يعدّ الاستاذ المحامي والحقوقي صلاح الوريمي أحد أشهر وجوه الحركة الطلابية، وهو عضو الهيئة المديرة للرابطة ، وهو راصد متميّز للحياة السياسية في تفاصيلها، في هذا الحوار يكشف عن تحليله ورؤيته لنتائج الانتخابات الفارطة. بصفتك رئيس قائمة مستقلة لم تفز في انتخابات المجلس التأسيسي، ما هو تقييمك للعملية الانتخابية عموما؟ قائمة الملتزمين الاحرار هي قائمة مستقلة لم تفز بمقعد في المجلس التأسيسي لكن فزنا مع كامل الشعب التونسي بقطع النظر عمن فاز، بنجاح الشعب في بداية تحقيق أحد أهداف الثورة وهو انتخاب مجلس تأسيسي بصورة ديمقراطية ولو كانت نسبية فأنا شخصيا أهنئ الفائزين وأرجو أن يكونوا في مستوى طموحات الشعب وأهداف الثورة ومتطابقة أقوالهم مع أفعالهم. كيف تفسر الانتصار الساحق لحزب النهضة في الانتخابات؟ هي مسألة موضوعية فحزب النهضة مهيكل بصورة جيدة وله عدد كبير من المنخرطين وله امكانيات مالية ضخمة كما أن له رصيدا نضاليا وعليه، من الطبيعي أن يفوز هذا الحزب بشكل جيد، والنسبة المعقولة هي الربع تقريبا وما زاد على ذلك هو ما التقطه من أخطاء غيره سواء لعدم جاهزيتهم تنظيميا أو لخطإ في الممارسة. هل من أجل هذا فقط تمكنت «النهضة» من هذا الفوز الكبير؟ كلا إن النهضة وظفت كل تلك المعطيات لحبك خطة محكمة للاستيلاء على أكبر عدد ممكن من الناخبين فالكل يذكر ان النهضة كانت حريصة على اجراء الانتخابات في 24 جويلية وقد استغلت التمديد الى شهر أكتوبر لتحسم الامر نهائيا لصالحها. فقد استغلت شهر رمضان لتوظيف التواجد الكمي الكبير للمواطنين بالمساجد أثناء صلاة التراويح للتأثير عليهم وعقد تعهدات مع الشخصيات ذات النفوذ بالمجتمع إذ يبدو أنها كونت شبكة علاقات مع باقي التجمع المنحل والمتناثرين من منخرطيه على كامل مساحة الجمهورية كما أنها استمالت حسب ما يبدو أغلب العمد يضاف الى كل ذلك فضاءات المساجد ومساحات الشعب الترابية وما عليها من تجمعيين عاديين لم يشملهم المنع فماذا بقي إذن خارج كل هذه الاطر؟ لقد بقي القليل من الباقي فالتقطته الاحزاب الاكثر تنظما مثل التكتل والحزب الديمقراطي التقدمي. لكنك لم تذكر بقية الفائزين؟ بالنسبة الى حزب المؤتمر من اجل الجمهورية حزب مناضل ومحترم وهو ضمن تلك الأحزاب المقصودة الا انني والحق يقال فوجئت من نمطية انتصاره وكثرة ممثليه وقد يرجع ذلك الى كاريزما رئيسه وثبات مناضليه وربما لأسباب أخرى مثل طبيعة تحالفاته مع الفائز الأكبر. ولكنك لم تتعرض للعريضة الشعبية؟ أنا لم اسمع بهذا الكائن الغريب اطلاقا فهل كان يعمل في السرية وخرج فجأة أم هو زرع زرعا داخل المجتمع بوسائل قد تكون مشبوهة ويجب التثبت في هذه القائمة على أساس الشبهة التي راجت حولها حتى أن ممثل النهضة السيد علي العريض قال انه لا يعرفها أصلا ولكن حسب رأيي فإن عدد الناخبين الذين ساندوها ولو بتحايل عنهم يستحق الاحترام ومن الضروري انصافهم ولكن لابد ان يعرف الشعب ان تحالفا وقع بين المال السياسي والدعاية غير القانونية حسب قانون الانتخاب وأحد أو بعض منتسبي الحزب المنحل الذين سخّروا جيشا من الناخبين لصالح هذه القائمة والأمر في اعتقادي يستوجب تدقيقا من طرف الهيئة المستقلة نفسها ومن المحكمة الإدارية وإنني أستغرب من سكوت الفائزين وغير الفائزين عن هذا الاختراق النوعي للمجلس التأسيسي من طرف مجموعة غريبة ومشبوهة قد تكون عودة الى رجال النظام المنحل. هل تعتبر نتيجة الانتخابات منصفة؟ هي شرعية بالتأكيد ولكنها ليست منصفة، لأن من الفائزين من لم يكن طرفا في الثورة ومن بين من لم يفوزوا من كان فاعلا في الثورة وأقصد جمهور المستقلين والطلبة والنقابيين والشباب والمرأة وبعض الأحزاب الصغيرة المناضلة فأين رصيد هؤلاء في هذه الانتخابات؟ كما أقصد أن نتيجة الانتخابات ليست متطابقة فعلا مع شعارات الثورة. كما يشغلني كذلك معطى خطير جدا قد يكون حدد نتيجة الانتخابات وهو إرادة الناخبين الأميين. ففي اعتقادي لم يقع احترام هذه الارادة رغم ان نسبتهم قد تصل الى الربع من جملة المشاركين في الاقتراع اي انها تقارب المليونين فأين ذهبت أصواتهم ولمن صوّتوا وكيف وقع التأكد من سلامة إرادة كل واحد منهم ولماذا لم تقترح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات طريقة ديمقراطية تضمن توفر الارادة كتخصيص مكاتب تحت اشراف لجنة محلفة يرأسها قاض مثلا؟ وقد يكون هذا العامل هو الذي حسم سيطرة بعض الفائزين يضاف الى كل ذلك عدم قدرة المختصين والمجتمع عموما على تفسير ظاهرة بروز قائمة العريضة التي ليس لها تاريخ وهي غير معروفة وتحوم حولها شبهات واذا جمعنا كل هذه العناصر الغامضة تصبح العملية الانتخابية مشوشة نسبيا في الجوهر رغم صحتها شكلا وحتى الشكل نفسه شابته بعض الخروقات مثل عدم تأكد الهيئة المستقلة من الحيادية التامة لأعضاء المكاتب المشرفة على الانتخابات كذلك عدم القيام بما يلزم لمنع الدعاية داخل المكاتب الانتخابية وفي محيطها اضافة الى بروز ظاهرة شراء الذمم والأصوات والتغرير بالناس الى غير ذلك من الخروقات المتكررة في أغلب الدوائر وعلى مستوى كل مكاتب الاقتراع، ثم في النهاية وليس آخرا فإن الانتخابات لم تكن متطابقة مع طموحات الشباب الثائر بل ان أغلب الفائزين يصنفون ضمن خانة المحافظين ولكن على أية حال فإن ذلك لا ينقص من جوهر صحة الاستحقاق الانتخابي ولا من مشروعية المنتخبين. كيف تقيم أداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؟ قامت الهيئة المستقلة بمجهود كبير جدا، تشكر عليه وأكثر، لكنها تركت ثغرات خطيرة أثرت على فحوى النتائج النهائية، مثل عدم التأكد من احترام ارادة الاميين الذين يشكلون ربع الناخبين تقريبا وكذلك عدم قيامها بما يلزم لمنع وقوع خروقات بالجملة، وعدم مراقبة المال السياسي والدعاية غير القانونية وكل ذلك وقع فعلا، ووقوعه قد يكون حدد نتيجة الانتخابات كيفما هي عليه الآن. وأقول دائما إن هذا لا ينقص من استحقاق الفائزين باستثناء ما سمي بالعريضة التي يستوجب فوزها تدقيقا من الهيئة ومن المحكمة الإدارية. يبدو أنك تلمح لشيء ما؟ أنا لا ألمح بل أقول إنني لم أفهم لماذا أهملت الهيئة إرادة الأميين الذين هم ربع الناخبين، ولم تفعل ما يلزم لمنع الخروقات الكثيرة وكذلك أريد تفسيرا لظاهرة بروز العريضة الشعبية، كما أنني لم أفهم النمطية الغريبة في الفوز حتى خارج تراب الجمهورية فكأنهما منتوج معملي، فهل هي مجرد صدفة لارادة ذاتية شعبية فعلا أم توجد عوامل أخرى جعلت نتيجة الانتخابات نمطية بشكل يثير بشكل يثير الدهشة والتساؤل إذن هل يعقل أن تكون النتيجة هي نفسها في الترتيب تماما كما في حلق الجمل أو فم النقب ببني خداش من دائرة مدنين وفي ألمانيا وفرنسا كذلك وربما تزول هذه الرتابة المشبوهة لو فهمنا فعلا ما هو الخيط الناظم بين الفائزين من بنزرت الى مدنين في المدن الكبرى وفي الأرياف ممن انتسبوا لمن سميت بالعريضة الشعبية. ألا ترى أن تشتت اليسار ساهم في تضخيم فوز النهضة وتسهيله؟ لقد ثبت للجميع أن اليسار كان فاعلا جدا في اندلاع الثورة ونشيطا في توجيهها وكنا نتوقع تمثيلية معقولة لهذا التيار المناضل والتقدمي، لكن الأمر كان بمثابة الصدمة وإنني شخصيا أحمل المسؤولية التامة للتنظيمات الفاعلة فيه وتحديدا أوجه النقد الصريح الى أمنائها العامين، فهؤلاء لم يفعلوا الكثير لتوحيد التيار ولو لمجرد انجاز مهمة الانتخابات ومع تأكيدي على نضالية هؤلاء فهذا لا يعفيهم من المسؤولية عما وصل إليه اليسار ومن بين أخطائهم أنهم شلوا جبهة 14 جانفي والحال أنها كانت الاطار المناسب الوحيد والناجح لخوض الانتخابات والانتصار فيها ولو بحدّ أدنى ولائق، لكن هيهات وعليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم ويقدموا نقدهم الذاتي لجزء كبير من الشعب الذي انخرط وراء اليسار وللمناضلين الذين خاضوا التجربة من منطلق الحماسة والذود عن تمثيلية القوى التقدمية عند تفطنهم الى الخطإ المنهجي الذي اقترفه زعماء اليسار ولم يجدوا أي مساندة من تلك الأحزاب لا بل كان حريا بكل تلك التنظيمات اليسارية ألا تتقدم في كل الدوائر الانتخابية في شكل استعراضي لا يفيد بالضرورة القوة التنظيمية ونجاعة النتائج وكان حري بها أن تتقدم موحدة بمناضلين مستقلين عن تلك التنظيمات ولكنهم يحملون مبادئها ومبادئ الثورة وهكذا كان بالامكان أن يتمثل اليسار التقدمي بحد أدنى معقول وسيترك ذلك أثرا جيدا لدى عامة الشعب في وحدة اليسار التقدمي ونضاليته ولكن هيهات ولا بد من التقييم الصحيح وتقديم النقد الذاتي والتقدم نحو برنامج يوحد كل القوى التقدمية بمن في ذلك اليسار والقوميون والاسلاميون التقدميون والشخصيات المستقلة لاتمام انجاز بقية أهداف الثورة بما في ذلك مراقبة أداء الفائزين وتشكيل معارضة محترمة موحدة ومناضلة. ما رأيك في تصريحات الفائزين؟ بعضها يبدو مطمئنا وبعضها يبدو محيرا، ولكن الشعب يخاف من سياسة «التقية» فيجب أن تكون الأمور واضحة: مدة لا تفوق سنة ومهمة محصورة تحديدا في انجاز دستور جديد ديمقراطي يتماشى وطموحات الشعب وأهداف الثورة، كتشكيل سلطة تنفيذية من التكنوقراط لا علاقة لها بالأغلبية وبالأقلية بل مرتبطة بالمصلحة العامة للبلاد تنجز المهام المتأكدة وتواصل تمثيل المشاريع الكبرى وتحل بعض المشاكل الحياتية للفئات الاجتماعية الأكثر تضررا والجهات المهمشة، وما زاد على ذلك وما يتعلق بالجوهر فهو من مشاغل السلطة الشرعية الدائمة المزمع انبثاقها بعد هذه السلطة الحالية الشرعية الانتقالية والمؤقتة والتي ليس لها حاليا أن تأخذ ما لم يفوضها في شأنه الشعب، فهي سلطة شرعية فعلا لكنها انتقالية ومكلفة بمهمة ولا غير إلا ما استوجبته ضرورة استمرار الدولة وضروريات الحياة للشعب وكل ما تأكد ومن شأنه أن يمس من أمن الثورة وأمن الدولة ومصلحة الشعب العليا إن لم ينفذ.