السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور عبد الوهّاب بن حفيظ ل«الشروق»: أخطاء اليسار وقناة نسمة والتصويت العقابي ...سرّ الحضور الكبير للنهضة
نشر في الشروق يوم 29 - 10 - 2011

سوء تقدير الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات في إلغاء الأصوات التي حصلت عليها العريضة الشعبية في سيدي بوزيد كان وراء الاحتقان الذي تعيشه المدينة منذ يومين.
هذا ما يراه الدكتور عبد الوهّاب بن حفيّظ أستاذ علم الأجتماع ورئيس منتدى العلوم الاجتماعية التّابع لمركز الدراسات والبحوث الاجتماعية الذي خصّ «الشروق» بهذا الحوار الذي نقرأ فيه نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وتفاصيل المشهد السياسي الجديد.
كيف تقرأ النتائج التي أفضت إليها الانتخابات في ضوء التجاذبات الحزبية الحاصلة بعد الإعلان عن النتائج؟
نتائج الانتخابات لا يجب ان تقرأ إلاّمن خلال صنفين من التصويت، التصويت الانخراطي الذي هو نتيجة طبيعية لتعبئة انتخابية ناجحة على أساس شعار لافت أو برنامج لافت Le vote adhésion والتصويت العقابي.Le vote sanction الذي يأت كرد فعل . لذلك، فانه في الحالة الأولى يقوم الناخب بالتصويت على أساس برنامج وفي الحالة الثانية يصوت نكاية وعقابا موجها بعنوان القطيعة مع ماض ما. لكن هناك ما هو أهم وألفت للنظر. فالتجربة في تونس ، أغنت السياسات المقارنة بظاهرة لم تكن معروفة في سوسويولوجيا الانتخاب وتتمثل في ما يمكن أن نسميه بالتصويت «مع تحويل الوجهة»، بحيث وظفت العريضة الشعبية مثلا ووظف رئيسها بالذات من أجل وصول قواعد انتخابية للحزب الحاكم السابق إلى المجلس التأسيسي. نحن إذن أمام ثلاثة أصناف من التصويت: انخراطي، نتيجة لاستثمار الأحزاب الكاسبة لماضيها النضالي، وعقابي، نتيجة لسوء إدارة الحملة من قبل الأحزاب اليسارية الأخرى، بحيث قامت التعبئة المضادة كرد للتعبئة ضد «المقدس»، واخيرا كان هناك تصويت مع تحويل الوجهة من خلال الطفرة الانتخابية للعريضة الشعبية، وهي من دون شك حالة فريدة في السلوك الانتخابي المقارن، حيث يختلط عمل الشبكات التجمعية مع العمل شبه السري مع التصويت العلني.
بعيدا عن الأرقام، هل هناك مدلول سوسيولوجي يمكن أن يفسر تشكل الأغلبية الجديدة وهل هي فعلا أغلبية؟
نحن أمام مرحلة جديدة هي أكبر من الحراك الحزبي والسياسي، إنها تتعلق بتغير عميق في الثقافة السياسية للتونسي. كنا دائما نقول بأنه ثمة في كل بلد أغلبية اجتماعيةUne majorité sociale وأغلبية ثقافيةUne majorité culturelle وأغلبية سياسية Une majorité politique. وخلال نصف قرن مضى لم تكن الأغلبية الثقافية تتلاءم وتتناسب مع الأغلبيات السياسية المصطنعة بالانتخابات المزورة. أما الآن، فيمكن أن نلاحظ بأن الجغرافيا الانتخابية قد يكون لها معنى وأنه ثمة خطوات حقيقية نحو إيجاد ملاءمة موضوعية بين تشكل الاغلبيات السياسية والثقافية والاجتماعية. فالملمح السوسيولوجي لناخب الأحزاب الغالبة (النهضة، التكتل والمؤتمر) هو من دون شك، من فئات أدنى السلم التى عانت من «الحقرة» والطبقة الوسطى. أما الأقلية السياسية الجديدة، فهي سوسيولوجيا منحدرة في الغالب من برجوازيات المدن.
