا الحزب هو بفعل فاعل، والفاعل هو مكاتب الدراسات الربحية التي أرادت توجيه الناخب والتلاعب به ولم تفلح بوضعه في المرتبة الثانية ، في حين كنا في المنتدى قد رتبناه في آخر استطلاعاتنا في المرتبة الرابعة (استطلاع المشاركة الشبابية لشهر سبتمبر 2011).أرى أن النتائج قد عكست الحجم الحقيقي لحزب أساء إدارة حملته الانتخابية وليست له القدرة ولا التواضع لمراجعة أسلوبه في الدعاية والتسويق السياسي و الانتقال من حزب نخبة مناضلة إلى حزب كتلة Un parti de masse . إلى ذلك فان دخول بعض الوجوه الجديدة من محترفي الأعمال والعلاقات العامة على حساب القواعد النضالية وبقطع النظر عن خلفياته الحقيقية لم يكن ينظر إليه لدى الرأي العام بغير الشك والريبة خصوصا مع تأكد تشابك هذه الانتماءات الجديدة مع حجم التمويل الاستعراضي المدعوم باستشارات أجنبية أقلقت القواعد. قناعتي هو أن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية قد بدأ من حيث انتهي الديمقراطي التقدمي ولذلك نجح في خلق توازنات جديدة واستقطب الأصوات غير المناهضة للعنصر البسيكو-ثقافي للمجتمع. في العادة عندما لا يحصل حزب ما على نتائج مرجوة في أي ديمقراطية تستقيل القيادة وتراجع ذاتها...أما في حالة الأحزاب المذكورة فلم تظهر هذه المراجعة. بالعكس هم يستعدون للتشريعية من الآن بنفس الأساليب .
صعود الإسلاميين هل سيكون نهائيا أم تتوقع تحوّلا في الانتخابات القادمة بعد ممارستهم للحكم؟
السؤال الحقيقي هو هل يمكن أن تتحول النهضة أو غيرها الى ما يشبه الحزب الديمقراطي المسيحي لتنازل وتواجه سياسيا وانتخابيا حزبا وسطيا «اجتماعي – ديمقراطي» يوما ما؟ الاجابة في نظري نعم. ولكن ثمة شروط موضوعية تتصل بالفاعلين السياسيين وأخرى ذاتية تتصل بها وبحلفائها. فموضوعيا، لا يمكن لحركة أن تتطور نحو الحالة المدنية اذا لم يتم اختبارها في السلطة لأن السلطة غلابة وهي تطبع طالبها بخصائصها وما يحدث اليوم، هو أن مؤشرات التطور الداخلي موجودة حتى وان اتهمت بازدواجية الخطاب نظرا لكونها حزب كتلة .ليس من السهل التحكم في قواعده. لذلك أرى بأنه من المهم التنبه الى هذه المطبات. فالعنف يأتي غالبا من القواعد المنفلتة. أتوقع أن يكون مؤتمرها القادم وفي ضوء الاستحقاقات السياسية القادمة تجربة أولى يمكن أن تؤكد سيطرة الشق الأكثر اعتدالا من الجيل الجديد. وبمعنى آخر، فان الأب المؤسس لهذه الحركة الشبيه بالزعيم التركي نجم الدين أربكان قد يخلفه يوما وريث سياسي من طينة رجب طيب أوردوغان. لكن موضوعيا هذا لن يحصل الا اذا راهنت الأحزاب والشركاء منها بالخصوص على وعود هذا الشق وتم التعامل معه بمنتهى الجدية .لا وجود لرابح نهائي في السياسة، ثمة رابح مؤقت .وثمة طريقة وحيدة يمكن من خلالها للأغلبية الجديدة أن تصل الى الاستحقاق القادم بتقدير ايجابي وهو تمكنها من إدارة جيدة للمحاسبة والمصالحة.
كيف ترى المشهد السياسي الآن بعد نتائج 23 أكتوبر ؟
المطلوب هو الانتقال من حكومة تصريف الاعمال (حكومة الغنوشي) ومن الحكومة المؤقتة (حكومة السيد الباجي قائد السبسي) الى حكومة تأسيسية –انتقالية حقيقية. ثمة مهام تقريرية تتصل بالقرار لا يمكن أن يقوم بها غير سياسي لانها تتصل بخيارات سياسية. حل مشكلة البطالة لا يمكن أن يتم على يد التكنوقراط، لأنه يتطلب خيارات سياسية استراتيجية: استيعاب من خلال تطوير القطاع العام والخدمات العمومية او من خلال رفع القيود الجبائية ودفوعات الحماية الاجتماعية عن الباعثين الجدد؟ أي باب يجب أن يسلك؟ هذا سؤال سياسي لا يجيب عنه سوى سياسي له شرعية وقوة ويمكن أن يدافع عن خياراته. ولا ننسى بان حكومة التكنوقراط السابقة كانت قد اكتفت بتجديد برامج التربصات الموروثة عن العهد البائد. كذلك، كيف سنعمل على حد نزيف بطالة حاملي الشهائد؟ والحال ان منظومة «امد» قد وضعت من اجل تسهيل حراك المهارات مع دول الاتحاد الأوروبي، في وقت تصدر فيه فرنسا اليوم قرارا يمنع الطلاب الأجانب بمن فيهم طلاب المدارس الكبرى من العمل داخلها؟ هنا أيضا لا يمكن للاجابة أن تكون إلا متصلة بقرار سياسي يحدد استراتيجيا ورؤية. أيضا في ما يتصل بالعدالة الانتقالية والمحاسبة ثم المصالحة. من المهم لهذه الحكومة أن تغلق ملف الماضي القريب وأن تنهي حداد المجتمع وتعلن فرحه.
كيف ترون أولويات الحكومة القادمة؟
أرى أن من مهام الحكومة أن تباشر صلاحياتها في اتخاذ القرارات من أجل ضمان حد ادنى من الاستقرار الاجتماعي، مع السماح للمجلس للعمل في ظروف ملائمة لكتابة الدستور المؤسس، ولكن ايضا لكتابة وثيقة الدستور الصغير الذي من شأنه أن يدير أعمال الحكم في المرحلة التأسيسية من أجل الاستقرار السياسي. ثمة مسألة هامة وقد تبدو بخلاف ذلك، وتتعلق في ما عدا أولوية القرار وكتابة الدستور بتنشيط العلاقة مع المحيط الحيوي لتونس. لنكن واضحين. مشكلة الشارع اليوم هي غلاء المعيشة والبطالة وهذا ما أدى الى الثورة. وإقامة علاقات جيدة مع ليبيا والجزائر هو أهم اليوم من أي شيء آخر. العديد من الناس يعتقد بأن المعونات الدولية هي التي ستخرج البلاد من عنق الزجاجة. وهذا غير مؤكد ولا حتمي لأسباب يطول شرحها. ان منفذ تونس في محيطها. ولا ننسى بأن أكبر عدد من السياح هم من الجزائر وليبيا، وأن ما يقارب المليون عاطل عن العمل، بإمكان علاقات جيدة مع المجلس الانتقالي أن تساهم في استيعاب جزء غير قليل منهم. واعتقد ان الأغلبية الحالية بتركيبتها الحالية يمكن أن تساهم في دعم هذا التوجه . ولا ننسى بأن الرقم الايجابي الوحيد للاقتصاد (ارتفاع معدل الصادرات بنسبة 10 بالمائة خلال الأشهر الثلاث الأخيرة)، يعود في جانب كبير منه إلى الشقيقة ليبيا. أتوقع أن يكون منصب وزير الخارجية أهم منصب في وزارات السيادة خلال الفترة القادمة اذا ما تم تحديد شروط لدبلوماسية نشيطة في مجال تسهيل حراك المهارات التونسية في ليبيا أولا وفي دول الخليج العربي والتي تضررت العلاقات معها عقب الثورة. لأول مرة وأكثر من أي وقت تتأكد ديناميات الداخل بتشابك كلي مع ديناميات المحيط الإقليمي المجاور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.