هناك شيء لم تتحدثوا عنه، ضمن هذه الخارطة الانتخابية ، اين نضع مفاجأة العريضة الشعبية من الناحية السوسيولوجية وكذلك القاعدة الانتخابية التقليدية للتجمع الدستوري؟
هؤلاء يخضعون أيضا لذات التوزيع الجغرافي الانتخابي. فمثقفو التجمع من ذوي الميولات الليبرالية كانوا قد صوتوا في جانب هام منهم للتكتل من اجل العمل والحريات الى جانب النواة الواسعة من أبناء الطبقة الوسطى المتعلقين فعلا بكاريزما مصطفى بن جعفر،ومنهم من رمى بالقارورة فارغة أيضا لدى قائمات أحزاب أخرى مثل آفاق والمبادرة وحتى التقدمي. أما الكوادر الوسطى التي كانت تعمل ضمن الأطر الترابية للتجمع فجانب كبير منها، وخصوصا في الضواحي المهمشة والمدن الجديدة، لم تتردد في التصويت لحركة النهضة لأسباب تتعلق بالتموقع الثقافي والنفسي والجواري لمرشحي هذه الحركة. في المقابل كانت القاعدة الريفية التجمعية قد صوتت للعريضة الشعبية والتي وجدت فيها تلاؤما بين ضمان الدخول من خلال عنوان سياسي جديد ، وبين طبيعة الوعود الشعبوية للقائمة والتى تتلاءم مع الحاجات الملحة لريف القيروان وسيدى بوزيد والقصرين. من المهم هنا أن نعي مخاطر تحويل الوضع إلى مشكلة جهوية غير قابلة للحل.
هل ترون أن قرار إلغاء القائمات في هذه الحالة صائب؟
يجب أن لا ننسى أولا وقع المفاجأة والتي عكست الحجم الحقيقي للتصويت على العريضة . هناك قاعدة انتخابية تابعة للحزب الحاكم السابق عبرت نفسها في الساحل ولم يطرح ذلك إشكالا، فلماذا يتم إلغاء قائمات العريضة التي تأكد حضورها في الأوساط الريفية وغير المدنية. في ظني ان الهيئة عملت تحت ضغط جانب من الرأي العام. وعليها الآن ان تعمل على التهدئة وعدم «احتقار» الأطراف التي وراءها وإحالة الموضوع على القضاء. لا شك بأن شخصية من وراء العريضة مثيرة للجدل والجميع يعرف ذلك، كما أن حظوظه السياسية كشخص هي شبه منعدمة، لقد تم توظيف عنوانه كأصل تجاري لا أكثر، من أجل تأمين وجود «التجمعيين» من غير منطقة الساحل، للتواجد في المجلس. وعلى الوزير الأول وبالتوافق مع الهيئة أن يسعى في اتجاه حل قضائي مستعجل وعدم الاكتفاء بقرار الهيئة الذي تسبب في ردود أفعال عنيفة.
هناك مخاوف كبيرة على حداثة المجتمع وتقاليده في الانفتاح ونمط العيش من صعود الإسلاميين ،هذه المخاوف الى أي حد يمكن تبريرها؟
هناك شقين في السؤال، الأول يتعلق بحظوظ تحول حركة دينية إلى حزب مدني، ومنها ما يتعلق بنمط العيش. بالنسبة للجانب الأول، نعم بإمكان الحركات الدينية أن تتحول إلى حركات مدنية على غرار ما حدث للديمقراطيات المسيحية وأيضا لبعض الأحزاب الدينية – القومية الارتودوكسية. لكن ذلك سيتطلب وقتا يتأكد فيه الانتقال من ثقافة الفرقة الناجية وفق الثقافة السياسية السنية الى ثقافة «الحزب» المختلف. هناك من هذه الأحزاب من نجح (حالة تركيا) وهناك من فشل بعد انتصار ( اندونيسيا ) وبالنسبة للنهضة يبدو أنها بالفعل قد خطت خطوات في هذا السياق لا تقل عن تلك التي نجدها لدى أحزاب تحمل عنوان العلمانية. وإلا فكيف نفسر دعمها للتناصف بين الرجل والمرأة في حين لم تساند هذا المبدأ أحزاب أخرى مثل الديمقراطي التقدمي؟ في المقابل أن يكون لها قواعد راديكالية هذه مسألة أخرى، وقائمة، لكن ليس إلى درجة الخوف من مصير مكتسبات، هي في الحقيقة قليلة، لأن المطلوب تعزيزها.
وماذا في ما يتعلق بتهديد نمط العيش، ثمة من بدا بالفعل يتخوف من بعض التجاذبات بالنسبة للمستقبل؟
نمط العيش بدأ يتغير مع بن علي خلال أيام حكمه الأخيرة، وبالتزامن مع الصعود السياسي لأحد أصهاره والانفتاح على الاستثمار الخليجي قبل الأزمة المالية العالمية لسنة 2009 . ومع كل المخاوف التي يطرحها مثل هذا التغيير ومدى مسه من الحريات الفردية، فإن الحل يظل دائما في وجود قوى رقابية وحقوقية تدافع عنها. من جانب آخر علينا ان ننتبه الى الاستعمال المشط لنمط العيش كتعبير غامض على خصائص الصراع الاجتماعي. فخلال الحرب الباردة كان الغرب يعمل على التعبئة ضد الاتحاد السوفياتي من خلال الدفاع عن نمط العيش الليبرالي. وتحت هذا العنوان تم خوض حرب الفيتنام، وهو لم يكن السبب الحقيقي بالطبع. كذلك تعمل العديد من النظم الاستبدادية في الخليج العربي على تأبيد الاستبداد دفاعا عن نمط عيش محدد ، في سياق من السكيزوفرينيا ومن النفاق الاجتماعي. في كل ذلك أرى حقيقتان: الأولى هي أن التونسي والعربي عموما لا يستوعبه نمط معيشي واحد. نحن نعيش حالة تداخل موجات وموضات وأنماط Une interférence. لنتذكر كيف أن عديد المحجبات كن على قائمات أحزاب يسارية وأحزاب أقصى اليسار، وكيف أن هناك من غير المحجبات من وجدن على رأس احدى قائمات حركة النهضة . قد لا يكون للأمر دلالة كبرى، ولكن مزاج التونسي يتسع لحالة من تعدد الخيارات. ومن لم يفهم هذه الحقيقة اليوم سيكون تأثيره محدود مستقبلا. ثانيا: إن تصريحات قيادات الأغلبية الجديدة قد أكدت وفي أكثر من مناسبة التزامها باحترام نمط عيش التونسيين واحترام الحريات الفردية. وأرى في ذلك ضمانات مهمة ..البقية ...علينا أن نسمع ونرى.
الحديث عن الاغلبيات يحيل الى الحديث عن الاقلية المرتقبة ودورها المرتقب ، لماذ افشل اليسار وما هو مطروح عليه أن يفعل؟
متابعة المنتدى لاجتماعات الحملات الانتخابية أكدت لنا بعض المعطيات الهامة ومنها غلبة البعد العاطفي على البعد المنطقي الحسابي. ثمة حزب لم يتم الحديث عنه وهو حزب الاعلام. أرى أن دور الإعلام وقناة نسمة كان حاسما. لقد أدى الخط التحريري للقناة الى الخلط بين السياسي والديني فسقط في أسلوب المقاربة الشمولية والسلفية من حيث لا يدري . لقد تمت مواجهة خصم سياسي من خلال مواجهة خاسرة مع المكون النفسي – الثقافي للناس. كما كانت طبيعة الحملات الاديولوجية لليسار بمثابة اللاعب الذي سجل ضد مرماه على وجه الخطإ. لم يمثل اليسار ثقلا سوسيولوجيا حتى نتحدث عن تراجع. المؤسسة الوحيدة التي كان من الممكن أن تلعب دورا هي اتحاد الشغل، الا أنه لم تتطور النقابة الى حزب عمالي كما كان الحال في أوضاع تاريخية شبيهة (على غرار حزب العمال البريطاني)، حيث جاء ظهور حزب العمل محتشما وتطغى عليه نزعة نخبوية ، في حين لم يستفد حزب العمال الشيوعي من مؤتمره ليتفاعل مع اللحظة التاريخية للثورة ليسقط عنوان «الشيوعي» والذي يمثل عائقا بسيكو-ثقافي لو تخلص منه الحزب لكان ربما القوة السياسية الثانية في البلاد، نظرا لعراقته ولرصيده النضالي الهام.
وماذا عن يسار الوسط، وخصوصا هزيمة الديمقراطي التقدمي؟
لا أفهم ما معنى هزيمة هذا الحزب؟ هل كان له حجم أكبر ثم تراجع؟ أرى ان تضخيم دور هذا الحزب هو بفعل فاعل، والفاعل هو مكاتب الدراسات الربحية التي أرادت توجيه الناخب والتلاعب به ولم تفلح بوضعه في المرتبة الثانية ، في حين كنا في المنتدى قد رتبناه في آخر استطلاعاتنا في المرتبة الرابعة (استطلاع المشاركة الشبابية لشهر سبتمبر 2011).أرى أن النتائج قد عكست الحجم الحقيقي لحزب أساء إدارة حملته الانتخابية وليست له القدرة ولا التواضع لمراجعة أسلوبه في الدعاية والتسويق السياسي و الانتقال من حزب نخبة مناضلة إلى حزب كتلة Un parti de masse . إلى ذلك فان دخول بعض الوجوه الجديدة من محترفي الأعمال والعلاقات العامة على حساب القواعد النضالية وبقطع النظر عن خلفياته الحقيقية لم يكن ينظر إليه لدى الرأي العام بغير الشك والريبة خصوصا مع تأكد تشابك هذه الانتماءات الجديدة مع حجم التمويل الاستعراضي المدعوم باستشارات أجنبية أقلقت القواعد. قناعتي هو أن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية قد بدأ من حيث انتهي الديمقراطي التقدمي ولذلك نجح في خلق توازنات جديدة واستقطب الأصوات غير المناهضة للعنصر البسيكو-ثقافي للمجتمع. في العادة عندما لا يحصل حزب ما على نتائج مرجوة في أي ديمقراطية تستقيل القيادة وتراجع ذاتها...أما في حالة الأحزاب المذكورة فلم تظهر هذه المراجعة. بالعكس هم يستعدون للتشريعية من الآن بنفس الأساليب .
صعود الإسلاميين هل سيكون نهائيا أم تتوقع تحوّلا في الانتخابات القادمة بعد ممارستهم للحكم؟
السؤال الحقيقي هو هل يمكن أن تتحول النهضة أو غيرها الى ما يشبه الحزب الديمقراطي المسيحي لتنازل وتواجه سياسيا وانتخابيا حزبا وسطيا «اجتماعي – ديمقراطي» يوما ما؟ الاجابة في نظري نعم. ولكن ثمة شروط موضوعية تتصل بالفاعلين السياسيين وأخرى ذاتية تتصل بها وبحلفائها. فموضوعيا، لا يمكن لحركة أن تتطور نحو الحالة المدنية اذا لم يتم اختبارها في السلطة لأن السلطة غلابة وهي تطبع طالبها بخصائصها وما يحدث اليوم، هو أن مؤشرات التطور الداخلي موجودة حتى وان اتهمت بازدواجية الخطاب نظرا لكونها حزب كتلة .ليس من السهل التحكم في قواعده. لذلك أرى بأنه من المهم التنبه الى هذه المطبات. فالعنف يأتي غالبا من القواعد المنفلتة. أتوقع أن يكون مؤتمرها القادم وفي ضوء الاستحقاقات السياسية القادمة تجربة أولى يمكن أن تؤكد سيطرة الشق الأكثر اعتدالا من الجيل الجديد. وبمعنى آخر، فان الأب المؤسس لهذه الحركة الشبيه بالزعيم التركي نجم الدين أربكان قد يخلفه يوما وريث سياسي من طينة رجب طيب أوردوغان. لكن موضوعيا هذا لن يحصل الا اذا راهنت الأحزاب والشركاء منها بالخصوص على وعود هذا الشق وتم التعامل معه بمنتهى الجدية .لا وجود لرابح نهائي في السياسة، ثمة رابح مؤقت .وثمة طريقة وحيدة يمكن من خلالها للأغلبية الجديدة أن تصل الى الاستحقاق القادم بتقدير ايجابي وهو تمكنها من إدارة جيدة للمحاسبة والمصالحة.
كيف ترى المشهد السياسي الآن بعد نتائج 23 أكتوبر ؟
المطلوب هو الانتقال من حكومة تصريف الاعمال (حكومة الغنوشي) ومن الحكومة المؤقتة (حكومة السيد الباجي قائد السبسي) الى حكومة تأسيسية –انتقالية حقيقية. ثمة مهام تقريرية تتصل بالقرار لا يمكن أن يقوم بها غير سياسي لانها تتصل بخيارات سياسية. حل مشكلة البطالة لا يمكن أن يتم على يد التكنوقراط، لأنه يتطلب خيارات سياسية استراتيجية: استيعاب من خلال تطوير القطاع العام والخدمات العمومية او من خلال رفع القيود الجبائية ودفوعات الحماية الاجتماعية عن الباعثين الجدد؟ أي باب يجب أن يسلك؟ هذا سؤال سياسي لا يجيب عنه سوى سياسي له شرعية وقوة ويمكن أن يدافع عن خياراته. ولا ننسى بان حكومة التكنوقراط السابقة كانت قد اكتفت بتجديد برامج التربصات الموروثة عن العهد البائد. كذلك، كيف سنعمل على حد نزيف بطالة حاملي الشهائد؟ والحال ان منظومة «امد» قد وضعت من اجل تسهيل حراك المهارات مع دول الاتحاد الأوروبي، في وقت تصدر فيه فرنسا اليوم قرارا يمنع الطلاب الأجانب بمن فيهم طلاب المدارس الكبرى من العمل داخلها؟ هنا أيضا لا يمكن للاجابة أن تكون إلا متصلة بقرار سياسي يحدد استراتيجيا ورؤية. أيضا في ما يتصل بالعدالة الانتقالية والمحاسبة ثم المصالحة. من المهم لهذه الحكومة أن تغلق ملف الماضي القريب وأن تنهي حداد المجتمع وتعلن فرحه.
كيف ترون أولويات الحكومة القادمة؟
أرى أن من مهام الحكومة أن تباشر صلاحياتها في اتخاذ القرارات من أجل ضمان حد ادنى من الاستقرار الاجتماعي، مع السماح للمجلس للعمل في ظروف ملائمة لكتابة الدستور المؤسس، ولكن ايضا لكتابة وثيقة الدستور الصغير الذي من شأنه أن يدير أعمال الحكم في المرحلة التأسيسية من أجل الاستقرار السياسي. ثمة مسألة هامة وقد تبدو بخلاف ذلك، وتتعلق في ما عدا أولوية القرار وكتابة الدستور بتنشيط العلاقة مع المحيط الحيوي لتونس. لنكن واضحين. مشكلة الشارع اليوم هي غلاء المعيشة والبطالة وهذا ما أدى الى الثورة. وإقامة علاقات جيدة مع ليبيا والجزائر هو أهم اليوم من أي شيء آخر. العديد من الناس يعتقد بأن المعونات الدولية هي التي ستخرج البلاد من عنق الزجاجة. وهذا غير مؤكد ولا حتمي لأسباب يطول شرحها. ان منفذ تونس في محيطها. ولا ننسى بأن أكبر عدد من السياح هم من الجزائر وليبيا، وأن ما يقارب المليون عاطل عن العمل، بإمكان علاقات جيدة مع المجلس الانتقالي أن تساهم في استيعاب جزء غير قليل منهم. واعتقد ان الأغلبية الحالية بتركيبتها الحالية يمكن أن تساهم في دعم هذا التوجه . ولا ننسى بأن الرقم الايجابي الوحيد للاقتصاد (ارتفاع معدل الصادرات بنسبة 10 بالمائة خلال الأشهر الثلاث الأخيرة)، يعود في جانب كبير منه إلى الشقيقة ليبيا. أتوقع أن يكون منصب وزير الخارجية أهم منصب في وزارات السيادة خلال الفترة القادمة اذا ما تم تحديد شروط لدبلوماسية نشيطة في مجال تسهيل حراك المهارات التونسية في ليبيا أولا وفي دول الخليج العربي والتي تضررت العلاقات معها عقب الثورة. لأول مرة وأكثر من أي وقت تتأكد ديناميات الداخل بتشابك كلي مع ديناميات المحيط الإقليمي المجاور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.